يعد كتاب «الوقت في حياة المسلم» للدكتور يوسف القرضاوي، رحمه الله، من أهم الكتب التي تكشف عن أهمية الوقت والاعتبار بمروره، والوقوف على الواجبات الضرورية من أجل الانتفاع به وعدم تضييعه وإهداره.
وحين نقلب صفحات هذا الكتاب، نجد أنه يقف على حال الأمة الإسلامية التي أصبح أغلب أبنائها يهدرون الأوقات ويقتلونها في غير فائدة؛ مما أدى إلى التأخر عن ركب الحضارة والتقدم.
وفي سبيل المعالجة لهذه النقطة الحرجة يقدم الكتاب صوراً مشرقة للأمة الإسلامية إبان قيام حضارتها ومجدها، ثم يفصل القول في أساليب اغتنام الأوقات في زمن الحضارة الإسلامية في مقابل أساليب قتل الأوقات في وقت التخلف والتراجع الحضاري، ويمكن إجمال ما في هذا الكتاب من عناوين فيما يأتي:
أولاً: عناية القرآن الكريم والسُّنة النبوية بالوقت:
أوضح الكتاب أهمية الوقت من خلال ورود القسم به في أكثر من موضع في القرآن الكريم، وتخصيص سؤالين عنه يوم القيامة في الحديث الذي رواه الترمذي عن ابن عبيدة الأسلمي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيم أفناه وشبابه فيم أبلاه..»، وهذان يتعلقان بالوقت في حياة الإنسان، كما دلل على أهمية الوقت من خلال الحديث عن الارتباط الوثيق بين الوقت وأداء الشعائر الإسلامية.
ثانياً: خصائص الوقت:
كشف الكتاب عن أهم خصائص الوقت، وهي: سرعة انقضائه، وأن ما مضى منه لا يعود ولا يعوض، وأنه أنفس ما يملك الإنسان، فالوقت هو الحياة.
ثالثاً: واجب المسلم نحو الوقت:
أكد الكتاب أن المسلم يجب عليه تجاه وقته أمور، منها: الحرص على الاستفادة من الوقت، والحذر من تضييع الأوقات وقتلها، وضرورة استشعار نعمة الفراغ واغتنام أوقاته، والمسارعة في الخيرات، والاعتبار بمرور الأيام، وتنظيم الأوقات بحيث يكون لكل وقت عمله، وتحري الأوقات الفاضلة والاجتهاد فيها، وختم الكتاب هذه النقطة باقتراح نظام يومي لحياة المسلم يساعده على اغتنام جميع أوقاته في الطاعة والعبادة.
رابعاً: وقت الإنسان بين الأمس واليوم والغد:
كشف الكتاب تحت هذا العنوان عن بعض الأصناف من الناس تجاه الأوقات، فمنهم المتعلقون بالماضي من التراثيين والرومانسيين الذين لا يهتمون إلا بالحديث عن الذكريات والأحداث الماضية سواء كانت مفرحة أم محزنة، وفي مقابل هؤلاء المسرفين في التعلق بالماضي نجد المتعبدين للمستقبل، الذين يديرون ظهورهم للماضي كله، معرضين عن تاريخهم وتاريخ أمتهم، وتاريخ الإنسانية إعراضاً تاماً، رافضين للمواريث الثقافية والدينية والحضارية رفضاً كاملاً دون تمحيص ولا تمييز بين حقها وباطلها وحلالها وحرامها ونافعها وضارها.
وهناك الناظرون إلى المستقبل نظرة اليأس والتشاؤم، فهم يفقدون الثقة في الغد والأمل في المستقبل، فلا يرون فيه إلا السواد والظلام والخوف والقلق والبؤس والشقاء، وغيرهم لا يعرف عن المستقبل إلا الأحلام والأوهام، وغيرهم يعشق اللحظة الحاضرة دون النظر إلى الماضي أو التطلع إلى المستقبل.
ثم أوضح الكتاب النظرة الصحيحة إلى الزمن، وهي التي تستوعب الماضي والحاضر والمستقبل جميعاً، دون أن يطغى أحدهم على الآخر، أو يأخذ أكبر من حجمه ووقته، فلا بد من النظرة إلى الماضي من أجل الاعتبار به والانتفاع منه، ويجب الاهتمام بالحاضر والتزود منه بكل خير ونافع، كما يجب التطلع إلى المستقبل من أجل إعداد العدة له وحسن الإقبال عليه وجني الثمرة منه.
خامساً: كيف يطيل الإنسان عمره؟
راعى الكتاب طبيعة النفس الإنسانية في التطلع إلى البقاء والحياة لفترة طويلة، فأخذ بيده إلى عدد من الوسائل التي تجعل ذِكْر الإنسان أبقى وأطول من غيره، فالناس متفقون على أن الذِكر الحسن الذي يتركه الإنسان بعد موته يعتبر عمراً آخر له، وفي هذا يقول الشاعر أحمد شوقي:
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان
فارفع لنفسك بعد موتك ذِكرها فالذِّكر للإنسان عمر ثان
ولهذا أكد الكتاب أن الإنسان له عمر ثانٍ يمكن له أن يحصله بالصدقة الجارية وبذل الأوقات في المنافع المتعدية إلى الآخرين من تعليم العلم ونشره، وبناء المساجد وتوريث المصاحف وشق الأنهار وحفر الآبار وغيرها من الصدقات الجارية.
سادساً: الحذر من الآفات القاتلة للوقت:
كشف الكتاب عن عدد من الآفات التي تؤدي إلى ضياع الأوقات وتآكل عمر الإنسان إذا لم ينتبه لخطرها، وهي: الغفلة والتسويف وسب الزمان.
أما الغفلة فهي مرض يصيب عقل الإنسان وقلبه، بحيث يفقد الحس الواعي بالأحداث، ويفقد الانتباه اليقظ إلى معاني الأشياء وعواقب الأمور.
أما التسويف فيعني التأخير والتأجيل للأعمال مما يؤدي إلى ضياع الأوقات وحرمان النفس من الإفادة من الحاضر والإعداد للمستقبل، حتى يندم في وقت لا ينفع فيه الندم.
أما سب الزمان فيعني إلقاء اللوم على الدهر، ودوام الشكوى من ظلم الزمان وقسوة الأيام، حتى يتصور هؤلاء أن الزمان هو أحد خصومه أو أعدائه، فتجده دائماً يلقي باللوم على الزمان أو سوء الحظ أو القدر أو الظروف السيئة.
وكان الواجب على هؤلاء أن ينظروا فيما نزل بهم من نقمة، وما سلب منهم من نعمة، ويحللوه تحليلاً أعمق من النظر السطحي، يربط المسببات بالأسباب والنتائج بالمقدمات، وفقاً لسنن الله تعالى في خلقه، فالزمن ليس إلا وعاء للأحداث التي يجريها الله حسب نواميسه وسننه.
إن واجب المؤمن إذا نزل به ما يكره أن يرجع إلى نفسه فيحاسبها، وإلى ربه فيقرع باب التوبة والاستغفار، ولا ينزع إلى سب الزمان أو إلقاء اللوم على الآخرين.
وخلاصة الأمر أن كتاب «الوقت في حياة المسلم» للقرضاوي، يرحمه الله تعالى، يعالج قضية الإفادة من الوقت في حياتنا المعاصرة من خلال تعاليم الإسلام ومبادئه، التي أفاد منها المسلمون في زمن الحضارة الإسلامية فأبدعوا أحسن الإبداع، وكانوا قادة الأمم وأرقاها.