الطريق طويل، كثيرة مصاعبه، ثقيلة أعباؤه، شاقة برامجه، حادة فتنه، مرهقة أوامره، أعداؤه متربصون، وعقباته سلسلة عظيمة تتصاغر عندها الجبال الشاهقة، السائر فيه هدف لكل السهام الطائشة والمسددة حتى تمنعه، وتعيق حركته، وتسد في وجهه الطريق.
وما أكثر المشاركين قبل أن يبدأ الانطلاق، أو قبل أن تعطى شارة المسير والسباق، لكن ما أقل الواصلين الذين يستمرون حتى نقطة النهاية!
لكن حسن البنا رحمه الله أدرك الحقيقة، حين اختار الطريقة، وحدد الوسيلة والعدة، فكان أول الواصلين بعزيمة تتضاءل العزائم أمامها، ولا يطيق الصبر على صبره صبراً، نعم.. كان أسرع الواصلين، وأحسن العاملين.
ترجم هذا الفهم أفعالاً دائمة ومستمرة، بلا انقطاع أو تردد، وأقوالاً أحياناً قليلة حين يرى من غابت عنه سنن الله في الدعوات وأصحابها، فمن أقواله في هذا الصدد يخاطب المتعجلين: «.. قد تكون طريقاً طويلة، ولكن ليس هناك غيرها، وإنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة، والجد والعمل الدائب، فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل إنضاجها، أو يقتطف زهرة قبل أوانها، فلست معه في ذلك بحال.. ومن صبر معي حتى تنمو البذرة، وتنبت الشجرة، وتصلح الثمرة، ويحين القطاف، فأجره في ذلك على الله..».
فهذا هو الخيار، الذي لا خيار غيره، العمل فقط، بل العمل الدائب المستمر، الذي لا تصاحبه شكوى، أو يؤخره تذمر، أو تعيقه الأعذار، أو تبطئ مسيرته المهرجانات الخطابية، أو المؤتمرات الاستعراضية، أو الجلسات الجانبية.
«كلما وقفت هذا الموقف من جمهور يستمع، سألت الله في إلحاح أن يقرب اليوم الذي ندع فيه ميدان الكلام إلى ميدان العمل، وميدان وضع الخطط والمناهج إلى ميدان الإنفاذ والتحقيق، فقد طال الوقت الذي قضيناه خطباء متكلمين، والزمن يطالبنا في إلحاح بالأعمال الجدية المنتجة..».
وعلى هذا الخيار، خيار العمل أنشأ إخوانه وأعدهم، وعلى هذا كان يحب أن يراهم دائماً، فها هو يتحدث عن أحدهم فيقول: «.. وقليل من الناس من يعرف أن الداعية من دعاة الإخوان قد يخرج من عمله المصلحي في عصر الخميس، فإذا هو بعد العشاء في المنيا يحاضر الناس، وإذا هو في صلاة الجمعة يخطب وهو بمنفلوط، فإذا هو في العصر يحاضر بأسيوط، وبعد العشاء يحاضر في سوهاج، ثم يعود أدراجه، فإذا هو في الصباح الباكر في عمله بالقاهرة قبل إخوانه من الموظفين..».