روى البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمر قال: «فَرَضَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ من رمضان، صَاعًا مِن تَمْرٍ، أوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ، علَى العَبْدِ والحُرِّ، والذَّكَرِ والأُنْثَى، والصَّغِيرِ والكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وأَمَرَ بهَا أنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلى الصَّلَاةِ».
وروى أبو داود، وابن ماجه بسند صحيح، عن عبدالله بن عباس، قال: فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر، طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات.
ففي هذين الحديثين ما يؤكد أن زكاة الفطر واجبة، وأن لها ثمرات متعددة، منها ما يتعلق بالفرد المؤدي لها، ومنها ما يتعلق بالمجتمع كله، ونتناول في هذا المقال عددًا من الفوائد الفردية لمن يؤدي زكاة الفطر، وهي:
أولاً: الانضمام إلى زمرة العابدين لله تعالى:
زكاة الفطر مفروضة على الصغير والكبير، والغني والفقير، والذكر والأنثى، والحر والعبد، إنها مفروضة على كل أطياف المجتمع، ممكن يملكون قوت يومهم، حتى إذا فعلها المسلم فإنه يحقق العبودية الكاملة لله رب العالمين، والاتباع للرسول الأمين صلى الله عليه وسلم، والانسجام مع جماعة المؤمنين، الذين يتسابقون إليها، حتى يصدق فيهم قوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (النساء: 146).
ثانياً: تعويد النفس على العطاء:
زكاة الفطر مفروضة على كل شخص من ماله الخاص، إن كان له مال، أو على من يعول، حتى تتعود كل النفوس على البذل والعطاء، وتتحرر من البخل والشح والحرص على المال، والناظر في زكاة الفطر يجد أنها تأتي في خواتيم شهر رمضان، وهو الشهر الذي تتربى فيه النفس على الجود والإحسان، حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أجود بالخير من الريح المرسلة(1)، كما حث النبي صلى الله عليه وسلم فيه المؤمنين على البذل والعطاء، من خلال دعوته إلى إفطار الصائمين، فقد روى الترمذي عن زيد بن خالد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجره، غير أنه لا ينقصُ من أجر الصائمِ شيئًا»(2).
فهذه دعوات إلى العطاء في شهر رمضان، لكنها دعوات تأتي على سبيل الاستحباب، فيستجيب لها كثير من المؤمنين، حتى يعتادوا العطاء والتضحية، أما من لم يستجب؛ فإنه حتماً يحمل نفسه على العطاء، من خلال الاستجابة للفريضة الإلزامية، وهي زكاة الفطر، وهنا لا تجد النفس مجالاً إلا للتدريب والتمرين على العطاء، حتى يصبح ذلك خلقاً كريماً دائماً.
ثالثاً: تطهير الصائم من اللغو الرفث:
إن هذا ثابت في الحديث الشريف الذي بدأنا به، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «زكاة الفطر طـُهرة للصائم من اللغو والرفث»، إنها تمحو ما قد يرتكبه المسلم في رمضان من منهيات شرعية في صيامه، كاللغو والرفث، أما اللغو فهو: ما لا يُعْتَدُّ به من كلام وغيره ولا يحصل منه على فائدة ونفع(3)، وأما الرفث فهو: الفحشُ في المنطلق والتصريح بما يجب أن يكنّى عنه(4).
كما يقع الصائم في الغيبة والنميمة وفضول النظر إلى ما لا يحل له، وهذه أخطاء قد يقع فيها الصائم دون قصد منه، وهنا تأتي زكاة الفطر لتكون مطهرة للصائم من هذه الأخطاء، وماحية عنه الكثير من الذنوب والزلات، وجابرة للنقص الذي وقع في الصيام، ومكملة للأجر والثواب، بحيث تكون الزكاة شبيهة بسجود السهو الذي يجبر نقص الصلاة، كما تشبه السنن الرواتب.
وفي هذا المعنى يقول الشيخ وكيع بن الجراح (شيخ الإمام الشافعي): زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدتي السهو للصلاة، تجبر نقصان الصوم كما يجبر السجود نقصان الصلاة(5)، وقال الشيخ ولي الله الدهلوي: وإنما وقتت بعيد الْفطر لمعان، مِنْهَا أَنَّهَا تكمل كَونه من شَعَائِر الله، وَأَن فِيهَا طهرة للصائمين وتكميلاً لصومهم بِمَنْزِلَة سنَن الرَّوَاتِب فِي الصَّلَاة(6).
رابعاً: شكر المسلم ربه أن بلغه رمضان وأعانه على الصيام والقيام:
يشكر المسلم ربه على نعمة المال فيخرج منه قدراً يسيراً للفقراء والمساكين، عسى الله تعالى أن يجزي من شكر بالزيادة في كل أعمال البر، استناداً إلى قوله تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ (إبراهيم: 7).
إن زكاة الفطر تسهم في تربية المسلم على معاني الانضمام لقوافل العابدين، وتعالج ما في النفس من بخل أو حرص على المال، كما أنها تطهر الصائم مما علق بصيامه من اللغو الرفث، بالإضافة إلى ما تعبر عنه زكاة الفطر من شكر النعمة على تمام المنة.
______________________
(1) أخرجه البخاري (3220)، ومسلم (2308).
(2) سنن الترمذي، (807) بسند حسن.
(3) معجم اللغة العربية المعاصرة، د. أحمد مختار عبدالحميد عمر، (3/ 2020).
(4) التعريفات الفقهية، محمد عميم الإحسان البركتي، ص 105.
(5) المجموع، للنووي، (6/ 134).
(6) حجة الله البالغة، الشيخ ولي الله الدهلوي (2/ 68).