بعدما نجح الهندوس في هدم مسجد «أيوديا» (بابري) عام 1992م، وأقاموا عليه «معبد الإله رام» الذي افتتحه رئيس الوزراء المتطرف ناريندرا مودي، في 22 يناير 2024م، على أنقاض المسجد، بدؤوا في السعي لتطبيق نفس الخطة على 3 آلاف مسجد تاريخي في الهند يريدون هدمها بمزاعم أن أسفلها معابد هندوسية، والمسلمون بنوا فوقها مساجد حين «احتلوا» الهند، وذلك على غرار مزاعم اليهود بوجود «الهيكل» (المعبد اليهودي) أسفل المسجد الأقصى.
قصة مطالبة الهندوس بهدم هذه المساجد بدأت عام 2021م، حين كرر هندوس ما فعلوه مع مسجد بابري، ورفعوا دعوى أمام محكمة هندية يزعمون أن مسجد «جيانفابي» في مدينة فاراناسي (التي يحج لها الهندوس ويدفنون موتاهم في نهر الجانج بها) مقام على أنقاض معبد هندوسي! وزعموا العثور على آثار للإله الهندوسي «شيفا»، ورموز هندوسية أخرى في موقع المسجد.
وحين بدأ المسلمون يتجمعون في المسجد لمنع تكرار مؤامرة هدم مسجد بابري، تواطأت محكمة هندية مع الهندوس مجدداً وفرضت حظراً على التجمعات الكبيرة للمسلمين من أجل الصلاة في مسجد جيانفابي التاريخي بمدينة فاراناسي.
ثم وافقت المحكمة عام 2023م على أحقية المسؤولين الهندوس في إجراء مسح علمي للتحقق مما إذا كان مسجد جيانفابي في مدينة فاراناسي الذي شيد في القرن 17 قد بني فوق معبد هندوسي أم لا.
وقال أسد الدين آويسي، رئيس حزب اتحاد المسلمين في عموم الهند: إنه متخوف من تكرار ما حدث لمسجد بابري مع مسجد جيانفابي.
بعد حكم محكمة هندية بأحقية المسؤولين في إجراء مسح علمي للتحقق مما إذا كان مسجد جيانفابي في مدينة فاراناسي والذي شيد في القرن 17 قد بني فوق معبد هندوسي أم لا ؟!.
أسد الدين آويسي رئيس حزب اتحاد المسلمين في عموم الهند: "متخوف من تكرار ما حدث للمسجد البابري مع مسجد جيانفابي#الهند pic.twitter.com/0BSmuuy1Oe
— أخبار العالم الإسلامي (@muslim2day) August 5, 2023
وتطور تآمر القضاء الهندي مع الهندوس حين قررت محكمة مدينة فاراناسي السماح للهندوس بالعبادة في الطابق السفلي من مسجد جيانفابي، وأمهلت مسؤولي المسجد أسبوعاً لجعله مناسباً للعبادة الهندوسية، حسبما ذكرت صحيفة «هيندوستان تايمز»، مطلع فبراير 2024م! وبموجب هذا الحكم أصبحت الخطة واضحة، بحيث يرفع الهندوس دعاوى أمام المحاكم يدعون فيها أن مساجد تاريخية كانت في الأصل معابد هندوسية، وأن المغول المسلمين الذين أقاموا إمبراطورية إسلامية في الهند قاموا ببناء مساجد فوقها أو حولوها لمساجد.
ثم يتبع هذا أحكام قضائية تسمح للهندوس بطلب مسح معماري لهذه المساجد بزعم البحث عن آثار هندوسية داخلها ويقومون بالحفر داخلها، ثم تسمح المحاكم للهندوس بتقسيم الصلاة داخل هذه المساجد على غرار ما يفعله الصهاينة في المسجد الإبراهيمي والمسجد الأقصى في فلسطين، وتسمح للهندوس بالصلاة داخل المساجد تمهيداً للاستيلاء عليها نهائياً!
قصة 3 آلاف مسجد
منذ مارس 2021م، بدأ هندوس في حصر 3 آلاف مسجد يزعمون أن بها آثاراً هندوسية، أو أنها كانت معابد حوَّلها المسلمون لمساجد ويطالبون باستعادتها.
ونشروا قائمة بأسماء هذه المساجد للمطالبة بإعادتها لمعابد هندوسية، في موقع «Kreately»، في 10 مارس 2021م، الذي يزعم الحفاظ على التراث الهندي!
وفي 22 مايو 2022م، قدمت 5 نساء هندوسيات دعوى أمام محكمة واراناسي، يطالبن بالحق في الصلاة داخل مسجد بالمدينة، بزعم العثور على رموز مرتبطة بالإله الهندوسي المزعوم «شيفا» في المسجد، بحسب وكالة «رويترز»، وزعمن أن معبدًا هندوسيًا كان موجودًا قبل المسجد في الموقع، وأن آثاراً هندوسية لا تزال موجودة هناك، منها نافورة مسجد جيانفابي، مطالبين بالسماح للهندوس بدخول المسجد وتحويله لمعبد، رغم أن القانون الهندي يحظر تغيير صفة أي دار عبادة وينص على الحفاظ على الطابع الديني لدور العبادة كما كانت عليه عند استقلال الهند باستثناء مسجد بابري الذي هدموه.
القانون الذي صدر عام 1992م، بعد نزاع مسجد بابري وهدمه «يمنع تغيير الطبيعة الدينية لدار العبادة»، لكن القضاة خرقوا القانون وبدؤوا يسمحون للهندوس بطعون على مساجد أخرى؛ ما يشير لتواطؤ القضاة الهندوس ضد مساجد المسلمين.
فقد نظرت المحكمة العليا في طعون على القانون، كما نظرت طلبات لهندوس يدعون فيها بناء المساجد على معابد ويطالبون بالصلاة فيها مع المسلمين، ووافقت على مطالبهم في بعض المساجد بأن يدخلوا للصلاة الهندوسية داخل المساجد!
وفي عام 2021م، زعم قضاة محكمة واراناسي الهندوس أن قانون 1992م الخاص بأماكن العبادة يحافظ على الأماكن الدينية والطابع الديني لجميع أماكن العبادة العامة كما كانت في 15 أغسطس 1947م، ولكنه لا يمنع غير المسلمين من العبادة فيها! هذا يعني أن قانون الحفاظ على أماكن العبادة أصبح بلا معنى، بموجب قرار المحكمة يوم 12 سبتمبر 2022م، حسبما قال زعيم الجالية المسلمة في دلهي، ظفر الإسلام خان، لـ«إذاعة صوت أمريكا»، في 14 سبتمبر 2022م.
وحالياً تجري أول معركة في مدينة فاراناسي لتطبيق فكرة صلاة الهندوس داخل المساجد لتعميمها تمهيداً لهدم المساجد لاحقاً وتحويلها إلى معابد هندوسية.
وقد نقلت وكالة «رويترز»، في 4 فبراير 2024م، عن إمام مسجد جيانفابي سيد محمد ياسين، أنه يشعر بقلق عن المدة التي سيظل يُسمح فيها للمسلمين بالحضور والصلاة في مسجد بدأ الهندوس الصلاة فيه فعلاً، وما سيتم منعهم تمهيداً لتحويله لمعبد خالص، مؤكداً أننا نشهد قمعاً وقسوة، وأن الأمر لا يتعلق بمسجد واحد فقط، فشعارهم يقول: لن ينجو حتى قبر أو مسجد، بحسب ما أوردت «فرانس برس».
ومنذ تولى رئيس الوزراء ناريندرا مودي منصبه عام 2014م، شهدت الهند اندلاع أعمال عنف عديدة بين الأغلبية الهندوسية والأقلية المسلمة، التي يبلغ تعدادها أكثر من 200 مليون نسمة.
وبعد ثلاثة عقود من قيام غوغاء هندوس بهدم مسجد تاريخي، حضر مودي في يناير 2024م مراسم افتتاح معبد هندوسي كبير أقيم في نفس الموقع، في خطوة سياسية لتعزيز شعبية حزبه قبيل الانتخابات البرلمانية الحاسمة في أكتوبر 2024م.
ورأى كثيرون أن افتتاح المعبد بداية الحملة الانتخابية لمودي، الذي اتهم على نطاق واسع بتبني التفوق الهندوسي في الهند العلمانية.
وقالت صحف غربية وهندية: إن مودي يسعى إلى تعزيز شعبية حزبه المتطرف، في الانتخابات المقبلة، بحضوره مراسم افتتاح معبد هندوسي، أقيم على أنقاض مسجد هدمه متطرفون هندوس قبل نحو ثلاثة عقود.
ويقول ظفر الإسلام خان، الصحفي وزعيم الجالية المسلمة في دلهي: إن مئات من المساجد الأثرية تواجه خطر استيلاء الهندوس عليها، ولا يمضي يوم إلا ونسمع عن دعوى أو قضية جديدة تُرفع في محكمة ما تطالب بمسجد أو مقبرة إسلامية.
وأوضح، في مقال نشره بموقع «الجزيرة»، في 16 سبتمبر 2022م: أحياناً ينجحون في الاستيلاء على جزء من هذه الآثار حين يُفضل مسلمو المنطقة الضعفاء قبول تسوية مع الجانب الهندوسي الذي يتمتع بتأييد السياسيين والشرطة والمحاكم.
ويعتقد مراقبون أن هذه الإجراءات ستستمر في ظل دعم حكومة حزب بهاراتيا جاناتا المتطرف، واستغلالها لإحداث استقطاب سياسي حاد يستفيد منه الحزب الحاكم، الذي يمثله مودي، للحصول على أصوات الهندوس واستعدائهم على المسلمين.