يُعرف مصطلح المقاومة الشعبية بأن يقاوم الشعب أو مجموعة من الناس خطراً جماعياً يهدد وجودهم وحياتهم، وطالما هي مقاومة فهذا يعني أنها مدافعة أكثر من كونها مهاجمة، أو هكذا هي دلالة المصطلح.
وقد انطلقت المقاومة الشعبية في السودان بعد شهرين من اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023م، بعد أن أعلن رئيس مجلس السيادة قائد الجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان فتح باب الاستنفار وحمل السلاح لكل من هو قادر عليه للدفاع عن أهله وعرضه والبلاد، وبدأت الاستجابة بشكل رسمي لمجموعات كبيرة انخرطت في القتال بشكل مباشر؛ وذلك لأنها قاتلت من قبل في حرب جنوب السودان سابقاً ودارفور بعدها، وهي مجموعات الدفاع الشعبي والمجاهدين والمتطوعين الذين تلقوا تدريبات عسكرية في معسكرات الخدمة الوطنية، أو بما كانت تعرف بمعسكرات «عزة السودان» الذين خاضوا معارك سابقة.
المقاومة الشعبية انطلقت بعد شهرين من اندلاع الحرب فور إعلان البرهان الاستنفار وحمل السلاح
وانتظمت تلك المجموعات في معسكرات الجيش مثل سلاح المدرعات بمنطقة الشجرة جنوب الخرطوم، وسلاح الإشارة بمدينة الخرطوم بحري، وسلاح المهندسين ومعسكرات سركاب وكرري بأم درمان وبقية الولايات الأخرى، وكان لهذه الإضافات النوعية للقوات المسلحة دور كبير في المعارك مع «قوات الدعم السريع» التي كانت مستعدة بشكل كبير مقارنة بالجيش في العتاد والمقاتلين.
وتكونت لجان المقاومة الشعبية بكل ولايات السودان عدا ولايات دارفور، باستثناء ولاية شمال دارفور التي لم تنشغل بالمعارك إلا بعد سقوط الولايات الأربع الأخرى جنوب وغرب وشرق ووسط دارفور، وتشهد معركة الفاشر المندلعة منذ أشهر دوراً قوياً للمقاومة الشعبية ومستنفريها في مساندة القوات المسلحة والقوات المشتركة المكونة من الحركات المسلحة الدارفورية التي وقعت على اتفاق السلام مع الحكومة السودانية منذ العام 2020م بدولة جنوب السودان.
تضارب موقف الدولة
فيما اعتبر التداعي والاستجابة لنداء المقاومة الشعبية في السودان كبيراً جداً، ولكنه اصطدام بتضارب موقف قيادة الدولة في التعامل معها والاستفادة منها، حيث ارتبكت مواقف الدولة في هذا الملف، لنجد أنها أحياناً تدعو للمقاومة وتحث الناس عليها، ثم مرة ثانية تجدها تهاجمها من بعض قيادات الجيش، ثم تجدهم مرة أخرى يمنعون عنها السلاح، وهكذا يتقلب الموقف الرسمي من المقاومة الشعبية في السودان.
يقدر عدد الذين انضموا للمقاومة الشعبية 10 ملايين سوداني بينهم 200 ألف مسلح بسلاح خفيف
الشاهد أن هذه المواقف المتقلبة من قبل الدولة دافعها ذاتي يخص القيادة الحالية وتخوفها من أن تتقوى المقاومة الشعبية وتشكل سلطتها ونفوذها الذي ينافس مكانة وطموح قيادة الدولة الحالية، أو خوفها من المجتمع الدولي الذي في غالبه يصنف حركة المقاومة والمدافعة في السودان بأنها تتبع أو يقف خلفها الإسلاميين، ولأجل ذلك أصدر مجلس السيادة قراراً بتبعية وتكوين لجان المقاومة العليا بالولايات بقرارات تصدر من والي الولاية وبتعيين منه؛ حتى تكون تلك اللجان تحت كنف الدولة وتصرفها، وهو الأمر الذي أضعف دور وفاعلية لجان المقاومة الشعبية المسلحة وحجمها، بحسب رأي الكثيرين؛ ما تسبب في ضعف الدفاع عن النفس والمناطق في كثير من الأماكن التي دخلتها مليشيا «الدعم السريع» في العاصمة الخرطوم وولايات الجزيرة وسنار وغرب كردفان.
ويقدر عدد الذين انضموا للمقاومة الشعبية بحوالي 10 ملايين مقاوم تقريباً في كل ولايات السودان، ويقدر تسليح المقاومين بحوالي 200 ألف مسلح بأسلحة خفيفة من «الكلاش» إلى «الكلاشنكوف»، وهو تسليح قليل من واقع استجابة المقاومين واستعدادهم، ومن واقع استعداد الطرف الآخر الذي يجند أعداداً كبيرة من مناطق حواضنه الاجتماعية ومن دول الجوار ويدفع بهم للقتال في السودان.
لم تكن تجربة المقاومة الشعبية المسلحة الحالية في السودان الأولى، وإنما سبقتها تجارب مماثلة بالرغم من اختلاف الحروب السابقة عن الحرب الحالية مع «الدعم السريع»، حيث قدم السودان نموذجاً للسند الشعبي للقوات النظامية عبر تجربة الدفاع الشعبي الجهادية، التي تفتقت بها عبقرية نظام حكم «الإنقاذ»، وهي تجربة فذة لجهة أنها استطاعت استنهاض الشعب السوداني لمواجهة حرب عنيفة وقفت خلفها دول ومنظمات عالمية بدعم نظام الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق لأكثر من 20 عاماً قبل توقيع اتفاق سلام «نيفاشا» مع الحكومة السودانية في العام 2005م، ولولا وجود الدفاع الشعبي وسنده المستمر للجيش لربما نجح المشروع الغربي الأوروبي في السودان عبر سلاح قرنق، إلا أن الدفاع الشعبي شكل رافداً مستمراً للجيش بالرجال، وتعدى ذلك لحث المواطنين على التبرع والدعم للمجهود الحربي، وشكلت تجربة الدفاع الشعبي مدرسة جديدة في تهيئة وتعبئة الشعب للقتال، وجعلته شريكاً في الحرب وصاحب حق في الدفاع عن نفسه.
الواقع والمأمول
بعد مُضي عام وثلاثة أشهر ومن واقع مجريات الحرب وتقييماً لدور المقاومة الشعبية بين واقعها والمأمول منها، نجد أن النتيجة أقل مما هو مطلوب؛ لأن التمرد استباح كثيراً من الولايات والمدن والقرى، وحجم المقاومة ومساندة الجيش كان ضعيفاً على قياس ذلك، ويرجع ذلك لسبب رئيس؛ وهو عدم تجهيز المقاومة بما يلزم من قبل الدولة، وتدخلها في تحجيم الدعم الشعبي للمقاومة من تسليح وتجهيزات أخرى، وذلك لتحكّم السلطة في أجسام المقاومة وقياداتها وتقييدها بالمؤسسة الرسمية وتعقيداتها.
المقاومة الشعبية قادرة على القيام بأدوار مهمة في حسم المعركة إذا وظفتها الدولة التوظيف المطلوب
ما هو مؤكد أن المقاومة الشعبية قادرة على القيام بأدوار كبيرة ومهمة في حسم المعركة الحالية، وذلك إذا ما استعانت بها الدولة بشكل جيد ووظفتها التوظيف المطلوب دون أجندة أو خوف من أدوار مستقبلية للمقاومة، حيث إن الحرب الحالية التي يشهدها السودان ليست حرباً بين جيشين أو قوات عسكرية متقاتلة فيما بينها، بل هي حرب بين جيش نظامي محترف ومليشيا مشتتة تضم قطاع طرق وعابرين للحدود همهم الأول والأخير سرقة ونهب ممتلكات المواطنين والدولة، وهي حرب ضد المواطن بالدرجة الأولى.
وقد جمعت مليشيا «الدعم السريع» في صفها أصحاب السوابق الذين أخرجتهم من السجون من معتادي الإجرام بعد اقتحامها، وآخرها ما حدث في سجن مدينة سنجة التي دخلتها المليشيا مؤخراً وأخرجت كل المسجونين وضمتهم إلى صفوفها، وهذا الكم الواسع من المتفلتين الذين يعملون في نهب وسلب المواطنين يحتاجون إلى قوة شعبية مدافعة ومساندة للجيش، وهذه الميزة تتوفر في المقاومة الشعبية التي تستطيع إنجاز هذه المهمة في أماكنها السكنية والتجارية شريطة ترتيبها وتنظيمها وتسليحها، وبذلك يتكامل الدور الشعبي والرسمي، وتكتمل متطلبات المقاومة الشعبية في السودان في مواجهة حرب جديدة وغريبة على السودانيين قوامها المجرمون والمرتزقة الأجانب.
إن المقاومة الشعبية السودانية قدمت أدوراً كبيرة في الحرب الحالية، ولكنها دون المأمول منها؛ لأسباب ترجع للدولة وليس للمقاومة كجسم شعبي تلقائي مستقل، ومن الممكن أن تقدم عملاً كبيراً إذا ما تمت مراجعة ومعالجة للتجربة الحالية وإصلاح المقاومة الشعبية لتؤدي هدفها المطلوب دون أي تدخلات أخرى.