يأتي عيد الفطر هذا العام في محيط عام مملوء بالحزن على دماء المسلمين التي تُسفك في أكثر من مكان وخاصة أهلنا في غزة الذين يواجهون بصدور عارية جيش الاحتلال الصهيوني المُجرم؛ ولكن هذا لا يمنع من بيان الأحكام الفقهية التي تتعلق بالعيد.
حكم صلاة العيد
صلاة العيد فرض كفاية عند كثير من أهل العلم، وحضور المسلم لصلاة العيد سُنة مؤكدة لا ينبغي له تركها إلا لعذر شرعي، وذهب بعض أهل العلم إلى أن صلاة العيد فرض عين كصلاة الجمعة، فلا يجوز لأي مكلف من الرجال المقيمين أن يتخلف عنها، وهذا القول أظهر في الأدلة وأقرب إلى الصواب، كما يُسن للنساء حضور صلاة العيد؛ لما ثبت في الصحيحين عن أم عطية رضي الله عنها أنها قالت: «أُمرنا أن نخرج في العيدين العواتق والحيض ليشهدن الخير ودعوة المسلمين وتعتزل الحيض المصلى» (رواه البخاري في «الحيض»، باب شهود الحائض العيدين (324)، ومسلم في «العيدين» باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين (890))، وفي بعض ألفاظه: فقالت إحداهن: يا رسول الله لا تجد إحدانا جلباباً تخرج فيه فقال صلى الله عليه وسلم: «لتلبسها أختها من جلبابها» (رواه الإمام أحمد في «مسند البصريين» حديث أم عطية (20269)، وابن ماجه في «إقامة الصلاة» باب ما جاء في خروج النساء في العيدين (1307)).
آداب وسنن صلاة العيد
ولصلاة العيد سُنن وآداب ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها، من هذه الآداب:
1- الاغتسال قبل الخروج إلى الصلاة:
فقد صح في «الموطأ» وغيره أن عبدالله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى، وذكر النووي اتفاق العلماء على استحباب الاغتسال لصلاة العيد، والمعنى الذي يستحب بسببه الاغتسال للجمعة وغيرها من الاجتماعات العامة موجود في العيد، بل لعله في العيد أظهر.
2- الأكل قبل الخروج في الفطر وبعد الصلاة في الأضحى:
من الآداب ألا يخرج في عيد الفطر إلى الصلاة حتى يأكل تمرات؛ لما رواه البخاري عن أنس بن مالك قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهن وتراً» (رواه البخاري، 953)، وقد استحب الأكل قبل الخروج مبالغة في النهي عن الصوم في ذلك اليوم وإيذاناً بالإفطار وانتهاء الصيام، وعلل ابن حجر رحمه الله هذا الأمر بأنّ في ذلك سداً لذريعة الزيادة في الصوم، وفيه مبادرة لامتثال أمر الله(1).
ومن لم يجد تمراً فليفطر على أي شيء مباح، وأما في عيد الأضحى فإن المستحب ألا يأكل حتى يرجع من الصلاة.
3- التكبير يوم العيد:
وهو من السنن العظيمة في يوم العيد لقوله تعالى: (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة: 185)، وعن الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي، ومالك بن أنس عن إظهار التكبير في العيدين، قالا: نعم كان عبدالله بن عمر يظهره في يوم الفطر حتى يخرج الإمام، وصح عن أبي عبدالرحمن السلمي قال: «كانوا في الفطر أشد منهم في الأضحى»، قال وكيع يعني التكبير، وروى الدارقطني وغيره أن ابن عمر كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجتهد بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يخرج الإمام، وروى ابن أبي شيبة بسند صحيح عن الزهري قال: كان الناس يكبرون في العيد حين يخرجون من منازلهم حتى يأتوا المصلى وحتى يخرج الإمام فإذا خرج الإمام سكتوا فإذا كبر كبروا، وكان ابن شهاب الزهري رحمه الله يقول: كان الناس يكبرون منذ يخرجون من بيوتهم حتى يدخل الإمام.
ووقت التكبير في عيد الفطر يبتدئ من ليلة العيد إلى أن يدخل الإمام لصلاة العيد.
4- التهنئة:
ومن آداب العيد التهنئة الطيبة التي يتبادلها المسلمون فيما بينهم أياً كان لفظها مثل قول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم، أو عيد مبارك، وما أشبه ذلك من عبارات التهنئة المباحة، وعن جبير بن نفير، قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض، تُقُبِّل منا ومنك. (قال ابن حجر: إسناده حسن، فتح الباري (2/ 446)).
5- التجمل للعيدين:
عن عبد الله بن عمر قال: أخذ عمر جُبَّةً من إستبرق تباع في السوق فأخذها فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ابْتَعْ هذه تَجَمَّلْ بها للعيد والوفود، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما هذه لباس من لا خَلاقَ لَهُ» (رواه البخاري، 948)، فأقر النبي صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه على التجمل للعيد، لكنه أنكر عليه شراء هذه الجُبَّة؛ لأنها من حرير، وعن جابر قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم جُبَّةً يلبسها للعيدين ويوم الجمعة. (صحيح ابن خزيمة، 1765).
6- الذهاب إلى الصلاة من طريق والعودة من آخر:
عن جابر بن عبدالله قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق. (رواه البخاري، 986).
وقيل في تعليل مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم للطريق: إن الحكمة من ذلك ليشهد له الطريقان عند الله يوم القيامة، والأرض تحدّث يوم القيامة بما عُمل عليها من الخير والشرّ، وقيل: لإظهار شعائر الإسلام في الطريقين، وقيل: لإظهار ذكر الله، وقيل: لإغاظة المنافقين واليهود وليرهبهم بكثرة من معه، وقيل: ليقضى حوائج الناس من الاستفتاء والتعليم والاقتداء أو الصدقة على المحتاجين أو ليزور أقاربه وليصل رحمه، وقيل: لمقابلة أكبر عدد من المسلمين.
_________________
(1) فتح الباري (2/ 446).