يتميز السودان بموقعه الجغرافي في القرن الأفريقي، ويمثل بوابة القارة السمراء من جهة الشرق، وبساحل على البحر الأحمر بطول نحو 498 كم، ويجاور 7 دول، هي: مصر، وإثيوبيا، وجنوب السودان، وإريتريا، وأفريقيا الوسطى، وتشاد، وليبيا، وللسودان حدود برية طويلة دون عوائق طبيعية مع جيرانه، بإجمالي طول الحدود 6780 كم، بهذا الموقع المميز يكون السودان في القلب من قارات العالم القديم آسيا وأفريقيا وأوروبا.
شكل السودان حضوراً مبكراً في المؤسسات الدولية والإقليمية منذ استقلاله في الأول من يناير 1965م، كما امتد التاريخ السوداني في عمق الزمن وعبر تشكلات الحضارات الأفريقية والعربية والإسلامية، بهذا التاريخ والجغرافيا المميزة للسودان ظل مؤثراً ومتأثراً وجسراً تمر عبره المؤثرات في محيطه الإقليمي والقومي والدولي.
إن الحرب التي اندلعت في السودان، في 15 أبريل 2023م، بدأت ومنذ يومها الأول تلقي بظلالها وتأثيراتها على محيطات السودان المختلفة، ومع مشاركة دول ومؤسسات دولية وإقليمية بصورة مباشرة وغير مباشرة في الحرب، وفق أهداف ومصالح خاصة بها، تُحدث هذه الحرب تأثيرات يتناول هذا المقال أحدها، مركِّزاً على محيط السودان الإقليمي في أفريقيا مع التركيز على دول جوار السودان بصفة خاصة على النحو التالي:
1- مصر:
كان المبرر الأول للحرب التي أطلقتها مليشيا «الدعم السريع» على الدولة السودانية وجود قوات مصرية على الأراضي السودانية، وقد هاجمت المليشيا قبل يومين من بداية معارك العاصمة الخرطوم قاعدة مروي واختطفت ضباطاً وجنوداً مصريين، ورغم أنها أطلقت سراحهم لاحقاً وقدمت اعتذاراً لمصر، فإن هذه الحادثة عززت موقف الشقيقة مصر المبدئي الرافض لوجود المليشيات بالمنطقة والداعم للدولة والجيش السوداني في مواجهة المليشيا المتمرّدة.
واستقبلت مصر منذ بداية الحرب نحو 450 ألف سوداني لجؤوا إليها بسبب الحرب، علاوة على وجود 4 ملايين سوداني مقيمين بمصر، حسب تقارير منظمة الهجرة الدولية.
بالإضافة للآثار الاقتصادية السالبة على مصر من حرب السودان بسبب توقف معظم حركة التجارة بين البلدين، تمثل الحرب السودانية تهديداً جدياً على الأمن القومي للدولة المصرية حال اقتراب الحرب من حدودها، بالإضافة إلى ذلك ملف «سد النهضة» المشترك بينها وبين السودان الذي تستغل فيه إثيوبيا أي اضطراب في البلدين لتعزيز موقفها.
2- إثيوبيا:
تتميز العلاقات السودانية الإثيوبية بالتوتر في معظم أوقاتها، مع ذلك احتفظت إثيوبيا بعلاقات جيدة مع مليشيا «الدعم السريع»، وليس من الأسرار الاستثمارات الكبيرة لحميدتي في إثيوبيا، وتدريب إثيوبيا قبل الحرب منتسبين لـ«الدعم السريع» في مجال الطيران، ومشاركة مرتزقة إثيوبيين إلى جانب المليشيا في قتال الجيش السوداني، إضافة للدور الإثيوبي في الدفع بالاتحاد الأفريقي لتبني مواقف سالبة تجاه الدولة والجيش السوداني، وقد استقبل رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد قائد المليشيا المتمردة حميدتي استقبالاً رسمياً في الوقت الذي كانت تشن فيه المليشيا حربها على الدولة السودانية.
باستقراء السوابق في العلاقات السودانية الإثيوبية، فإن إثيوبيا ظلت ملاذاً للجماعات السودانية المتمردة، وهو موقف تضررت منه إثيوبيا ذاتها؛ حيث من الطبيعي أن يرد السودان على ذلك باستضافة معارضين إثيوبيين، وتبقى الحقيقة أن العلاقة المتوترة بين البلدين تتسبب في اضطراب الأوضاع فيهما.
3- إريتريا:
كان السودان من أكبر الداعمين للقضية الإريترية للتحرر من الاحتلال الإثيوبي، ويستضيف السودان عدداً كبيراً من اللاجئين الإريتريين، وتعتمد إريتريا بصورة كبيرة على الواردات من السودان خاصة المواد الغذائية، وتسببت الحرب في ارتفاع أسعار السلع الغذائية في دول جوار السودان ومنها إريتريا.
الموقف الإريتري الرسمي من الحرب السودانية داعم للدولة والجيش السوداني، فعلاقات إريتريا مع قائد مليشيا «الدعم السريع» لم تكن على ما يرام، وقد أبدى الرئيس الإريتري أسياس أفورقي في أكثر من مناسبة قلقه من مشاركة «الدعم السريع» في حرب اليمن وتقارب قائدها مع النظام الإثيوبي.
4- جنوب السودان:
موقف جنوب السودان من الحرب السودانية معقد، فبينما يتخذ الرئيس سلفاكير ميارديت موقفاً داعماً للدولة والجيش السوداني، يبدي عدد مقدر ومهم من أركان نظامه دعماً غير مخفيّ لمليشيا «الدعم السريع»؛ حيث يرتبطون بمصالح مع زعيمها حميدتي، وبعضهم يتعاقد لتوريد مرتزقة من جنوب السودان للقتال إلى جانب المليشيا ضد الجيش السوداني الذي تمكن من أسر عدد منهم وعرضهم في الإعلام.
ودولة جنوب السودان من أكبر المتأثرين بالحرب السودانية، إذ شكلت اعتداءات المليشيا المتمردة على منشآت نفطية لتكرير بترول الجنوب مصدر قلق للجنوبيين، كما أن عودة اللاجئين من جنوب السودان بالإضافة للجوء مواطنين سودانيين لدولة جنوب السودان شكل ضغطاً عليها، كذلك يعتمد الجنوب على الواردات من السودان التي شحت وارتفع ثمنها في الجنوب بسبب الحرب.
5- أفريقيا الوسطى:
تعيش أفريقيا الوسطى حالة من الفوضى بسبب النزاع الداخلي، وقد سعت مليشيا «الدعم السريع» لاستقطاب مرتزقة من أفريقيا الوسطى للقتال إلى جانبها بالتعاون مع مرتزقة «فاغنر» الروسية، وتعاني أفريقيا بسبب الحرب السودانية من اضطرابات على الحدود، وعصابات النهب، وشح الواردات، وضغط اللاجئين، مع ذلك يبقى الموقف المعلن للرئيس فوستان تواديرا نفيه دعم بلاده لمليشيا «الدعم السريع».
6- تشاد:
شهد الموقف التشادي من حرب السودان تحولات دراماتيكية، فبعد أن أعلن الرئيس التشادي كاكا في بداية الحرب دعمه للدولة والجيش السوداني ونسق مع السودان في مواجهة مليشيا «الدعم السريع» على الحدود المشتركة بين البلدين، انقلب الموقف التشادي على النقيض تماماً، وأصبح نظام الرئيس كاكا من أكبر الداعمين لمليشيا حميدتي.
وعزا مراقبون هذا التحول الدراماتيكي في الموقف التشادي لضغوط وإغراءات دولية تعرضت لها، حالياً تعاني تشاد من اضطرابات وتهديد لأمنها القومي والاجتماعي، حيث تتشارك تشاد مع السودان بتداخل قبلي عميق ظل مؤثراً ومتأثراً بالأوضاع في البلدين منذ اندلاع أزمة دارفور.
7- ليبيا:
يؤثر الانقسام الداخلي الليبي على موقفها من الحرب في السودان، فبينما تعلن حكومة طرابلس في الغرب موقفها الداعم لموقف الجامعة العربية من حرب السودان، يتهم السودانيون، وفق شواهد عديدة، حكومة بنغازي في الشرق التي يسيطر عليها الجنرال خليفة حفتر بدعم مليشيا حميدتي بالسلاح والمرتزقة والوقود، فالعلاقات بين حفتر، وحميدتي ليست خافية، وشهدت في الفترة الأخيرة قبل التمرد تطوراً وتعاوناً لافتاً بين الرجلين.
مما سبق ذكره من نماذج لآثار الحرب السودانية على دول جوار السودان، يظهر الآتي:
1- تهديد الأمن القومي بسبب انتقال الفوضى والاضطرابات.
2- قضية اللاجئين وما يتعلق بها من هجرة غير شرعية.
3- الآثار الاقتصادية السالبة للحرب من توقف التجارة وغلاء البضائع ونزف الثروات.
4- ظاهرة المرتزقة العابرة للدول، وهي ظاهرة خطيرة متي ما انتشرت لا تكاد تنجو منها دولة.
5- استباحة الحدود؛ مما يسهل انتقال التطرف والإرهاب والجريمة العابرة للحدود كالمخدرات وغيرها.