المتمعن في الساحة اليوم يجد أن نفرًا من الناس يتصدرون المشهد العام، ويسيطرون على المنابر الإعلامية، وخطابهم استفزازي إقصائي للمخالفين لآرائهم وأهوائهم وشهواتهم، متشدقين بضرورة فصل الدين عن الحياة باعتبار أن تجربة الغرب الحضارية خير دليل على صحة هذه ا
المتمعن في الساحة اليوم يجد أن نفرًا من الناس يتصدرون المشهد العام، ويسيطرون على المنابر الإعلامية، وخطابهم استفزازي إقصائي للمخالفين لآرائهم وأهوائهم وشهواتهم، متشدقين بضرورة فصل الدين عن الحياة باعتبار أن تجربة الغرب الحضارية خير دليل على صحة هذه الرؤية القاصرة.
وهؤلاء يرون الأشياء مقلوبة، كأن يرى أحدهم مثلًا مسألة شرب الخمر من الأمور التي يشدد فيها العلماء ويحجرون فيها على الحرية الشخصية، بل تراه يرى أن مثل هذه الأطروحات تؤثر على اقتصاد البلاد، وأن مثل هذه الآراء قد طواها الزمن وعلاها الغبار.. هؤلاء المفلسون موجودون في كل مجتمع من مجتمعاتنا.
وقد صدق المصطفى “صلى الله عليه وسلم” عندما قال: «سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يُصدَّق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة» قيل وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: «الرجل التافه يتكلم في أمر العامة».
أصحاب الأهواء دائمًا يمكرون بالليل والنهار من أجل إشباع بطونهم وفروجهم، لا يعنيهم الناس، ولا يتلمسون احتياجاتهم، ولا يفكرون في مشاكلهم، ولا ينظرون إلى من هو أدنى منهم، نظرتهم دائما قاصرة على من يحيط بهم أو من ينفعهم أو ينتفع منهم.. ولكن الله دائمًا يفضحهم ويخزيهم ويثبت لدى الناس فساد منطقهم وبطلان منهجهم.
هؤلاء يبغونها عوجًا في نفوسنا وبيوتنا ومجتمعاتنا وأمتنا، حتى نسير بلا منهج أو طريق، ونكون غثاء كغثاء السيل.. لا فائدة ولا هدف في الحياة، نعيش كالأنعام.. لنا قلوب لا نفقه بها، ولنا أعين لا نبصر بها، ولنا آذان لا نسمع بها.
ينتسبون إلى الإسلام ويتكلمون بألسنتنا، ويعيشون معنا، ومع ذلك نجد أن همهم الأول ألا يروا للإسلام راية، يرون أن «الدين لله والوطن للجميع»، و«نحن أعلم بأمور دنيانا»، دائمًا يقولون «إن الحكم إلا لنا».. معاذ الله.
وهم متخوفون من إغلاق المواخير والخمارات، ومتوجسون من القضاء على بيوت العهر والبغاء، ولا يخافون من الله وهو معهم، مطلع عليهم، وكأنهم يعلمون لأول مرة أن هذه من المحرمات، وأنها تسهم في التفسخ الأخلاقي للمجتمعات والانحدار نحو الهاوية.
لا يعلمون أن الإسلام جاء لإخراج البشر من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، جاء ليؤلف بين القلوب ويقرب بين العقول، جاء لينشر العدل والخير والفضيلة بين الناس، ولعل الأمم السابقة خير شاهد على تطور ورقي المجتمعات التي ساسها المسلمون بالحكمة والموعظة الحسنة.
وبالرغم من أن الإسلام عاش في غربة قد طالت منذ سقوط الخلافة العثمانية، فإنها توشك أن تنتهي ويعود الأصل لأصحابه الربانيين المتطهرين المتوضئين ليقودوا دفة السفينة بروح العدل والفضيلة والخير والإحسان.