حاولت آلاء القطراوي الاتصال تكراراً وفي كل مرة تفشل المحاولة ترتفع معها نبرات الخوف والقلق، ورغم ذلك فإنها لم تكف لساعات طويلة عن المحاولة، فكانت في كل مرة تعطي نفسها أملاً بأن يجيب أحد أطفالها لاتصالها ويقول لها: «ماما نحن بخير».
رغم أن كل المؤشرات لا توحي بذلك، فكافة الاتصالات قطعت، والمنطقة التي يتواجد بها أطفالها تشهد العديد من المجازر وقصف البيوت على رؤوس ساكنيها.
حاولت التواصل مع العديد من المؤسسات الدولية لعلها توقف هذه المجزرة وتنقذ أطفالها، لكن كل المحاولات كانت ترجع صداها بعد أن أغلق جنود الاحتلال مسامعهم.
النبأ اليقين
ما هي إلا ساعات حتى جاءها النبأ اليقين الذي يخبرها بأنه تم قصف المنزل وبداخله أطفالها، ورغم تأكيد ذلك فإن قلب أمومتها يحدثها بأن أطفالها لعلهم ما زالوا أحياء.
فكانت تأخذ أنفاسها بصعوبة بالغة وهي ترسم المشهد في مخيلتها أن الركام أطبق على أنفاس أطفالها.
أطفالها الأربعة: أوركيد، وكرمل، وكنان، ويامن التي كانت تداعب أحلامهم وكانت ترى بهم كل أمومتها، فهي في هذه الحرب لم تفقد أطفالها فحسب؛ بل فقدت أمومتها، فهم كل ما تملك.
دعوني أرها
آلاء التي كانت تسطر أبيات أشعارها في الحب والوطن والإنسان، اليوم تجمع حروف أبيات شعرها الثقيلة على قلبها، لترثي أطفالها؛ بل ترثي أمومتها التي اغتالها الاحتلال.
كتبت في بيت أشعارها لطفلتها أوركيد:
دعوني أرها ولو مرة واحدة
لأخبرها أن شوقي لها ليس سهلا
وأن الخناجر أهون في طعنها من جنون الغياب
وأن عيوني في حزنها الملحمي
ضمور جبال
زئير سهول
بكاء أسود
في دمعتي الماردة
دعوني أرَ وجه أوركيدتي فقط مرة واحدة
أعطوا لها رئتي ربما اختنقت
ربما ما استطاعت مناداة اسمي
فكان الركام ثقيلاً عليها
شاعرة غزة
قبل فترة قصيرة من الحرب كانت قد حصلت على جائزة مسابقة البابطين عن ديوانها الشعري «ساقية تحاول الغناء» فكانت ترى بفوزها فوز غزة؛ بل فلسطين، وأنه رغم الاحتلال والحصار فإنها توجت بالفوز.
وكانت تطمح بأن تقدم لفلسطين ما يليق بها، فهي في ذلك الوقت لم تكن تعلم بأن أمنيتها تحققت بأكثر من فوزها بمسابقات شعرية بأن تتوج اسم فلسطين عالياً، فهي اليوم قدمت بالفعل ما يليق بفلسطين بأن توجت بلقب «أم الشهداء».
أمهات ما زلن يبحثن
آلاء ليست وحدها من الأمهات الثكلى في قطاع غزة اللاتي ما زلن إلى اليوم يحاولن البحث عن أشلاء أطفالهم.
كثير من الأمهات لم تودع أطفالهن في نظرة أخيرة، خاصة أن الكثير منهم قد استشهدوا بعد قصف الاحتلال البيوت على رؤوس ساكنيها، فما كان لأجساد الصغار أن تتحمل ذلك؛ فأصبحن أشلاء متناثرة اختلطت مع حجارة المنزل سواء كانت فوق الأرض أو تحتها.
فإحدى الأمهات بعد مجزرة دير البلح كانت تبحث عن رأس طفلها وهي تحاول أن تصفه لمن حولها بأنه أبيض قصير الشعر!
ومنهن لا تعلم هل ما زال طفلها على قيد الحياة أو أنه استشهد، فالكثير منهن فقدن أطفالهن في النزوح ولم يعثرن عليهن.