ما أشبه فجر اليوم الأخير من الشهر السابع لعام 2024م الموافق ليوم 25 المحرم لعام 1446هـ، بفجر اليوم الأول من صفر لعام 1425هـ الموافق له 22/ 3/ 2004م، ففي فجر اليوم استشهد الشيخ القائد إسماعيل هنية رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ليلتحق بشيخه الشهيد المؤسس أحمد ياسين، أول رئيس لحركة «حماس»، كلاهما ارتحلا لله فجراً بصواريخ الغدر الصهيونية، حيث استشهد الياسين في غزة، واستشهد هنية بطهران، وكان بين استشهادهما 20 عاماً، أصبحت خلالها الحركة تياراً عريضاً لا في صفوف الشعب الفلسطيني وحسب، بل في الأمة بأسرها، وأثبتت أنها عصية على الانكسار مهما استشهد منها قادة أفذاذ كأمثال الياسين، والرنتيسي، الرئيس ونائبه في ذلك الوقت، وهنية، والعاروري، الرئيس ونائبه في هذا الوقت، وبينهما قافلة زكية من الشهداء لا يتسع المقام لذكرهم.
ألا وإن موتهم على هذا النحو حياة لهم مصداقاً لقوله تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ {169} فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (آل عمران)، وقوله تعالى: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ) (البقرة: 154)، وكما عاشوا لله فقد ماتوا في سبيل الله، وهذا هو الفوز الكبير الذي يطمح له كل مؤمن.
ثم إن موتهم حياة للأمة الإسلامية، يبعث الروح فيها من جديد، وإن دماءهم الزكية بلسم يشفي سقم قلوبنا، ويوقظها من غفلة طالت، وأحلام تاهت، وينفض أجساداً ترهلت، وإن دماءهم غيث يروي شرايين الأمة بإكسير الحياة، لتزهر براعمها من جديد، وتعيد لها مجدها التليد، وكأنهم مجددو هذه المئوية، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» (رواه أبو داود وصححه الحاكم وقال العراقي: سنده صحيح)، وأحسب أن دماءهم ستكون وقوداً لطوفان الأمة القادم لا محالة.
وكذا، فإن موتهم حياةٌ للقيم والأخلاق الإنسانية، وصحوةٌ للضمير الإنساني في العالم بأسره، فقد بدأت شعوب العالم تتحرك ضد الكيان الصهيوني، بل ويطالبون بتحرير فلسطين كل فلسطين، من بحرها إلى نهرها، وقد كانت وصية هنية الأخيرة أن يكون يوم الثالث من أغسطس يوماً عالمياً لنصرة غزة والأسرى، فيا معشر الأحرار في كل مكان دونكم تنفيذ الوصية.
أيا إسماعيل، إن الشهادة تليق بكم كما كانت تليق بشيخكم، ونسأل الله تعالى أن تليق بنا.
اللهم ميتة فيها حياتنا وحياة أمتنا وحياة الإنسانية.