شعرت بألم في القلب عندما سمعت خبر استشهاد السنوار، وأعتقد أن كل المقاتلين من أجل الحرية يشاركونني هذا الشعور؛ فالحزن مشروع على بطل رسم بدمائه طريق الحرية.
لو طبقنا كل نظريات القيادة على السنوار سنكتشف أن حياته تفتح المجال لتطويرها، فقد تمكن من صياغة الحلم، والرؤية، وعاش يلتزم بمبادئه ويطبقها حتى صعدت روحه إلى بارئها، وهو يدافع عن أرضه، ويعمل لتحريرها، وبذلك يمكن أن تشكل حياته درسًا مهمًا في علم القيادة.
الشهادة وبناء المستقبل
ولكي نكتشف كيف يمكن بناء المستقبل يجب أن نفهم الحضارة الإسلامية التي يمثلها السنوار؛ فهذه الحضارة تشكل أهداف الحياة، ومقاييس النصر والهزيمة والفوز والفشل، ووظيفة الإنسان، وقدراته على التأثير، ولذلك تذكر لحظة استشهاد السنوار شباب الأمة الإسلامية بأنهم يستطيعون أن يقوموا بصياغة جديدة لأهداف حياتهم، وسيكون لذلك تأثيره على مستقبل العالم كله.
ذكرتنا لحظة استشهاد السنوار بأننا يجب أن نعيش حياتنا لتحقيق هدف عظيم، وأننا نستطيع أن نغير الواقع؛ فالرجل قضي 23 عامًا في سجون الاحتلال «الإسرائيلي» يفكر بشكل إستراتيجي، ويخطط لتحرير فلسطين.
الخيال ينطلق بحرية
في السجن أطلق السنوار لخياله العنان، وأثبت أن البصيرة يمكن أن تتحرر من قيود الزمان والمكان، وأن العقل الإنساني يستطيع أن ينتج أفكارًا لا يتوقعها العدو، وربما يكون خلف أسوار السجون آلاف الرجال يحلمون بتحرير الوطن والإنسان، ويفكرون ويخططون، وسوف تأتي اللحظة التي ينطلقون فيها لتغيير الواقع، فالسنوار يشكل مثالًا وقدوة لكل المقاتلين من أجل الحرية.
وأسوار السجون لا تمنع الأرواح من التحليق في سماء الوطن، ولا تقيد حرية الفكر، وربما تنطلق ثورة العقول من السجون، تمامًا كما فعل السنوار؛ حيث قاد ثورة عقول، والعقل يمكن أن ينتج آلاف الأفكار، والفكرة يمكن أن تغير الواقع.
قوة القلب والإيمان
وعندما يرتبط العقل الذكي بالإيمان القوي فإنه يفتح المجال أمام الحالمين بالحرية للنصر على القوة الغاشمة؛ لذلك خرج السنوار من السجن في صفقة «وفاء الأحرار» لينفذ خطته الإستراتيجية بإنتاج السلاح في غزة المحاصرة من كل جانب، وليقود رجال المقاومة للقيام بـ«طوفان الأقصى»، وبذلك بدأ المعركة المستمرة مع العدو التي لن تنتهي إلا بتحرير فلسطين.
وكان السنوار القدوة لكل المقاتلين، لذلك كان يقاتل معهم في الصفوف الأمامية، وأثبتت لحظة الشهادة أنه يقاتل بكل ما يملك من سلاح، وأنه يواجه العدو بشجاعة تعيد إلى الخيال ذكريات بطولات فرسان الإسلام، فتثير الأشواق إلى زمن العزة والمجد والكرامة والحرية.
فلتواجه دولة الاحتلال جيل السنوار
لذلك، كانت شهادة السنوار نصرًا، وإن أردت دليلاً فانظر إلى ما يكتبه شباب الأمة على وسائل التواصل الاجتماعي، وستدرك أن الشهادة تغير الواقع، فهناك الملايين يحلمون بخاتمة لحياتهم كتلك التي فاز بها السنوار، لذلك يجب أن تستعد «إسرائيل» لمواجهة جيل يسير على خطاه ويقتدي به ويحلم مثله بتحرير «الأقصى»، لذلك ستكون الشهادة بداية لطوفان الأمة، وسيظهر مليون سنوار جديد يخطط ويفكر ويقاتل ويفوز بالشهادة، وعلى ضوء دماء الشهداء ستسير الأمة نحو المستقبل.
أهم ما يمكن أن نلاحظه مما يكتبه الشباب على وسائل التواصل هو أن الأمة تفخر بالسنوار؛ قائدًا ومخططًا إستراتيجيًا ومفكرًا وأديبًا وخطيبًا، ومعبرًا عن أشواقها للحرية، وشهيداً ظل يقاتل العدو حتى آخر لحظة في حياته، وهذا دليل على أنه ينتمي للحضارة الإسلامية ويرفع رايتها.
كما يمكن أن نلاحظ أن شهادة السنوار شكلت رأياً عاماً إسلامياً غاضباً على الاحتلال والنظم التي خضعت له، وعلى القنوات الفضائية المتصهينة التي تهاجم المقاومة، وهذا الغضب سينفجر، ولا يستطيع أحد أن يتوقع حدود هذا الانفجار ومداه، وربما يندم الاحتلال قريباً لأنه نقل الصورة الأخيرة للسنوار وهو يقاتل برصاصاته وقنابله وعصاه؛ فمن المؤكد أن المشهد سيلهم الأحرار، وعلى ضوئه يمكن أن يقوم شباب الأمة الإسلامية بصياغة أهداف حياتهم.
نظرية الرنتيسي وبناء المستقبل
أعادت شهادة السنوار إلى الأذهان نظرية عبدالعزيز الرنتيسي، الذي حصل على لقب «أسد فلسطين»، وتقوم نظريته على أن كل إنسان سيواجه الموت حتماً، لكن أسباب الموت تختلف، فهناك من يعاني الأمراض، ويتنقل بين المشافي، حتى يمل منه الأحباب، لكن الرنتيسي أعلن أنه يتمنى الموت بـ«الأباتشي»، وهو نوع من الطائرات التي تملكها دولة الاحتلال، وكانت تتجول في غزة؛ فتلقي حممها على الأبرياء، وبالفعل فاز الرنتيسي بالشهادة التي تمناها وأرادها لنفسه، لكن السنوار طور النظرية، فقاتل مع جنوده في كل العقد القتالية، وسجل العدو مشهد استشهاده الذي يشكل شرفاً للأمة الإسلامية كلها.
لكن ماذا لو تحولت تلك النظرية إلى منهج حياة، فأصبح حلم الشباب أن يموتوا بـ«الأباتشي»، أو برصاصات العدو، وهم يقاتلون دفاعاً عن الحرية ليبنوا مستقبل أمتهم.
هذه النظرية يمكن أن تغير العالم؛ فالحالمين بالشهادة يمتلكون قوة القلب والضمير، ولن ترهبهم القوة الغاشمة، وسينطلقون في كل العقد القتالية يحلمون بمشهد أحمد ياسين، والرنتيسي، والسنوار.
والرموز تثير الخيال، وتحفز العقول على الإبداع، لذلك تحولت شهادة السنوار إلى رمز للبطولة والفروسية والعزة والحرية، وسيلهم الرمز كل المقاتلين بالحرية.
لذلك، تحولت شهادة السنوار إلى رمز للإصرار والصمود والمقاومة والتضحية، ففتحت أبواب النصر، والصراع طويل، وسوف يشهد الكثير من المفاجآت، وسيقلد السنوار ملايين الأحرار في العالم، وستشهد العقد القتالية الكثير من الحالمين بالشهادة؛ لذلك ستكون شهادة السنوار بداية مرحلة جديدة في تاريخ الأمة الإسلامية.