إن أعظمَ هدفٍ ينشُده المكلَّف في هذه الدنيا هو أن يغادرها وقد كتب الله تعالى له رضوانه، وأدخله جنته، وأنجاه من النار؛ فهذا هو الهدف الأكبر الذي ينبغي أن يسعى إليه المؤمن، وربنا سبحانه وتعالى ينبِّه عباده إلى أن الفوز الحقيقي هو أن يتقوا النار ويتجنبوا دخولها بذنوبهم، وأن يدخلوا الجنة، فهذا هو الفوز العظيم، فقد قال ربنا جل جلاله: (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (آل عمران: 185).
ورمضان هو شهر العِتق من النّار، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا كان أولُ ليلة من شهر رمضان: صُفِّدت الشياطين، ومَرَدَة الجن، وغُلِّقت أبواب النار، فلم يُفتَح منها باب، وفُتِّحت أبواب الجنة، فلم يُغلَق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغِيَ الخير أقْبِلْ، ويا باغي الشر أقْصِرْ، ولله عتقاءُ من النار، وذلك كلَّ ليلة» (رواه الترمذي، وابن ماجه).
وقد افتتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بهذا الحديث موسم السِّباق إلى الطّاعات، وبشَّر بإزالة المعوقات الّتي تؤدّي إلى المعاصي والزلاّت، فما على الصّائم إلاّ الاستجابة لداعي الله والإقبال على فعل الخيرات والابتعاد عن مواطن المهلكات.
ويستمر العِتق من النّار طيلة الشّهر الكريم، ليلاً ونهارًا، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: «إنَّ لله تبارك وتعالى عتقاء في كلّ يوم وليلة، وإنّ لكلّ مسلم في كلّ يوم وليلة دعوة مستجابة» (رواه أحمد)، وقال صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّ لله عزّ وجلّ عند كلّ فطر عتقاء» (رواه أحمد).
كما ينبغي لمن يؤمن بأن رمضان شهر العتق من النيران أن يطرق الأسباب التي توجب العتق من النار، وهي متيسرة في هذا الشهر الفضيل، فالمغفرة والعتق من النار تتطلب إظهار العبد لربه حرصه على هذا المطلب وسعيه بإخلاص للخلاص من النار، ففي حديث سلمان رواه ابن خزيمة في صحيحه فقال: باب في فضائل شهر رمضان إن صح الخبر، ثم قال: حدثنا على بن حجر السعدي حدثنا يوسف بن زياد حدثنا همام بن يحيى عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: «أيها الناس، قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزداد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء».
قالوا: ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم، فقال: «يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، من خفف عن مملوكه غفر الله له، وأعتقه من النار، فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما: فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما: فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار، ومن أشبع فيه صائماً سقاه الله من حوضي شربةً لا يظمأ حتى يدخل الجنة»، وهذا الحديث ضعيف، ولكنه مع ذلك يشير ويؤكد فضائل رمضان الكثيرة والثابتة في الأحاديث الصحيحة.
وأسباب وموجبات المغفرة والعتق من النار في شهر رمضان كثيرة فمع ما فيه من الصلاة بالقيام، فيه باب للإحسان والصدقات، وفي الإكثار من تلاوة القرآن والذكر والجود والعطاء والبر، وفوق ذلك كله فأجر تلك العبادات مضاعف عن مثيله في الشهور الأخرى، وأن العبد إذا ما فعل ذلك إيماناً واحتساباً، يكون الشهر مكفراً لما قبله، ولما بينه وبين رمضان الذي بعده، كما قال الرسول ﷺ: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» (رواة مسلم)، فيا من تريد العِتْق من النار والنجاة منها، أقْبِلْ على الصيام والقيام إيمانًا واحتسابًا، وأقبل على الطاعات بعزيمة وثبات، واجتهد في رمضان، لتكون من عتقاء النار الذين يختارهم الله في هذا الشهر ويصطفيهم.