يظل ارتفاع معدلات الطلاق في العالم العربي إشكالية كبرى ومقلقة؛ نظراً للتداعيات الجسيمة والخطيرة المترتبة على ذلك، من تفكك أسري، وضياع الأبناء، وتزايد الجرائم، وتفشي الفاحشة والزنى في المجتمعات العربية.
من هذا المنطلق، كانت العلاقات الزوجية خلال السنوات الخمس الأولى من الزواج في العالم العربي محل دراسة وتقييم، من قبل جامعة الدول العربية بالتعاون مع معهد الدوحة للأسرة، في محاولة لرسم خارطة طريق نحو تعزيز التماسك الأسري، وترسيخ معاني السكن والمودة والرحمة التي نص عليها القرآن الكريم بشأن العلاقة الزوجية.
وخلصت الدراسة، المعلن عنها حديثاً، إلى عدة نتائج جديرة بالقراءة والرصد، أبرزها أن 32% من أفراد العينة المشاركة يرون أن الكذب على رأس لائحة أسباب الطلاق، وهي ذات النسبة التي اعتبرت اختلاف أسلوب الزوجين في تربية الأبناء سبباً وراء الطلاق.
وتفيد النتائج بأن 27% يعتقدون أن عدم الاحترام بين الزوجين من أسباب الطلاق، ثم الشك في وجود علاقات أخرى بنسبة بلغت 22%، بينما قال 18.7%: إن التجاهل بين الشريكين سبب رئيس وراء الخلافات الزوجية، ومن ثم التفكك الأسري، في الوقت الذي اعتبر 21% أن تدخل الأهل من الأسباب وراء المصير ذاته.
وحدد التقرير، إجمالاً، الأسباب العشرة التي تؤدي إلى الطلاق في العالم العربي، خاصة في السنوات الخمس الأولى من الزواج، وهي الخيانة، وعدم مقدرة الزوج على تأمين مستلزمات الأسرة، واختلاف أسلوب الزوجين في تربية الأبناء، وعدم الاحترام المتبادل، وغياب التفاهم نتيجة التشبث بالرأي والعناد.
وجاءت أسباب الطلاق من السادس إلى العاشر، كالآتي: عدم التوافق الجنسي، وعدم التكافؤ التعليمي، والغياب المتكرر عن المنزل، وتفشي الأفكار النسوية، والعصبية والغضب السريع.
وفي محاولة لوضع حلول ناجعة للأزمة، ارتأى القائمون على الدراسة ضرورة تعزيز سياسات وبرامج التمكين الاقتصادي للشباب المقبلين على الزواج ودعمهم اقتصادياً بشبكة أمان اجتماعية وحزم التوظيف ومنح الزواج والسكن، إضافة إلى إجراء الفحص الطبي والنفسي لطرفي الزواج؛ لتفادي أي مشكلات مستقبلية.
وينصح التقرير بضرورة تأهيل المقبلين على الزواج، وإلزامهم بذلك، بالتوازي مع إنشاء مراكز استشارات أسرية، وتوعية أفراد المجتمع، بحقوق وواجبات كل طرف لإنجاح الزواج، وكيفية التعامل مع المشكلات التي تنشأ بين الزوجين، مع تضمين المناهج التعليمية في المرحلتين الثانوية والجامعية، مواد دراسية تتعلق بالزواج، وسبل إنجاحه، والمهارات الحياتية ذات الصلة، وعوامل وقاية الزواج من أي أخطار أو أزمات لاحقة.
وحدد المختصون والخبراء عناصر لتحقيق السعادة من خلال العينة التي تعامل معها التقرير، أهمها: الإيمان بقدسية الزواج، والوعي بأن الزواج مسؤولية مشتركة بين الشريكين، وضرورة التواصل والمصارحة، والنقاش والحوار الهادئ، مع التغاضي عن المشكلات التافهة.
وينصح التقرير بضرورة تفهم أدوار كل طرف من طرفي العلاقة، والتخطيط السابق للأمور ووضع خطط وأهداف المستقبل للأسرة، والتوفيق بين متطلبات العمل ومتطلبات الأسرة، وعدم التسرع في اتخاذ القرارات، ووضع حد لتدخل الآخرين، وطلب النصح من ذوي الثقة والخبرة، والخروج والسفر لكسر رتابة الحياة الزوجية، وتعزيز الصلة بالله، والتراحم بين الزوجين، وغير ذلك من معينات تجنب الأسرة طريق الطلاق والتفكك.
ويشدد خبراء الأسرة والعلاقات الزوجية على ضرورة تجنب استخدام الإهانات، والعنف بأشكاله المختلفة منه النفسي أو اللفظي أو الجسدي، وإيجاد وترسيخ أجواء التقدير بين الزوجين، وفتح أبواب التواصل، وتقدير الأشياء الإيجابية، والتعبير عن الامتنان وتقديم كلمات الشكر والثناء، والحب، والهدايا، وتوفير الإحساس بالأمان العاطفي والأسري.