يتخذ واجب النصرة لأهل غزة وفلسطين أشكالاً ذات خصوصية في الديار الغربية، حيث يجتهد مسلمو الغرب في رفع المظلمة عن إخوانهم، مستفيدين من بعض الأدوات المتاحة التي يتم توظيفها لخدمة القضية الفلسطينية العادلة.
التظاهر في الشارع
إن مسلمي الغرب يدركون أهمية ضغط الشارع على أصحاب القرار في البلاد الغربية، حيث لا يمكن الاستهانة بمطالب الرأي العام، ومعلوم أن بعض القيادات الغربية راهنت في البداية على محاولة منع أي مظهر من مظاهر التأييد لمظلمة أهل غزة، في سياق الانحياز لسردية الكيان المحتل، ولكن الشارع ضغط في اتجاه حق التظاهر المنصوص عليه في الدساتير، وحصلت مناوشات بين المتظاهرين والشرطة في بلد مثل فرنسا، واضطرت الحكومات الغربية إلى الانصياع إلى الإرادة الفولاذية لجزء من الرأي العام والترخيص بالتظاهر، ورُفعت شعارات قوية مطالبة بالوقف الفوري لإطلاق النار وللإبادة الجماعية للمدنيين خاصة من الأطفال والنساء والشيوخ، ومطالبة أيضاً بإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة لشعب غزة.
في هذا السياق، نشطت جمعيات مدنية من المسلمين وغير المسلمين في اتجاه الإحساس بأهمية التظاهر والنزول إلى الشارع والتعبير عن الغضب إزاء سياسة الكيل بمكيالين، من حيث المواقف الغربية الرسمية مقارنة لما يحصل في أوكرانيا وغزة، على سبيل المثال.
الثقل الانتخابي
من بين الأدوات الأخرى المهمة التي يمتلكها مسلمو الغرب للضغط في اتجاه رفع المظلمة عن أهل غزة وفلسطين، توظيف الثقل الانتخابي.
ومعلوم أن التواجد الإسلامي في ديار الغرب شهد تزايداً ملحوظاً في العشريات الأخيرة، بل يشهد أيضاً -وهو الأهم- تحولاً تدريجياً من الكم إلى الكيف أو من الحجم إلى النوعية، وهناك حركة وعي متنامية في صفوف الأجيال الجديدة من مسلمي الغرب تطالب بحقوق المواطنة كاملة وتضغط في اتجاه تحقيق هذه الحقوق عبر الصندوق الانتخابي.
ولعله وبموضوعية تبقى ميزة المجتمعات الغربية الحفاظ على الشفافية والتعددية وأجواء الحريات السياسية والسيادة الشعبية عندما يتعلق الأمر بالعملية الانتخابية.
من هذا المنطلق، بدأت أصوات ترتفع بين مسلمي الغرب للامتناع عن التصويت لقيادات سياسية غربية انحازت للكيان المحتل وساندته في العقاب الجماعي أو الإبادة الجماعية باسم الدفاع عن النفس.
في هذا السياق، تندرج «حملة التخلي عن بايدن» التي تقف وراءها مؤسسة مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير)، وزعماء مسلمون أمريكيون من 6 ولايات متأرجحة، تعد حاسمة في انتخابات الرئاسة الأمريكية، فقد تعهدت هذه القيادات الإسلامية بحشد مسلمي الولايات المتحدة ضد إعادة انتخاب الرئيس جو بايدن بسبب دعمه للحرب «الإسرائيلية» على غزة.
وبدأت حملة «التخلي عن بايدن» عندما طالب الأمريكيون المسلمون في مينيسوتا الرئيس بايدن بأن يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة بحلول 31 أكتوبر، وامتدت الحملة إلى ميشيغن وأريزونا وويسكونسن وبنسلفانيا وفلوريدا.
ويتوقع أن تمتد هذه الحملات السياسية إلى بلدان أوروبية غربية أخرى ساندت فيها قياداتها الكيان المحتل.
العمل الحقوقي المدني
في الغرب، وبالرغم من كل السلبيات والنقائص، فإن مساحة الحريات وعدالة القضاء تبقى متوفرة بقدر يتيح الفرصة للتقاضي أمام المؤسسات القضائية، في هذا السياق، دعّم مسلمو الغرب مبادرة جيل ديفر، المحامي في مدينة ليون، شكوى مع مجموعة من المحامين والجمعيات، الخميس 9 نوفمبر 2023م، تقدم بها للمحكمة الجنائية الدولية، انطلاقاً من كون «العدالة هي الرد على العنف»، مؤكداً أنه أمام أخطر انتهاكات القانون والتجاهل المخزي لحياة الفلسطينيين، فإن واجبنا هو أن نؤكد بصوت عال وواضح أن هذه الجرائم لن تمر دون عقاب.
النشاط الإعلامي
كما يمتلك مسلمو الغرب ورقة ضاغطة من حيث الدور الإعلامي، وهي مسألة حيوية، والكل يعلم أهمية المجال الإعلامي في الحرب، خاصة أن الآلة الإعلامية الغربية شديدة التأثير بما تمتلكه من قدرات مادية وبشرية هائلة، ثم إن نسبة منها تمتلكها مجموعات ضغط أو «لوبيات» في دائرة القوى الصهيونية النشطة سياسياً واقتصادياً وإعلامياً في بلاد الغرب، فلا غرابة أن تكون نسبة كبرى من وسائل الإعلام الكبرى بأنواعها متحيزة إلى سردية الكيان المحتل، وحولت الضحية إلى مجرم وإرهابي، وسارت في النهج الرسمي وسياسة الكيل بمكيالين.
الأمر الذي يجعل العمل الإعلامي البديل أو الموازي ذا أهمية قصوى سواء الموجه إلى الرأي العام الداخلي الإسلامي أو الرأي العام الغربي عموماً.
في هذا السياق، تشهد وسائل التواصل الاجتماعي والرقمي نشاطاً حثيثاً من طرف أبناء المسلمين لبثّ ما يخدم القضية الفلسطينية والرواية الصحيحة لما يحدث في غزة وفي الضفة، في اتجاهين: أولاً فضح أصحاب التصريحات والمواقف المخالفة لما يشاع على أنه قيم غربية، وثانياً: توظيف تصريحات ومواقف شجاعة وتحاليل موضوعية لشخصيات غربية سياسية أو فكرية، ونشرها على نطاق واسع، علاوة على نشر ما يبثه أصحاب القضية من داخل فلسطين أو دعاة وعلماء من العالم العربي والإسلامي من حقائق وقراءات ومقاربات في الاتجاه المخالف لسردية الكيان المحتل,
يضاف إلى ذلك -وهو مهم- نشر ما يدعو إلى الأمل وعدم اليأس من حيث التذكير بسنن الله في النصر، وإبراز بعض التداعيات الإيجابية للمحنة أو مكاسب «طوفان الأقصى» مثل ظاهرة اعتناق الإسلام في الغرب بسبب التأثر بالروح الإيمانية والمعنوية المرتفعة لدى أهل غزة.
التوعية بالقضية وبسلاح المقاطعة
وإلى الجانب الإعلامي، هناك حملة واسعة للتوعية بقضية فلسطين بين الأمس واليوم من أجل بث الوعي بأبعاد القضية دينياً وإنسانياً للوصول إلى هدف النصرة، والتوعية أيضاً بأهمية استخدام سلاح مقاطعة البضائع والشركات «الإسرائيلية» كأداة ضغط من أجل إيقاف عملية الإبادة.
المساعدة الطبية الميدانية
ولا يتوقف دور مسلمي الغرب على نصرة القضية انطلاقاً من الفضاء الأوروبي الغربي، بل يتجاوزه إلى المساعدة الميدانية في مجالات أحوج ما يكون لها أهل غزة وفلسطين في الظرف الحالي من سعار الحرب وهو المجال الطبي، وبالنظر إلى تواجد كفاءات طبية عالية في بلاد الغرب من أبناء المسلمين، جاءت مبادرات لتشجيع الأطباء ممن لهم القدرة على السفر ويتمتعون بجوازات سفر أوروبية لبذل الوسع بما يستطيعون للقيام -ولو حتى لفترة أسبوعين أو أقل أو أكثر- بالمساعدة الطبية على عين المكان في غزة عبر معبر رفح، في تخصصات مطلوبة بصورة ضرورية ومستعجلة مثل القلب والتخدير والأعصاب والعيون والجراحة، مع التأكيد بأن الكل يعلم حجم الدمار والإصابات العضوية والنفسية التي يتعرض لها الأبرياء في غزة.