المجاهدون فصيل من المجتمع ينوبون عن الأمة في مهمة الجهاد التي فرضها الله عز وجل، ويحملون عنها وزر القعود، فهم ليسوا كل الأمة ويستحقون الدعم كاملاً من بقية أفرادها.
ومن أخلاق المؤمنين وقت الحروب والنوازل والمحن مؤازرة من على الثغور وتقوية شوكتهم، وإخلافهم في أهليهم وأبنائهم، وكفايتهم هَمَّ الحاجة ليتفرغوا لما هو أكبر من الذود عن بلاد المسلمين ومقدساتهم وأرواحهم وأرضهم.
والجهاد من أرفع العبادات عند الله تعالى وأعلاها أجراً وأعظم التجارة كسباً، فيقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ {10} تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (الصف)، ومن يؤازرهم ينال من أجرهم، وتطاله بركتهم، فعن زيد بن خالد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيًا في أهله بخير فقد غزا» (متفق عليه).
وعلى عامة المسلمين واجبات محددة نحو المجاهدين، منها:
أولاً: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً:
فضلاً عن حقوق المجاهدين في الإسلام، فإن هناك الواجبات المترتبة على مبدأ الأخوة التي وضعها الشرع كأساس للتعامل بين المسلمين في المجتمع المسلم، فعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا»، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: «تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره» (رواه البخاري).
وما يحدث بفلسطين اليوم يستلزم على المسلمين جميعاً التوقف لنصر المسجد الأقصى ونصرة المجاهدين في غزة بكافة الوسائل الممكنة للذود عن هؤلاء الذين أوقفوا حياتهم وأرواحهم وأموالهم للجهاد في سبيل الله وتحرير المقدسات.
وفي فتوى للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في 12 أكتوبر 2023م، تقول: لقد تقرر عند جميع العلماء أن أي أرض إسلامية احتلها مغتصب فقد وجب على أهلها استردادها، وذلك أن الدفاع عن الأرض والوطن في هذه الحالة فرض عين على جميع أهل الوطن المحتل، فإن لم يستطيعوا وحدهم، فقد وجب على الدول الإسلامية معاونتها حتى تخليصها من يد المغتصب، كما كان المسلمون منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم.
ومن أولويات النصرة؛ المسجد الأقصى، فهو أولى القبلتين، وهو مسرى نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الحرام إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِير) (الإسراء: 1).
وفي الاختيار: الجهاد فرض عين عند النفير العام وكفاية عند عدمه، والنفير العام: أن يحتاج إلى جميع المسلمين فلا يحصل المقصود وهو إعزاز الدين وقهر المشركين إلا بالجميع، فيصير عليهم فرض عين كالصلاة، وإذا لم يكن كذلك فهو فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين كرد السلام ونحوه، لأن المراد والمقصود منه دفع شر الكفر وكسر شوكتهم، وإطفاء ثائرتهم وإعلاء كلمة السلام، فإذا حصل المقصود بالبعض فلا حاجة إلى غيره(1).
ثانياً: المقاطعة الاقتصادية لمنتجات العدو:
تعتبر المقاطعة أشد أنواع العقوبات الاقتصادية، فمن خلالها تتم عملية المنع التام من التعامل مع دولة ما، أو مع رعاياها، أو مع المؤسسات التابعة لها، أو الجهات والمؤسسات المؤيدة لها أو الداعمة لسياساتها، ومن هنا فهي درجات مختلفة، وتعتبر المقاطعة الاقتصادية أداة سياسية بالدرجة الأولى(2).
والمقاطعة الاقتصادية الشعبية لبضائع العدو سلاح ناجع وقوي خاصة في زماننا هذا والذي يعتمد اعتماداً كلياً على الدخول المتعددة والمتنوعة، ويعتمد كذلك على نسب تشارك بها تلك الشركات في دعم موقف العدو مادياً؛ وهو ما يتسبب في تقويته أمام إخواننا المجاهدين.
وفي السيرة النبوية يوجد نموذج ناجح يوضح أهمية المقاطعة الاقتصادية في تحجيم العدو والنيل من قدراته؛ وهو موقف الصحابي ثمامة بن أُثال، فبعد إسلامه وذهابه إلى مكة معتمرًا فلامته على إسلامه، فقال: والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف منع بيع الحنطة لأهل مكة فجهدوا حتى كتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يسمح ببيع الطعام لهم ففعل صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: المؤازرة بالمال:
الجهاد بالمال لا يقل أهمية عن الجهاد بالنفس، فالمجاهدين يحتاجون للماس لأسباب عدة، منها شراء السلاح اللازم لعملية الجهاد، ومنها كفالة أسرهم الذين تركوهم وخرجوا بأنفسهم نصرة لدين الله، يقول تعالى: (لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {91} وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ) (التوبة).
وفي فضل المشاركة بالمال، عن عبدالرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار حين جهز جيش العسرة ففرغها عثمان في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها ويقول: «ما ضر عثمان ما عمل بعد هذا اليوم» قالها مرارًا. (أخرجه الحاكم).
وفي خطورة التخلي عن الإنفاق في سبيل الله يقول الله تعالى: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد: 38).
رابعاً: الدعاء:
وليس كالدعاء يغير القدر، ويغير كفة الصراع بين المسلمين وعدوهم، وإن تفوق العدو بالعدة والعدد، فالفارق عند المسلمين هو معية الله عز وجل والدعاء بنصرة الحق وذلك بالطبع بعد استنفاد الأسباب اللازمة في عملية الإعداد للمعركة، هنا يأتي دور العقيدة في قدرة الله عز وجل في تسخير تلك الأسباب والمباركة في القليل منها لينصر الله الفئة القليلة على الفئة الكثيرة بقدرته سبحانه، وقد كان ديدن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الدعاء في كل أمر خاصة وقت الغزوات المحن.
وقد روى عمر بن الخطاب قال: لمَّا كان يوم «بدر» نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيف، ونظر إلى المشركين، فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النبي صلى الله عليه وسلم القبلة، وعليه رداؤه وإزاره، ثمَّ قال: «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبداً»، قال عمر: فما زال يستغيث ربَّه ويدعوه، حتَّى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فردَّاه، ثمَّ التزمه من ورائه ثمَّ قال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنَّه منجز لك ما وعدك. (رواه مسلم).
______________________________
(1) عبدالله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي، الاختيار لتعليل المختار.
(2) المغاوري شلبي علي، المقاطعة العربية لـ«إسرائيل» في ظل العولمة الاقتصادية مركز زايد للتنسيق والمتابعة، مارس 2003، ص 15.