مازال الحطام الذي خلّفه العدوان “الإسرائيلي” الأخير على قطاع غزة ماثلاً أمام أعين الفلسطينيين يذكرهم بقسوة آثاره ومرارته، فما من حي في قطاع غزة الفلسطيني المحاصر، إلا وتتراكم في طرقاته مخلّفات العدوان الذي تُصادف اليوم ذكراه الأولى.
ففي السابع من يوليو 2014م، شنت “إسرائيل” حرباً على قطاع غزة، أسمتها “الجرف الصامد”، انتهت في 26 أغسطس 2014م، فيما أطلقت عليها حركة “حماس”، التي تدير القطاع “العصف المأكول”.
وعلى مدار 51 يوماً تعرض قطاع غزة، الذي يُعرف بأنه أكثر المناطق كثافة للسكان في العالم، لعدوان عسكري “إسرائيلي” جوي وبري، تسبب في مقتل 2147 فلسطينياً، بينهم 578 طفلاً، و489 امرأة، و102 مسنٍ، فيما جُرح 11 ألفاً، بينهم 1000 يعانون إعاقة دائمة، بحسب تقرير لوزارة الصحة الفلسطينية، كذلك ارتكبت “إسرائيل” مجازر بحق 144 عائلة، قُتل منها ثلاثة أفراد أو أكثر.
وفي المقابل، كشفت بيانات رسمية “إسرائيلية” عن مقتل 68 عسكرياً من جنود جيش الاحتلال، و4 مدنيين، إضافة إلى عامل أجنبي واحد، وإصابة 2522 “إسرائيلياً” بجروح، بينهم 740 عسكرياً، أصبح نصفهم تقريباً معاقين، حسب بيانات عبرية نشرت الأسبوع الماضي.
وخلال الحرب، أعلنت كتائب “عز الدين القسام”، الجناح العسكري لحركة “حماس” في 20 يوليو 2014م، أسر الجندي “الإسرائيلي” شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري للجيش “الإسرائيلي” شرقي مدينة غزة. وبعد يومين، اعترف الجيش الإسرائيلي بفقدان آرون، لكنه رجح مقتله في المعارك مع مقاتلي “حماس”.
وتتهم “إسرائيل” حركة “حماس” باحتجاز جثة ضابط آخر يدعى هدار جولدن قُتل في اشتباك مسلح شرقي مدينة رفح الفلسطينية يوم 1 أغسطس 2014م، وهو ما لم تؤكده الحركة أو تنفه.
ومؤخراً، نشرت الصحف “الإسرائيلية” تقارير حول إمكانية وجود أسرى أحياء لدى حركة “حماس”، التي تلتزم الصمت.
خسائر العدوان
وشنت القوات “الإسرائيلية” قرابة 60 ألفاً و664 غارة على القطاع، جواً وبراً وبحراً، وحسب إحصائية، أعدتها وزارة الأشغال الفلسطينية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، فإن عدد الوحدات السكنية المهدمة كلياً بلغت 12 ألف وحدة، فيما بلغ عدد المهدمة جزئياً 160 ألف وحدة، منها 6600 وحدة غير صالحة للسكن.
ووفق بيانات للأمم المتحدة، فإن مراكز الإيواء التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) استطاعت استيعاب 300 ألف نازح، في أكثر من 91 مدرسة، ومنشأة تابعة للمنظمة الأممية.
ومازال نحو 22 ألف فلسطيني مشردين، حتى اللحظة في مراكز الإيواء والمساكن المؤقتة، أو لدى عائلاتهم الممتدة وفق إحصائيات وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية.
ووزعت وزارة الأشغال ومؤسسات خيرية عربية ودولية “منازل متنقلة” للمتضررين بفعل العدوان الأخير.
وتقول لجنة الإيواء في الوزارة: عدد الوحدات السكنية المؤقتة (الكرفانات) التي يقطنها أصحاب البيوت المدمرة بلغ نحو 600 منزل متنقل، يعيش سكانها في ظروف غاية في القسوة.
وبحسب إحصائيات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإن الهجوم تسبب بالتدمير الكلي لـ22 مدرسة بالإضافة إلى تضرر 118 مدرسة أخرى.
وخلال 51 يوماً من الحرب، قدّرت وزارة الاقتصاد الفلسطينية الخسائر الإجمالية المباشرة وغير المباشرة، في المباني والبنية التحتية، وخسائر الاقتصاد الوطني في قطاع غزة بكافة قطاعاته بـ5 مليارات دولار تقريباً.
ولحق الضرر 500 منشأة اقتصادية من المنشآت الكبيرة والإستراتيجية، والمتوسطة والصغيرة، ووفق وزارة الزراعة، فإن الحرب، تسببت في خسائر بالقطاع الزراعي، وصلت 550 مليون دولار.
وتقول وزارة الأوقاف: إن “إسرائيل” دمرت خلال العدوان 64 مسجداً بشكل كلي، إضافة إلى تضرر 150 مسجداً بشكل جزئي.
واستهدفت الطائرات “الإسرائيلية” أكثر من 20 مستشفى ومركزاً صحياً، بحسب وزارة الصحة.
ووفق نقابة الصيادين، فإن نحو 4 آلاف صياد، يعيلون أكثر من 50 ألف نسمة، تعرضوا لخسائر فادحة طيلة العدوان، تجاوزت 6 ملايين دولار.
وتسببت الحرب في رفع عدد العاطلين عن العمل إلى قرابة 200 ألف عامل، يعيلون نحو 900 ألف نسمة، وفق بيان لاتحاد العمال الفلسطينيين.
وفي 22 مايو الماضي، أصدر البنك الدولي، بياناً قال فيه: إنّ معدل البطالة في قطاع غزة وصل 43%، وهو الأعلى في العالم، وأن نحو 80% من سكان القطاع يحصلون على إعانة اجتماعية، ولا يزال 40% منهم يقبعون تحت خط الفقر.
وقف إطلاق النار
وفي 26 أغسطس 2014م، توصلت “إسرائيل” والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، برعاية مصرية، إلى هدنة أنهت حرب الـ51 يوماً، وتضمنت بنود الهدنة استئناف المفاوضات الفلسطينية “الإسرائيلية” غير المباشرة في غضون شهر واحد من بدء سريان وقف إطلاق النار.
وتوافق الجانبان الفلسطيني و”الإسرائيلي”، في 23 سبتمبر من العام نفسه، على عقد مفاوضات غير مباشرة، بوساطة مصرية؛ بهدف تثبيت التهدئة، ولم يتم تحديد موعد جديد لاستئناف تلك المفاوضات حتى الساعة، حسب وكالة “الأناضول”.
ومنذ إعلان “إسرائيل” وقف إطلاق النار مع الفصائل الفلسطينية بقطاع غزة جرى تسجيل حوادث فردية لسقوط قذائف صاروخية على جنوبي “إسرائيل”، تبنت إطلاقها جماعة غير معروفة، يُعتقد أنها تتبني الفكر السلفي الجهادي، وتطلق على نفسها اسم “سرية عمر حديد”، وهو ما رد عليه الجيش بقصف مواقع لحركة “حماس”، كونها الجهة المسؤولة عن القطاع.
عراقيل إعادة الإعمار
وبعد عام من الحرب، لم يبدأ الإعمار الفعلي لما خلفته الحرب، بسبب العراقيل التي تضعها “إسرائيل” في وجه إدخال مواد البناء.
وقد تعهدت دول عربية وغربية في أكتوبر الماضي بتقديم نحو 5.4 مليار دولار، نصفها تقريباً جرى تخصيصه لإعمار غزة، فيما خصص النصف الآخر لتلبية بعض احتياجات الفلسطينيين، غير أن إعمار القطاع، وترميم آثار ما خلّفه العدوان، يسير بوتيرة بطيئة جداً عبر مشاريع خارجية بينها أممية، وأخرى قطرية.
وفي الرابع والعشرين من يونيو الماضي أعلن مفيد الحساينة، وزير الأشغال العامة والإسكان الفلسطيني، انطلاق مرحلة إعمار المنازل المدمرة كلياً بفعل الحرب، عقب التوصل مع السلطات “الإسرائيلية” إلى اتفاق لإدخال مواد البناء لإعمار المنازل المدمّرة ولمن يرغب بالبناء، بإشراف من فريق المراقبين الدوليين لمراقبة توزيع مواد البناء التابع للأمم المتحدة.
وأوضح خلال مؤتمر صحفي أن تلك الاتفاقية تفتح المجال لأصحاب المنازل المهدمة كلياً، أو للأشخاص الذين يرغبون بإنشاء بناء جديد، أو إضافة طوابق جديدة، بتملك مواد البناء اللازمة للقيام بأعمالهم.
وبعد عام من الحرب، نشرت صحف “إسرائيلية” وعربية أنباء عن وساطة دولية بين “حماس” و”إسرائيل” بشأن تهدئة طويلة الأمد في قطاع غزة.
وكان إسماعيل هنية، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، قال في تصريحات له في شهر مارس الماضي: إن حركته لا تعارض مقترح “الهدنة مع إسرائيل”، شريطة ألا يؤدي ذلك إلى تفرّد “إسرائيل” بالضفة الغربية.