أُسِّست المنظمة الصهيونية العالمية عام 1897م في المؤتمر الصهيوني الأول، كان اسمها في البداية «المنظمة الصهيونية» وحسب، ولكن الاسم عُدِّل عام 1960م ليصبح «المنظمة الصهيونية العالمية».
وعُرِّفت المنظمة عند تأسيسها بأنها الإطار التنظيمي الذي يضم كل اليهود الذين يقبلون برنامج بازل ويسددون رسم العضوية (الشيقل)، وقد أنيطت بها مهمة تحقيق الأهداف الصهيونية التي جسدها برنامج بازل وعلى رأسها إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين «يضمنه القانون العام»، وهي عبارة تعني في واقع الأمر «تضمنه القوى الاستعمارية في الغرب».
وكانت المنظمة بمنزلة هيئة رسمية تمثل الحركة الصهيونية في مفاوضاتها مع الدول الاستعمارية الرئيسية آنذاك من أجل استمالة إحداها لتبنِّي المشروع الصهيوني، وكانت إطاراً لتنظيم العلاقة بين الصهاينة الاستيطانيين والصهاينة التوطينيين؛ أي أن تأسيسها كان بداية انتقال النشاط الصهيوني من مرحلة البداية الجنينية التسللية إلى مرحلة العمل المنظم على الصعيد الغربي.
ولتنفيذ مخططها الاستيطاني والتوطيني عملت المنظمة على إنشاء عدد من المؤسسات المالية لتمويل المشروع الصهيوني، كان من أهمها صندوق الائتمان اليهودي للاستعمار، وهو بنك صهيوني تم تأسيسه عام 1899م، وقد أشار سوكولوف إلى أن هذا البنك قد أُسِّس على نمط شركة الهند الشرقية، وشركة خليج هدسون للفراء في كندا، وشركات التعدين في جنوب أفريقيا، وفي عام 1903م، أنشأ الصندوق فرعاً مصرفياً برأسمال قدره 40 ألف جنيه إسترليني، كما أنشأ فروعاً أخرى في هولندا وفرنسا (وقد عُرف فيما بعد باسم «البنك البريطاني الفلسطيني» ثم عُرف بعد ذلك باسم «بنك ليئومي ليسرائيل» منذ عام 1951م.
وفي عام 1901م، أسَّست المنظمة الصندوق القومي اليهودي (كيرين كايميت) بهدف توفير الأموال اللازمة لشراء الأراضي في فلسطين، ونص القانون الأساسي لهذا الصندوق على اعتبار الأراضي التي يشتريها ملكية أبدية للشعب اليهودي لا يجوز بيعها أو التفريط فيها، كما حصلت المنظمة على امتياز مجلة دي فيلت لتكون لسان حال المنظمة.
وقد نمت المنظمة الصهيونية خلال سنواتها الأولى، فمع انعقاد المؤتمر الصهيوني السادس عام 1903م، بلغ عدد الأعضاء المشاركين فيه 600 عضو، وازداد عدد الجمعيات الصهيونية إلى 1572 جمعية موزعة على بلاد مختلفة، وقد وصل الأعضاء عشية الحرب العالمية الثانية (1939م) إلى مليون عضو، وفي عام 1946م، كان عدد دافعي الشيقل 2.159.840 (ولكن يجب مراعاة أن عضوية المنظمة بالنسبة لكثير من الصهاينة لا تتجاوز حرفياً دفع الشيقل، ولا تعني بالضرورة القيام بأي نشاط آخر).
وقد انتقل مركز المنظمة من عاصمة إلى أخرى، فبعد وفاة هرتزل، انتقل مكان وجود رئيس المنظمة من فيينا إلى كولونيا، وهو مقر ديفيد ولفسون في الفترة 1905 – 1911م، ثم إلى برلين في ظل رئاسة أوتو واربورج (1911 – 1920م)، وبعد صدور «وعد بلفور»، انتقل مركز المنظمة إلى لندن: مركز الثقل الإمبريالي في العالم (وكان ذلك يعني الارتباط بالإمبريالية البريطانية وتوقيع العقد الصامت مع الحضارة الغربية)، وظل مركز المنظمة في لندن إبان رئاسة حاييم وايزمان (1920 – 1931م) ثم ناحوم سوكولوف (1931 – 1935م) في عام 1936م، وبعد استقرار المؤسسات الاستيطانية في فلسطين التي وُضعت تحت حكم الانتداب عام 1921م، انتقلت المنظمة إلى القدس وإن ظلت لندن مقر رئيس المنظمة وبعض أعضاء اللجنة التنفيذية.
ولم يخلُ تاريخ المنظمة من الخلافات والصراعات بين التيارات المختلفة وكذلك الانقسامات والانشقاقات، فمنذ المؤتمر الصهيوني الأول (1897م) وحتى عام 1905م تبلورت معارضة الصهاينة العمليين (الاستيطانيين التسلليين) الذين طالبوا بالتركيز على البند الأول من برنامج بازل الخاص بتشجيع حركة الاستيطان في فلسطين، في حين تزعَّم هرتزل تيار الصهاينة الدبلوماسيين (الاستعماريين) الذين ركزوا على تحقيق البند الرابع من البرنامج الصهيوني الخاص بالحصول على «ميثاق» دولي (أي غربي) يتيح الاستيطان اليهودي في فلسطين القائم على القانون وتحت حماية الدول الاستعمارية الكبرى.
ومن الجدير بالذكر أن الخلاف بين الفريقين لم يكن خلافاً مبدئياً أو إستراتيجياً بقدر ما كان خلافاً تكتيكياً يرى التركيز على بند دون الآخر من بنود البرنامج الصهيوني، وبالفعل، تم التوصل في نهاية الأمر إلى صيغة توفيقية تجمع بين الاتجاهين وتتمثل في الصهيونية التوفيقية (أو التركيبية) التي طرحها وايزمان في المؤتمر الصهيوني الثامن (1907م)، وقد نجح الصهاينة الاستيطانيون في إحكام سيطرتهم على المؤسسات الصهيونية كافة خلال المؤتمر الحادي عشر.
عام 1913م ظهرت خلافات عميقة حول إدارة المنظمة، وبرز الجناح الديمقراطي الصهيوني (العصبة الديمقراطية) بقيادة حاييم وايزمان، وليو موتزكين، وفيكتور جيكوبسون، ومارتن بوبر.. وغيرهم من الذين انتقدوا قيادة هرتزل لأنها غير ديمقراطية ولا تكترث بقضية بَعْث الثقافة اليهودية.
وعلى الصعيد نفسه، وجهت المعارضة التي قادها مناحم أوسيشكين من خلال اللجنة الروسية وعَبْر مؤتمرها الذي عقد عام 1903م إنذاراً لهرتزل بالتخلي عن أسلوبه في إدارة المنظمة وبإلغاء مشروع شرق أفريقيا والتركيز على المشاريع الاستيطانية في فلسطين.
وقد شهدت المنظمة انشقاقات مهمة، كان أولها انسحاب إسرائيل زانجويل وأتباعه الصهاينة الإقليميين بعد أن رفض المؤتمر الصهيوني السابع (1905م) مشروع إقامة وطن قومي يهودي في أوغندا وقاموا بتأسيس منظمة مستقلة عُرفت باسم المنظمة الصهيونية الإقليمية.
كما شهدت المنظمة انقساماً آخر عام 1933م حينما انشق غالبية الصهاينة التصحيحيين بزعامة فلاديمير جابوتنسكي عن المنظمة الصهيونية بعد إخفاقهم في حملها على تبنِّي مطلبهم المتمثل في الإعلان بصراحة عن أن الهدف النهائي للحركة هو إقامة الدولة اليهودية، وشكلوا منظمة أخرى تُدعَى «المنظمة الصهيونية الجديدة».
وبالإضافة إلى ذلك، كانت المنظمة منقسمة إلى اتجاهات سياسية متباينة؛ حركة عمال صهيون (وهم الصهيونيون العماليون)، وحركة مزراحي (التي تمثل الصهيونية الإثنية الدينية)، والصهاينة العموميون، كذلك كان هناك تيار الصهيونية الإثنية الثقافية وعلى رأسه آحاد هعام وأنصاره.
ويجب أن نذكر، مرة أخرى، أن هذا الانقسام أو هذه الانشقاقات كانت تتم داخل إطار من الوحدة والالتزام المبدئي، ولذلك، نجد أن الإقليميين والتصحيحيين عادوا إلى حظيرة المنظمة بعد بضع سنوات، كما أن أتباع المزراحي الذين انشقوا عام 1901م تحت زعامة الحاخام إسحق راينس وأسسوا حركة مزراحي ظلوا يعملون داخل إطار المنظمة مع أعضاء عمال صهيون الماركسيين والصهاينة العموميين ذوي الاتجاهات الليبرالية.
_______________________
المصدر: من موسوعة اليهود واليهودية.