رغم مرور ما يزيد عن الشهر الكامل على العدوان الصهيوني على قطاع غزة، فإن الكيان الصهيوني يشهد خسائر فادحة ما بين خسائر في الأرواح أو مادية واقتصادية، مقابل النجاح الكبير لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، والذي يأتي على ألسنة الخبراء الاستراتيجيين الصهاينة أنفسهم.
تراجع بنك الأهداف
يشهد الكيان خسائر كبيرة، أهمها التراجع الكبير في بنك الأهداف داخل غزة، بعدما شدد نتنياهو، مرارًا، على وجوب القضاء على حركة “حماس” في القطاع، فإنه حتى اللحظة لم يتم الوصول إلى أي من قيادات الحركة السياسية والعسكرية، واغتيالهم، سواء داخل غزة أو الضفة أو القدس، باستثناء مجموعة صغيرة من عناصر “كتائب القسام”، الذراع العسكري لحركة حماس.
ويمثل الأسرى الصهاينة بيد “حماس”، الهدف الثاني الذي فشلت فيه “تل أبيب” أمام الحركة الفلسطينية، إذ أصر المسؤولون الصهاينة على ضرورة استعادتهم، دون جدوى، حتى الآن، رغم مرور ما يزيد عن 31 يومًا كاملة على بدء عملية “طوفان الأقصى”، والتي بدأت فجر السابع من أكتوبر الماضي؛ ما يسجل فشلا سياسيًا صهيونيًا في تحديد بنوك الأهداف أثناء الحرب على غزة.
الفشل الاستخباراتي وصدمة “السبت الأسود”
ويعد عنصر “المفاجأة” فشلاً استخباراتيًاً يضاف إلى الفشل السياسي للكيان الصهيوني، فما تزال “تل أبيب” تعيش صدمة “السبت الأسود”، وهو المصطلح الجديد لما جرى من إعلان “حماس” لعملية “طوفان الأقصى” يضاف إلى مفهوم “6 أكتوبر جديدة” أو “11 سبتمبر جديدة”، أو “هولوكوست ثانية”؛ حيث لم تذكر وسائل الإعلام الصهيونية الصادرة باللغة العبرية أي كلمات تدل على مدى الفداحة التي لحقت بالكيان، سوى كلمات أو مصطلحات تشهد على قوة الخسائر التي لحقت به، مثل “فشل.. مفاجأة.. [هولوكوست]..”، في حين لم تذكر أي من الكلمات الفضفاضة مثل (إخفاق.. تقصير..) للدلالة على عظم الخسائر السياسية والاقتصادية التي وقع فيها الكيان في “طوفان الأقصى”؛ وذلك كله مقارنة بتقرير “فينوغراد”، والخاص بالتحقيق في نتائج الحرب الصهيونية الثانية على لبنان، صيف 2006، والتي لم يذكر فيها كلمة “فشل” ولو مرة واحدة، في حين تم الاستشهاد بكلمتي “إخفاق وتقصير”، لما يزيد عن 72 مرة!
وتم استخدام تلك المصطلحات والتي دخلت في أدبيات الصراع العربي الصهيوني، لاستدرار عطف المجتمع الدولي، ولتضخيم ما جرى في السابع من أكتوبر، بالإضافة إلى جلب المزيد من المساعدات العسكرية والاقتصادية.
الاستهانة بقدرات “حماس” فشل عسكري
فيما جاءت الاستهانة الصهيونية بقدرات “حماس” العسكرية، لتسجل حالة من الفشل العسكري، إذ رغم وصول تقارير لنتنياهو، في أبريل الماضي، تقضي بتعاظم قوة حركات المقاومة الفلسطينية في القطاع، خاصة “حماس”، فإن “بيبي” لم يعر أي اهتمام يذكر بتلك التقارير الاستخباراتية، نتيجة لانشغاله بملف التعديلات القضائية؛ ناهيك عن سقوط أسطورة الدبابة” ميركافاه” وحاملة الجند “النمر” التي أسقطتهما الصواريخ البدائية لحماس، والتي لا تقارن ماديًا بالقدرة المادية للكيان الصهيوني.
ويضاف إسقاط أسطورة أنظمة الدفاع الصهيونية إلى قائمة النجاحات التي حققتها حركات المقاومة الفلسطينية، فقد سقطت أنظمة “القبة الحديدية” والخاصة بالدفاع ضد الصواريخ قصيرة المدى، وأنظمة “مقلاع ديفيد” والخاصة بالصواريخ متوسطة المدى، فضلا عن منظومة “حيتس/آرو” للصواريخ بعيدة المدى، حيث حققت فصائل المقاومة نجاحًا مدويًا في إسقاط تلك المنظومة الصهيونية، لتسجل بذلك فشلاً عسكريًا، وهو ما جاء على ألسنة مسؤولين وخبراء صهاينة كُثر.
إسقاط أسطورة منظومة الأسلحة.. فشل اقتصادي
ويعتبر إسقاط تلك المنظومات على يد الرشقات الصاروخية والصواريخ الفلسطينية البدائية، فشلاً اقتصاديًا، نتيجة لاعتماد الكيان الصهيوني على مبيعات الأسلحة المتقدمة، والتي كشفتها الفصائل الفلسطينية البسيطة، عدة وعتادًا، خلال أيام الحرب الدائرة على قطاع غزة.
والثابت أن الجيش الصهيوني كان يدخل في مناورات عسكرية، دورية، بهدف التدريب على الحروب متعددة الجبهات، منذ ما يزيد عن الخمس سنوات، سواء مناورات مفتوحة أمام جيوش كبيرة، أو للتدريب على مواجهة “حرب العصابات”، لكنه سقط في أول اختبار أمام حركة فلسطينية صغيرة، حيث كشفت الحماسة الفلسطينية وعرَّت من قيمة المنظومة العسكرية الصهيونية، وقللت من قدرها، تمامًا.
“مدينة الخيام”.. فشل اجتماعي
ومع نجاح “حزب الله” اللبناني في إجبار الكيان على نزوح مئات الآلاف من مستوطني الشمال إلى صحراء النقب أو مدينة إيلات، بالإضافة إلى مئات الآلاف من مستوطني غلاف غزة، فإن الصهيونية لم تمر من قبل طيلة عقود إقامة الكيان بمشهد “الخيام” أو إقامة مدينة “خيام” للمستوطنين في إيلات (أم الرشراش المصرية)، والغريب أن موقع “واللا” العبري قد أكد تكالب المستوطنين الصهاينة على المساعدات الإنسانية الحكومية التي وصلت إليهم داخل مقر إقامتهم في فنادق إيلات، واصفًا هذا المشهد بـ”مخيمات اللاجئين” الفلسطينية، حيث انقلب السحر على الساحر!
ويتضح من تواجد مئات الآلاف من المستوطنين في مدينة “الخيام” أنه لا توجد بدائل أمام الكيان، أو توفر خطط وسيناريوهات اقتصادية واجتماعية لمستوطنيها، رغم “الصداع” الصهيوني الذي سبق فجر السابع من أكتوبر “طوفان الأقصى” من أن الصهيونية على استعداد لأي سيناريوهات، عسكرية كانت أو اقتصادية واجتماعية، حيث قدر سموتريتش، وزير المالية الصهيوني أنه تم إنفاق 30 مليار شيكل (الشيكل يساوي 0.25 دولار أمريكي) على تلك الحرب، حتى الأول من الشهر الجاري فقط.
يومًا تلو الآخر، تتهاوى بنوك الأهداف التي حددها الكيان الصهيوني خلال حربه الدائرة على غزة، وذلك بعدما حققت المقاومة الفلسطينية نجاحات مدوية، كل ساعة، وما تراجع الجيش الصهيوني عن الدخول لعمق قطاع غزة إلا تخوفًا كبيرًا من “فخاخ” حرب العصابات.