زوال كيان هو رهين بتراكم أسباب تفككه وإرباكه خصوصًا تفككه عسكريًا وسياسيًا، وهو ما نشهد علاماته ومشاهده في بدايات إنهاك صهيوني عسكري بعد دخول “طوفان الأقصى” شهرها الخامس وتعقد الصفقة، أما تفكك الكيان سياسيًا حكوميًا فهو ما يمكن أن يحدث بسبب قبول الصفقة، بل وسيشتد التفكك والصراع إذا تم الرفض وعرقلة الصفقة، والثاني غير مستبعد…لا سمح الله…
1)التيه العسكري: من خان يونس إلى رفح:
سواء تحققت الصفقة أو لم تتحقق فإن الخاسر هنا هو الجيش الصهيوني، فهو كيان مفعم بالانهزامات خال من الانتصارات سوى بعض المشاهد المضللة للجيش التي قبضت على حاسوب في مستشفى الشفا أو حذاء السنوار حسب ادعائهم، هذا الفشل للجيش الإسرائيلي نابع من “ضربة معلم” من قوة المقاومة التي تتصاعد انتصاراتها وفق تكامل استراتيجيتها المنظمة المتقنة دون خسائر…
أمام هذا التيه الصهيوني في زقاق غزة وفخاخ المقاومة وشرك الأنفاق، فإن وزير الحرب وقوى التطرف الدينية وجناح بن غفير يجنحون إلى الاستمرار في الحرب لاستغلالها أيما استغلال، أولا لتعويض هزيمتهم 7 أكتوبر “بالرغبة الانتقامية الدموية” التي ترغبها النفس المريضة، وثانيا “للبحث عن صيد ثمين” بعملية اغتيال أو تحرير أسرى دون صفقة، وهو ما لم ينجح حتى الآن….
وهنا نتساءل لماذا الجيش الصهيوني راغب في الانتقال من عملية خان يونس إلى عملية رفح؟
2)دوافع الانتقال الجغرافي العسكري:
- الهدف الأول: التضليل والتلاعب
ميدانيا لم يحقق الجيش شيئا من أهدافه وهو يطرح خطة الانتقال إلى رفح، من أجل تصفية مقاومتها، في المقابل هو لم يحقق الأهداف السابقة “الإسرائيلية” العسكرية، فكيف له التفكير برفح وهو لم ينجح فيما سماه كالانت وزير الحرب “بتفكيك المقاومة في خان يونس شمال غزة” والقضاء عليها؟ فكيف له الانتقال إلى جغرافية أخرى مثل رفح، هذا يفسر أنه يتلاعب بالأرقام الكاذبة والتقارير المزيفة ليخفي شيئا، وهي الهزيمة، بل هو الذي تحققت فيه أهداف المقاومة، وهو الذي ينتقل من مكان إلى مكان، لأن تلك الكتيبة القسامية في الخان حققت في الجيش الصهيوني أهدافها، تقتيلا وسخرية، وإبداعا وتفكيكا…
- الهدف الثاني: الكذب على الجمهور الصهيوني
تغيير الأهداف من حرب في خان يونس إلى هدف رفح دلالة على استياء المجتمع من مكوث الجيش الصهيوني في خان يونس دون إنجاز، فالتنويع العسكري الجغرافي في عقلية وزير الحرب قد يفضي إلى الأمل والأماني المعسولة والكذب على الجمهور الصهيوني.
هو ينقل المعركة من مكان إلى مكان لتمويه المجتمع الصهيوني بالانتصارات دون الإعلان الحقيقي عن التقارير الحقيقية، ثم هو يرغب المسح الجغرافي ليقول للمجتمع الصهيوني أنه احتل غزة ودمرها من الشمال إلى رفح جنوبًا، علمًا بأنه هو الذي خسف به في هذه الجغرافية، فيسرع من الانتشار والانتقال الجغرافي لينسحب كليًا لأنه صار منهكًا، ويمكن لرائحته أن تفوح.. فضلًا عن أن قادته في الجبهات يعلنون عن استحالة تفكيك منظومة حماس، بل وتصريحات مسؤولين أمريكيين (واسحاك بريك جنرال “إسرائيلي” احتياط سابق) كانت محذرة من الغلبة وإنهاء حماس، بل دخول غزة هو انتحار قبلي…
خلاصة المرحلة أن محاولة خسارة الصفقة والانتقال إلى معارك أخرى في مناطق جديدة في القطاع ستدخل الجيش الصهيوني في مرحلة جديدة جد صعبة هو وحكومته.. فكيف يمكن فهم تحركات المعارضة وأمريكا من أجل إنجاز الصفقة بتحرك غير مسبوق؟
3)لماذا حرصت المعارضة الصهيونية وأمريكا لنجاح الصفقة؟:
يمكن أن نجمل الأسباب في ثلاثة:
– السبب الأول الداخلي.. عسكري: خسارة الجيش الإسرائيلي و”فخ الإنهاك ”
تخشى المعارضة وأمريكا من مرض الجيش بعد تمدد الحرب دون صفقة، وسقوطه في فخ المقاومة وهو “فخ الإنهاك” لا هزيمته وخروجه مدحورًا فحسب…
المقاومة حققت تأثيرًا في الجيش “الإسرائيلي”، بل تخوف المعارضة وأمريكا وأرباب الواقعية هو من إصابة الجيش في مفترق الطرق بمرض مزمن إن تأخرت الصفقة، فيدخل في “مرحلة فخ الإنهاك”، وهو ما خططت له المقاومة بشكل ذكي، فهي لم ترغب فقط في “مرحلة إحداث الثقب في 7 أكتوبر” وانتهى الأمر، بل وإحداث ثقوب كثيرة في جسم الجيش الإسرائيلي بما أنه دخل إلى عرين الأسد بنفسه ليسقط في “فخ الإنهاك “وكمين استراتيجي لا تكتيكي..
إذن المقاومة استغلت الفرصة التاريخية، فإذا حققت المقاومة ضربة قوية في غلاف غزة وثقبًا في 7 أكتوبر خارج عرين الأسد بنسبة مشاركة 1000 جندي من القسام أو 2000 أصابت جزءا يسيرًا من الجيش الصهيوني فقط، فكيف إذا دخل كل الجيش الصهيوني بكله إلى داخل غزة، يعني دخول داخل عرين الأسد وبحضور كل الأسود أزيد من 50 ألف من القسام كيف ستكون الثقوب في جسم الجيش الإسرائيلي؟
أظن الحال سيكون أشد من 7 أكتوبر، والثقوب ستكثر في جسم الجيش الإسرائيلي وتتمدد وتحقق غايات أكبر من غاية 7 أكتوبر بعد توقف أي صفقة ووقف لنار تأخر.
بمعنى الانتقال من صدمة وضربة للجيش في 7 أكتوبر إلى صدمات والوصول إلى “إنهاك الجيش الإسرائيلي”، بل المقاومة أعدت لمرحلة إنهاك الجيش الإسرائيلي، وإخراجه من الحرب لا فحسب مهزوما منسحبا قد يتعافى مستقبلا، بل وطافح جيشه بضربات وأمراض مزمنة لا تعالج بل قد تفضي إلى زواله في المعركة المقبلة أو معارك..
أظن أن المقاومة تجاوزت (طوفان الأقصى)، والشعار تجاوز أهدافه إلى عنوان جديد (نهاية جيشهم أولًا لا هزيمته)..
– السبب الثاني.. سياسي: تفكيك الحكومة بعد الجيش
تخشى المعارضة وأمريكا وأرباب الواقعية المتأخرة من تسبب المقاومة لا فقط في التأثير إيجابا في حاضناتها الثلاث عالميا (حاضنة فلسطين، حاضنة الشعوب العربية والإسلامية، حاضنة الشعوب الغربية)، بل ويخشون تأثير المقاومة سلبًا في “حاضنة الجيش الإسرائيلي” وهي (المجتمع الصهيوني) والحكومة الإسرائيلية، من تفكيك داخل الجيش إلى تفكك داخل الحكومة “الإسرائيلية”..
إذا كان هذا التأثير السلبي بسبب المقاومة وانتصاراتها على الجيش الإسرائيلي، فإن تمدد الحرب دون صفقة ترجع أنفاس الجيش “الإسرائيلي” والحكومة “الإسرائيلية”، سيصيب الجيش والحكومة معا بالإنهاك والاهتراء.
-السبب الثالث… إقليمي: خسارة هدف أمريكا إقليميًا وهو “ملأ الفراغ”
تخشى قوى المعارضة وأمريكا من كبرياء المتطرفين وبن غفير الذي قد يؤثر في نتنياهو، فسعي لتمدد الحرب زمنيا وإفشال الصفقة، وهذا سينقل الإرباك من الجيش والحكومة إلى إنهاك وإرباك القوى الغربية خصوصا الأمريكية، التي قد تدخل في عملية استنزاف في المنطقة ومعركة جانبية مع الحوثيين والمقاومة في العراق واليمن، بدل الاهتمام بالمعركة الأساس التي جاء من أجلها بلينكن ترميما وتجديدا من خلال هدفين، أولًا: إيجاد مخرج مع الأنظمة المطبعة لمستقبل حماية الكيان الصهيوني وموضوع غزة وثانيا إعادة التطبيع وإدماج إسرائيل في المنطقة من جديد، (لملأ الفراغ الأمريكي)، دون ملأه من قوة المقاومة أو الصين وروسيا إن ضعفت “إسرائيل” بعد طوفان الأقصى.
يعني أن المهدد الوحيد أمام أمريكا هو التحول الاستراتيجي في المنطقة ووجود قوي جديد فلسطيني يملأ الفراغ، فكان ممكنًا من “إسرائيل” أن تملأه لو توقفت عن الحرب، وأعادت صياغة استراتيجيتها، وتقويم أخطائها، والدخول في مرحلة التعافي والعلاج دون تمديد لحرب قد تفضي إلى مرحلة “إنهاك الجيش وفوات أوان معافاته” وبالتالي خسارته مستقبلًا وإن تحققت صفقة متأخرة…
4) رهان أمريكا:
تراهن أمريكا على الصفقة لأنها تريد تجديد مقومات المنطقة وأهم مقوم هو “إسرائيل”، وهذا لن يتم إلا بالعودة للواقعية في القرار السياسي الصهيوني في هذا الوقت الصعب تجاه الصفقة، وأي عرقلة للصفقة قد تفضي بأمريكا لإسقاطها كرهينة في حرب إقليمية وإن كانت (نسبية)، ورهينة لقرارات المتطرفين الدنيين، وهذا الموقف الصهيوني والعرقلة قد يفضي إلى تصاعد السجال بين أمريكا والمتطرف الصهيوني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) كاتب مغربي باحث في الشأن الفلسطيني.