شهر رمضان المبارك هو شهر تمثُّل “وحدة الأمة وتماسكها وائتلافها”، “شيوع المحبة وتعزيز الأخوة بين المؤمنين” أهم مقاصد ومعاني هذا الشهر الكريم؛ فإن واقع الأمة غير ذلك
على الرغم من أن تماماً، حيث إن هذا الشهر الكريم يمر على الأمة وهي في أسوأ أحوالها من حيث التشرذم والاختلاف والتقاتل وشيوع روح العداء وغياب معاني الوحدة واستحلال دماء المسلمين دون أي اعتبار لها، في مشارق الأرض ومغاربها؛ من سورية إلى مصر إلى العراق والصومال.
إن الخلافات والاقتتال العشوائي المدمر الحادث في واقع الأمة والذي يدمر طاقاتها ويهدر مواردها إنما هو نتاج أزمات فكرية وعشوائية معرفية؛ فهي حروب في العقول قبل أن تكون حروباً على أرض الواقع، فما التصرفات الشاذة في واقع المسلمين اليوم إلا لتصورات شاذة كذلك في أفكارهم، وما الاقتتال الحادث واستباحة سفك الدماء إلا لأفكار قاتلة ودموية في رؤوس البعض، وإن عدم إدراك كيفية الجمع بين التعددية والوحدة، والاختلاف في الوسائل والمواقف والتوحد والاصطفاف في المقاصد والمصير والمستقبل إلا لفقر حقيقي في خيال وأفكار ورؤى الكثيرين؛ مما يستوجب العمل نحو إعادة رسم خريطة وأهداف ومتطلبات هذه الأمة، يقوم على إعدادها نخبة الرأي والفقه والعلم فيها، ويواصلون الحوار البنَّاء الصادق المعمق، بعيداً عن ابتزازات الواقع وإكراهاته التي لو تمت الاستجابة لها لكان ذلك كفيلاً بحرق ما تبقى من الأخضر واليابس.
وحرصاً على استعادة تماسك ووحدة أطياف الأمة وطوائفها، وحثاً على بناء جسور التواصل وتعزيز أواصر الثقة بين العقلاء من أبناء هذه الأمة من العلماء والمفكرين وأهل الرأي فيها؛ قامت رئاسة الشؤون الدينية بالجمهورية التركية بالعمل على تأسيس مبادرة عالمية “مبادرة علماء العالم الإسلامي إلى تبني السلم والاعتدال والحس السليم”، تشتمل على المرجعيات الدينية والعلمية والفكرية في العالم الإسلامي من مختلف الطوائف والتوجهات؛ وذلك بغرض الوصول إلى رؤى مشتركة، وتعزيز قواعد لإدارة الاختلاف، والحفاظ على الوفاق رغم التعددية والاختلاف، والحفاظ على إشاعة روح الوئام والسلام، والمشاركة بجهد واثق وصادق وحثيث “جماعي” في إطفاء حرائق الأمة وتضميد جراحها الملتهبة في كل أرجائها، والتي يئن منها جسد الأمة المتفرق المتشرذم نحو إعادة بناء قوامه ليكون “كالبنيان المرصوص” يشد بعضه بعضاً؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
إن هذه المبادرة التي تسعى رئاسة الشؤون الدينية بالجمهورية التركية لتأسيسها وتدعيمها وجمع العلماء والمرجعيات من كل أنحاء العالم الإسلامي والأمة المسلمة حولها، إنما تمثل أهمية فائقة من حيث موضوعها، وتعبر عن حاجة ملحة من حيث أوضاع الأمة الملتهبة، وهو مطلب إيماني وضرورة إنسانية، فالاعتصام ووحدة نظام الأمة وعدم التنازع إنما هو مطلب إيماني أُمرنا به كمسلمين من قبل الله سبحانه وتعالى؛ وهو في الوقت ذاته مطلب إنساني أجمع عليه العقلاء من كل أنحاء العالم؛ حيث لا تستقيم الحياة بدونه؛ مما يستدعي هذا العمل التحرك بخطى حثيثة نحو بناء منظومة الصلح والمصالحة والتحكيم المنصف، وتأسيس ميزان التوازنات المطلوبة، وميزان التنازلات المتبادلة غير المجحفة، وإقامة التسويات العاجلة، وإنجاز الوساطات الدقيقة والمحترفة.
وتقديراً لهذه المهام المقدسة والإنسانية، تعتزم رئاسة الشؤون الدينية في الجمهورية التركية عقد اجتماع في إسطنبول خلال الفترة الواقعة بين السابع عشر والتاسع عشر من شهر يوليو (17 – 19 يوليو 2014م)، يشارك فيه ممثلو المؤسسات والمنظمات الدينية في مناطق النزاع وكافة علماء الأمة الإسلامية وسادتها العقلاء في هذا الشهر الفضيل؛ للحث بأعلى صوت على ضرورة التزام الهدوء والاطمئنان على أسس وأخلاقيات وحقوق التعايش المشترك، وسوف يكون لاجتماع يوم السابع عشر من يوليو دور أساسي ومركزي في تقوية وبناء أسس هذه الأهداف، وتحقيق دعائم تأسيس واستمرارية هذه المبادرة؛ لتكون مبادرة فعالة للحل الديني والأخلاقي الدائم للقضايا التي تعيشها مناطق الصراعات ولاسيما في العراق وسورية.
يفتتح الاجتماع الأول للمبادرة السيد رئيس وزراء الجمهورية التركية السيد “رجب طيب أردوغان”؛ ويتخلل البرنامج جلسات الحوار والنقاش ولقاءات بالسيد رئيس الجمهورية التركية السيد “عبدالله جول”؛ والسيد وزير الخارجية البروفيسور “أحمد داود أغلو”.