يشير مفهوم التربية الإسلامية إلى أنها مجال علمي عملي يُعنى ببناء الفرد المسلم ليكون إنسانًا صالحًا. وجوهر هذا المفهوم نابع من فلسفة الإسلام، وهي أن ديننا ليس شريعة فقط، بل منهج شامل كامل يتناول مظاهر الحياة جميعًا، وهو بذا: نظام تربوي يعتمد على أصول راسخة، ويوازن بين مطالب الفرد وحاجات المجتمع، وله خصائص ومصادر، وغايات وأهداف ووسائل.. ويدور معنى «التربية الإسلامية» في اللغة حول الاعتناء بالمُرَبَّى وتعاهده بالرعاية للوصول به إلى درجة الكمال، بالتدرج في التنشئة، من أجل سعادته في الدارين.. وقد أرسى النبي ﷺ دعائم هذا المجال إذ أدبه ربه فأحسن تأديبه؛ حرصًا منه على تقويم الأخلاق، وتهذيب السلوك، وإشاعة الخير بين الناس، ومن ثم إيجاد مجتمع بريء من الأمراض النفسية والخلقية والمجتمعية، وتأسيس أجيال ضابطة مُربَّاة على القيم النبيلة، مصبوغة بالصبغة الإسلامية الرشيدة.
خصائص التربية الإسلامية
تتميز التربية الإسلامية بمجموعة من الخصائص توضح اهتماماتها ومركزها الحضاري، كونها:
• ربانية: تستمد أصولها من الكتاب والسنة وعمل سلف الأمة، خاضعة في كل جزئية من جزئياتها لما ورد في شرع الله بوحييه، وأنها تحرر الإنسان من الخضوع لغير الله، ومن كل نزوة ورغبة تخالف أمر السماء؛ (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 162].
• شاملة متوازنة: تدعو إلى التوازن بين العلم والتطبيق، والدنيا والآخرة، وحاجات الفرد ومتطلبات المجتمع، وتهذيب النفس وتثقيف العقل. وهي تربية شاملة، تنظر إلى الإنسان كوحدة كلية تُعنى بالمادة والروح معًا، وتشمل كل مجالات الحياة، الدنيوية والأخروية؛ (وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا…) [القصص: 77].
• مرنة لا تعرف الجمود: فهي صالحة لكل زمان ومكان، تستجيب للمستجدات العصرية والأمور الطارئة، رغم ثبات قواعدها وأركانها، فانفتاحها انفتاح منضبط، وتطورها لا يعارض الثوابت والمنطلقات، ولو شئنا لقلنا إن لها أصولًا ومبادئ لا تتبدل، إنما المرونة في فروعها ووسائلها وجزئياتها.
• ذات طابع فردي وجماعي: فكما تهتم بتكوين الفرد، تدعو إلى تدشين مجتمع قائم على العدل والمساواة، والتكافل والوحدة، فهي تبدأ من الفرد بتهذيب ذاته، وتطهير ضميره حتى يحسن التعامل مع ربه، فيتهيأ من ثم للتعامل الطيب مع مجتمعه، وهي بذلك تربط بين مسئوليتي الفرد والمجتمع؛ إذ كلاهما لازم للآخر.
• مستمرة متجددة، واقعية نفعية، إنسانية عالمية، فهي ملازمة للإنسان منذ مولده وحتى موته، قادرة على مسايرة التطور الحضاري. وهي تتعامل مع الإنسان من واقع بشريته، مراعية فطرته وضعفه، ومطالبه وحاجاته.. وهي لا تقتصر على فئة دون فئة، أو شعب دون آخر، أو أمة دون أمة؛ (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [سبأ: 28].
مصادرها الأصلية والفرعية
للتربية الإسلامية مصادر أصلية وأخرى فرعية تستمد منها منهجها. أما الأصلية فتنحصر في:
• القرآن الكريم: فهو دستور الأمة الذي يحدد لها قوانين الحياة، والتصور الشامل للكون والإنسان، وله أثر كبير في تربية الأمة، بدءًا من نبيها ﷺ الذي تخلّق بخلقه، وإلى قيام الساعة، وهو كفيل بسدّ احتياجات البشرية في نواحيها العلمية والمعرفية؛ (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام: 38]، كفيل بإصلاحها وهدايتها إلى الطريق القويم؛ (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) [الإسراء:9).
• السنة النبوية: وهي المكمّلة والموضحة والشارحة لما جاء في القرآن الكريم، وبيان المنهج التربوي الذي سار عليه النبي ﷺ وربّى عليه الأمة، وقد وردت أخبار لا حصر لها في هذا الجانب، جانب التربية النبوية، اعتنت برعاية النفس الإنسانية وتهذيب أخلاقها؛ (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [الجمعة: 2].. أما المصادر الفرعية فتتمثل في تراث السلف الصالح وما صدر عنهم من آراء وأفكار واجتهادات، وما أنتجوه في هذا الجانب من معارف وقيم وفنون.. ويضيف علماء التربية المسلمون مصدرًا آخر وهو ما أنتجه الفكر التربوي، قديمًا وحديثًا، من نظريات وأفكار إيجابية؛ دليل مرونة منهج التربية الإسلامية القائم على قاعدة: (الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق الناس بها).
أساليب ووسائط
تتنوع أساليب وطرائق التربية الإسلامية، وقد برزت قديمًا: القدوة الحسنة، والنصح والموعظة، والثواب والعقاب، والمناقشة والحوار والمناظرة، والأسلوب القصصي، وضرب الأمثلة، والممارسة والتطبيق العملي، والحفظ والتلقين.. وحديثًا ظهرت طرائق التدريس المتنوعة التي يستخدمها المربُّون المعاصرون ويراعون فيها مواكبة متطلبات العصر، والمرونة، والبعد عن النمطية والرتابة.. وتتنوع أيضًا وسائط ومؤسسات التربية الإسلامية، فقديمًا عُرفت الأسرة والكُتّاب والمسجد، والأربطة والمدارس، وحوانيت الورّاقين والمكتبات ومجالس العلماء.. ومن الوسائط الحديثة: وسائل الإعلام والاتصال الحديثة، والمكتبات والمدارس، وما يستجد من وسائط لا تتعارض مع مفهوم ومنهج التربية الإسلامية.
أهداف وغايات
غاية التربية الإسلامية هي تحقيق العبودية لله رب العالمين؛ مصداقًا لقوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56]؛ لتتحقق للمؤمن سعادته في الدارين؛ (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس: 9،10].. وتُشتق أهدافها من الوحيين المطهريْن، ومن حاجة المجتمع المسلم ومتطلباته بعد التعرف على ظروفه وأحواله، والتعرف أيضًا على طبيعة الأفراد وميولهم، ورغباتهم ومواهبهم.. وتتمثل هذه الأهداف في:
• إيجاد الفرد المسلم، ذي العقيدة الصحيحة والعبادة السليمة، الملتزم بقيم المجتمع المسلم وأخلاقه، العامل بأوامر الله ونواهيه، الصحيح جسميًّا ونفسيُّا، القادر على عمارة الأرض واستثمار خيراتها.
• إيجاد المجتمع المسلم، المتناصح المتناصر، القائم على أمر الله، والذي يتحقق فيه قول الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ…) [الحجرات: 10]، وتهيئته شعوريًّا لترسيخ الانتماء إلى الأمة، والانشغال بهمومها وقضاياها.
• إيجاد الأمة المسلمة، المؤمنة الصادقة، والتي يتحقق فيها قول الله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهَ…) [آل عمران: 110]..
فإن تحققت تلك الأهداف الثلاثة تخطت فكرة التربية الإسلامية محيطها المحلي إلى الفضاء العالمي، وذلك مقصود الإسلام.