مازالت حكومات وشعوب الدول المصدر للنفط لاسيما في منطقة الخليج ودولة الكويت على وجه الخصوص في حالة من الترقب المشوب بالحذر انتظارا لما ستسفر عنه الأيام المقبلة من تحسن تدريجي في أسعار النفط أو استمرار انهياره في وقت يصعب فيه على خبراء الاقتصاد ودوائر
مازالت حكومات وشعوب الدول المصدر للنفط لاسيما في منطقة الخليج ودولة الكويت على وجه الخصوص في حالة من الترقب المشوب بالحذر انتظارا لما ستسفر عنه الأيام المقبلة من تحسن تدريجي في أسعار النفط أو استمرار انهياره في وقت يصعب فيه على خبراء الاقتصاد ودوائر المال والأعمال التنبؤ بوضع الذهب الأسود مستقبلا.
وتخشى حكومة الكويت بصورة خاصة استمرار انهيار الأسعار لاسيما وأنها تعتمد على عائدات النفط بنسبة 98% كمورد أساسي لموازنتها العامة ولا تتطلع للاعتماد بصورة أساسية على صناديقها السيادية لحل هذه الأزمة التي ربما تطول لسنوات لاسيما مع زيادة المعروض النفطي من الدول غير الأعضاء في أوبك وتنامي إنتاج النفط الصخري للولايات المتحدة.
وفي هذا الشأن، تعقد اليوم السلطتان التشريعية والتنفيذية اجتماعا موسعا بمجلس الأمة (البرلمان) لمناقشة تداعيات انخفاض أسعار النفط والإجراءات التي ستتخذها الحكومة لمواجهة هذه الأزمة.
وحسب وسائل إعلام وصحف كويتية، فإن الحكومة تسعى من خلال اجتماع لإقناع النواب بمنحها الضوء الأخضر لفرض ضرائب إضافية على الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين والقيام بإجراءات لرفع الدعم عن المحروقات والسلع الاستهلاكية والخروج باتفاق يقضي بعدم تقديم أي قوانين ذات كلفة مالية خلال دور الانعقاد الحالي وعدم مطالبة الحكومة بأي أعباء مالية أو إثارة مواضيع من هذا القبيل في التصريحات النيابية من شأنها أن تثير غضب الشارع ضد الحكومة.
وأضافت أن الحكومة في إطار خطتها التقشفية ستقترح تأجيل البديل الاستراتيجي للرواتب وبدلات العسكريين وزيادة علاوة الأولاد وبدل الإيجار إلى أجل غير مسمى.
وتتطلع حكومة الكويت إلى تخفيض ميزانية بعض الجهات المستقلة والملحقة لتوفير ما يزيد عن 300 مليون دينار من هذه الموازنات. وترغب الحكومة في مراجعة كافة ميزانيات الوزارات ووضع تقدير حقيقي للمصروفات وخفض هذه الميزانيات إلى أدنى حد ممكن بحيث لا تزيد موازنة الدولة العامة عن 19 مليار دينار في المرحلة الأولى على أن يتواصل خفض هذه الموازنات لمراحل تالية للوصول بالموازنة العامة إلى أقل من 18 مليار دينار. وكانت الحكومة قد أبلغت لجنة الميزانيات البرلمانية أنها تريد خفض الموازنة العامة للدولة التي ارتفعت إلى نحو 25 ملياراً إلى 19 ملياراً من أجل الحفاظ على تماسك الموازنة العامة بحيث لا تتأثر كثيرا بانخفاض أسعار النفط ولا يؤدي ذلك إلى تعطيل المشاريع التنموية.
وعلاوة على الضغوط التي تعانيها الكويت بسبب أزمة تراجع النفط ومحاولاتها الحثيثة عدم المساس بالمواطنين ضمن إجراءاتها التقشفية، تواجه الحكومة الكويتية ضغوطا أخرى تتعلق بانخفاض إنتاجها اليومي من النفط بسبب المشكلات مع الجانب السعودي في حقل “الوفرة” الحدودي الذي ينتج 200 ألف برميل يوميا واتجاه الكويت لإغلاقه مع مطلع العام الجاري شأنه في ذلك شأن حقل “الخفجي”.
واستبعد الخبير النفطي الكويتي حجاج بوخضور في تصريح لصحيفة “الحياة”، إغلاق حقل الوفرة الحدودي، بسبب العلاقات القوية التي تحكم البلدين، مشيراً إلى أن الطرفين يمتلكان إمكانات فنية وقدرات إنتاج نفطية واتفاقات مع شركات عالمية، ونهج إداري معين خاص بهما، وهذا ينطبق على الكويت، التي لديها أيضاً قدرات وإمكانات قد تقل عن السعودية، بيد أن هناك حقائق فنية تحكم أي قرار يؤدي إلى اتفاق، وهي مرتبطة بجوانب وإمكانات الطرفين اللذين قد يتفقان أو يختلفان.
وأكد أنه في حال إغلاق حقل الوفرة، فإن ذلك لن يؤدي إلى حدوث إشكال بين الطرفين، إضافة إلى أن توقف الإنتاج من الحقل لن يؤثر في الطرفين، حتى لو استمر عامين، مضيفا أن حصة الكويت من الحقل لا تتجاوز 100 ألف برميل، ولن يؤثر هذا على الكويت وقد تلجأ إلى تعويضها من حقول أخرى.
وألمح إلى تدخل بعض الأطراف والنقابات الكويتية لافتعال “أزمة” بين البلدين، وهو ما حدث في حقل الخفجي حيث قامت بعض الأطراف من الجانبين بتسريب بعض الوثائق والخطابات لوسائل إعلام بهدف افتعال “أزمة”، وهو ما حدث بالضبط في قضية إغلاق حقل الخفجي.
وكشف بوخضور أن إغلاق حقل الخفجي عائد إلى أسباب “بيئية” و”إدارية” و”فنية” و”تشغيلية”، ملمحاً إلى ضغوط كبيرة تمارس لتغيير الهيكل الإداري في لجنة العمليات المشتركة، وهناك أنباء ترددت عن تغيير رئيس الشركة المسئولة، فيما اتهم بعض وكلاء الشركات النفطية بالضغط على الصحافة، لنشر مثل هذه الأخبار لخدمة مصالحهم الخاصة.
من جانبه، أكد الخبير النفطي سداد الحسيني، أن الطاقة الإنتاجية لحقل الوفرة تبلغ 200 ألف برميل، وأن منشآته قديمة، ونوعية النفط التي ينتجها الحقل من النوع الثقيل، وهو مشابه لمادة “الأسفلت”، ولا يحقق عائدات مالية كبيرة، وفي حال خفض الإنتاج سيتم إيقاف هذا النوع من النفط، إضافة إلى أن عملية إنتاجه “شاقة” وتختلف عن الأنواع الأخرى، وفي حال الإغلاق سيكون بالتأكيد بالتنسيق بين الجانبين، لوجود عمالة من الطرفين.
وأوضح أن إنتاج النفط من حقلي الخفجي والوفرة، يبلغ تقريباً نصف مليون برميل، ويتقاسمها الطرفان السعودي والكويتي، وفي حال أُغلق الحقل يستطيع الطرفان، زيادة إنتاجهما من حقول أخرى، لتعويض النقص، إضافة إلى أن الآن موسم الشتاء، ويقل فيه استهلاك النفط في هذه الفترة.
وكانت وسائل إعلام نقلاً عن مصادر نفطية قالت إن الجانب الكويتي يتجه لإغلاق حقل الوفرة بحلول يناير المقبل، إذا لم يتم حل أزمة الخفجي، مشيرة إلى أن الاتصالات بين الطرفين وصلت إلى طريق “مسدود”. وأشارت إلى أن وقف الإنتاج من منطقة الوفرة المشتركة، من شأنه أن يخفض الإنتاج النفطي الكويتي بنحو 230 إلى 240 ألف برميل يومياً من الوفرة وحقل الخفجي المتوقف عن الإنتاج منذ أكثر من شهر، ما يؤدي إلى خسارة موارد مهمّة للخزانة العامة في توقيت حرج، انخفضت معه أسعار النفط إلى ما دون 70 دولاراً للبرميل. وأشارت إلى أن القمة الخليجية في الدوحة، والتي ستعقد خلال الفترة المقبلة ستكون فرصة للوصول إلى حل ودّي للخلاف بين البلدين.
ورغم كل هذه الضغوط مازالت الكويت تواصل إنتاجها بكل قوة بعد اتفاق في منظمة أوبك على عدم المساس بالطاقة الإنتاجية للدول الأعضاء وهو ما خالف كافة التوقعات التي كانت منتظرة من اجتماعها الأخير بخفض الإنتاج أملا في الحد من هذا النزيف المتواصل لسوق النفط ومع زيادة المعروض.
وبينما يرى فريق من المراقبين أن الأزمة اقتصادية خالصة، يراها آخرون سياسية مفتعلة بامتياز لاسيما وأن القرار السعودي ينطوي على دافع سياسي هدفه الضغط الاقتصادي على روسيا وإيران بهدف تغيير مواقفهما السياسية إزاء الأزمات في سوريا والعراق وأوكرانيا. ولا يقتنع هؤلاء بالتبرير السعودي القائل بأن مزيد من التخفيض في السعر سيدفع منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة إلى التوقف عن الإنتاج بسبب تكاليف الاستخراج العالية التي تزيد عن 60 دولاراً للبرميل الواحد، في حين تبلغ تكلفة إنتاج البرميل غير الصخري في الخليج والعراق ثلث هذا المبلغ أو أقل. ومع هذا التوقف سيقل العرض وترتفع الأسعار مجدداً.
وسبق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن صرح مؤخراً بأن هبوط أسعار النفط العالمية الذي يلحق الضرر باقتصاد بلاده، يرجع في جانب منه إلى ألاعيب سياسية دون أن يسمي بلدان بعينها. وتحتاج روسيا وإيران إلى سعر نفط لا يقل عن 100 دولار للبرميل الواحد من أجل الحفاظ على الانتعاش الاقتصادي.
أما السعودية والكويت والدول الخليجية النفطية الأخرى فيمكنها تعويض خسائر تراجع الإيرادات النفطية بالاعتماد على الاحتياطات المالية الضخمة التي راكمتها خلال طفرة ارتفاع الأسعار. غير أن هذه الاحتياطات لن تكون كافية على مدى سنوات إذا أخذنا بعين الاعتبار احتياجات موازناتها المتزايدة للإنفاق على الخدمات الأساسية والبنية التحتية.
ويرى مؤيدو الرأي القائل بأن هذه الأزمة اقتصادية خالصة أن مهما يكن دور السياسة في خفض سعر النفط، فإن التراجع الحالي لا يعود إلى خلفيات سياسية فقط، بل يعود أيضاً إلى عوامل أخرى لا تقل أهمية من أبرزها ضعف الطلب بسبب تراجع معدلات النمو وركود الاقتصاد العالمي، لاسيما في بلدان رئيسية مستهلكة مثل ألمانيا واليابان والصين.
ويعود التراجع كذلك إلى زيادة العرض في السوق من قبل الولايات المتحدة التي يزداد إنتاجها من النفط الصخري بشكل يؤهلها إلى احتلال مرتبة الصدارة بين الدول المنتجة بحلول عام 2017. وبحلول عام 2020 يتوقع وصول إنتاجها إلى أكثر من 11 مليون برميل يومياً.
علاوة على ذلك فإن دولاً منتجة كالعراق تضخ حالياً حوالي 3 ملايين برميل يومياً بدلاً من 1.5 مليون برميل قبل سنوات قليلة. ومن المحتمل ارتفاع صادرات العراق من 2.5 إلى 5 ملايين برميل يومياً في غضون سنوات قليلة بعد التوصل إلى الاتفاق النفطي بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان. كما أن هناك فرصة لليبيا من أجل ضخ مزيد من النفط بعد تحسن الوضع الأمني في منطقة إنتاجه ونقله.
وبناء على المعطيات السابقة واحتمالات التوصل اتفاق بين إيران والغرب من شأنه ضخ المزيد من النفط الإيراني في الأسواق، تبدو الأسواق النفطية مقبلة على مزيد من التخمة في العرض، وبالتالي على مزيد من التذبذب في الأسعار والضغط عليها.
أما الدول المنتجة التي تعتمد على الصادرات النفطية في موازناتها بنسبة 40 بالمائة وما فوق فليس أمامها إزاء ذلك سوى المبادرة بأسرع ما يمكن لتنويع اقتصادياتها وتوفير إيرادات بديلة عن الريع النفطي الذي شجع على إشاعة ثقافة استهلاكية تعتمد على الاستيراد، وخاصة دول الخليج العربي لاسيما الكويت التي تعتمد على النفط بنسبة 98% كأحد موارد موازنتها.
يشار إلى أن الارتفاع الكبير لسعر صرف الدولار في مقابل العملات الأخرى خلال هذا العام عوض الدول المنتجة للنفط جزئياً عن تراجع سعر النفط، فيما تُعتبَر الوفرة والفوائض المالية التي حققتها دول الخليج أثناء فترة ارتفاع أسعار النفط، خصوصاً السعودية والإمارات وقطر والكويت، كافية لدعم اقتصادها خلال فترة زمنية لا تقل عن ثلاث سنوات، فهذه الدول ستستمر في تنفيذ مشاريعها الحالية والمستقبلية، علماً بأن الإنفاق الحكومي الخليجي سواء الرأسمالي أو الجاري، وصل إلى مستويات غير مسبوقة هذا العام والأعوام الماضية.
وذكر محللون، بحسب استطلاع نشرته “رويترز” مؤخرا، إن البلدان المصدرة لمواد الطاقة التي كدست مليارات الدولارات من الأرباح المفاجئة في صناديق الاستثمار السيادية قد تضطر إلى السحب منها مع تراجع عائدات تصدير النفط، الأمر الذي قد يحدث هزة قوية في أسواق الأسهم والسندات والعقارات في أنحاء العالم.
وصناديق الثروة السيادية التي تستند إلى عائدات تصدير النفط فاعل رئيسي في التمويل الدولي، إذ تحتفظ بما يزيد على 5 تريليونات دولار من الموجودات، وفقا لتقديرات ديفيد سبيجل، خبير الأسواق الناشئة في بنك (بي.إن.بي باريبا) الفرنسي.
وأموال هذه الصناديق مقسمة في العادة إلى سلال مختلفة يخدم كل منها وظيفة معينة، وتساعد على تعزيز الإنفاق الحكومي في أوقات هبوط عائدات الصادرات أو إدارة الأرباح المفاجئة على مدى عقود من أجل الأجيال القادمة.
ومع تأرجح أسعار نفط برنت الخام حول 70 دولارا للبرميل، وهو ما يقل كثيرا في الوقت الحالي عن مستوى التعادل على صعيد المالية العامة في كثير من البلدان الرئيسية المصدرة لمنتجات الطاقة، ومنها روسيا ونيجيريا – ذلك المستوى الذي يكفل تحقيق توازن الميزانية – فإن كثيرا من الصناديق بدأت بالفعل استخدام مكوناتها الخاصة بتحقيق الاستقرار.
وقال سبيجل إن صناديق الثروة السيادية “تستثمر أيضا في أسواق الأسهم إلى حد ما”، وأشار إلى أن نيجيريا وكازاخستان والكويت وإيران أمثلة للبلدان التي تساعد فيها هذه الصناديق الخزينة العامة للدولة في أوقات الحاجة.
وأسوأ السيناريوهات المحتملة للبلدان المنتجة للنفط مع استمرار تراجع أسعار النفط لفترة طويلة هو احتمال أن تضطر الحكومات إلى استخدام الصناديق التي تدار من أجل الأجيال القادمة.
ويتضمن هذا النوع من الصناديق السيادية في الغالب المزيد من الأدوات الاستثمارية طويلة الأجل والأقل سيولة مثل العقارات. وشارك المستثمرون السياديون في بعض من أكبر صفقات العقارات والبنية التحتية هذا العام.
وقد يؤدي أي انسحاب محتمل لصناديق الثروة السيادية إلى إلحاق أضرار بقيم العقارات التجارية في بعض من أكبر مدن العالم.
وفي لندن على سبيل المثال، تملك صناديق سيادية مثل جهاز قطر للاستثمار، بعضا من أبرز المباني التجارية في لندن ومنها متاجر هارودز.
من جهته، قال ماسيميليانو كاستيلي، رئيس الاستراتيجية في الأسواق السيادية العالمية في مؤسسة يو.بي.إس، إن تأثير صناديق الاستقرار على الأسواق قد لا يظهر قبل مرور بعض الوقت.
وقد تنتعش أسعار النفط وحتى إذا لم تتعاف فإن الكثير من البلدان المصدرة للنفط، ولاسيما في الشرق الأوسط، اتبعت سياسات تتسم بالحذر بما يكفي لتحمل انخفاض أسعار النفط عاما على الأقل.
وقال كاستيلي إن “أغلبية بلدان الشرق الأوسط انتهجت سياسات حكيمة للغاية وتحتفظ بمقادير كبيرة من الاحتياطات التي تمكنها من الصمود عاما أو عامين في وجه الأسعار المنخفضة للنفط بين 60 و70 دولارا”.