أنا:
لقد سُمي العيد عيداً؛ لأنه يعود كل سنة بفرح متجدد، وكثيراً ما يحدث في الأسرة – وهو أمر متفهم – أن تُجدد في يوم العيد بعض الهموم والأحزان على الجانب الأسري أو جانب الأمّة.
حينما يأتي العيد يتذكر المرء يا زوجتي مَن رحلوا من الأحباب والأهل والرحم فتحل الدمعة مكان البسمة! وتلاحقنا مشكلات المسلمين في كل ركن فيحل الهمّ مكان الفرح.
والمعادلة صعبة وإن كانت ممكنة، معادلة تجمع الطرفين، فيظهر السرور، ويخفى الحزن، وإن كان موجوداً، أرجو أن تصفحي عني أعياداً ما استطعت إخفاء ما يشغل القلب.. الآن أعدك أن أفرح لتفرحي!
معنى العيد
فعيد الفطر في معناه الشرعي شكر الله على تمام عبادة الصيام؛ { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ “185”} (البقرة)، وفي معناه الإنساني التوسعة على الأهل والفقراء.
ولعل ذلك يفهم من حديث أبي سعيد الخدري «أن النبي “صلى الله عليه وسلم” نهى عن صيام يومين، يوم الفطر ويوم النحر» (رواه البخاري)، وأخرج مسلم في صحيحه قول رسول اللّه “صلى الله عليه وسلم”: «أيام التشريق أيام أكل وشرب»، وزاد في طريق آخر: «وذكر اللّه»، وعن زيد بن خالد الجهني، قال: أمر رسول اللّه “صلى الله عليه وسلم” رجلاً فنادى أيام التشريق: «ألا إن هذه الأيام أيام أكل وشرب ونكاح» (رواه أبو يعلى).
حيث تقتضي حكمة الفرح ألا يمنع الأكل والتوسعة، وبعد أن كان الصوم عبادة، أصبح الفطر عبادة! قال ابن عابدين: سمي العيد بهذا الاسم؛ لأن لله تعالى فيه عوائد الإحسان، أي أنواع الإحسان العائدة على عباده في كل عام، منها الفطر بعد المنع عن الطعام، وصدقة الفطر، وإتمام الحج بطواف الزيارة ولحوم الأضاحي، ولأن العادة فيه الفرح والسرور والنشاط والحبور غالباً بسبب ذلك.
قالت عائشة رضي الله عنها: رأيت النبي “صلى الله عليه وسلم” يسترني، وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر فقال النبي “صلى الله عليه وسلم”: «دعهم، أمناً – من الأمن – بني أرفدة (لقب الحبشة)» (أخرجه البخاري في العيدين).
وفي صلاة العيد، كيف حرص الإسلام على مشاركة المرأة؟ يظهر ذلك في حديث أم عطية قالت: «أمرنا رسول الله “صلى الله عليه وسلم” أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحيّض وذوات الخدور، فأما الحيّض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين..» (رواه مسلم).
هي:
أنتظر أيام العيد كل عام ليجتمع شمل الأسرة ونسعد بالقرب، ونهنأ بالحب، ونستدفئ بالعائلة.. أنتظره حتى أعيش معك لحظاته الطيبة، نتناسى فيها بعض ما يحيط بنا من هموم وما يلفنا من مشكلات، لأخرج منها ولو قليلاً من الواقع الأليم الذي تمور به أمتنا، فقد كثرت فيها الآهات وأحاطت بها الملمات، وتعددت ابتلاءاتها وتنوعت، وحينما أنظر حولي وأعيش مع ذلك الواقع أشعر بالحيرة والأسى، فمَن أواسِي ومَن أغيث، ومَن أتداعَى من أجله وأدعو له، وأشعر بحاجتنا حقاً إلى أيام العيد لنسعَدَ فيه ونُسعِدَ الآخرين.
وحين يقترب العيد ونتجهز لاستقباله بشراء الجديد فلا تنسَ يا زوجي أن نضم إلى أولادنا فقيراً نعفه عن السؤال، أو يتيماً نهديه ثوب العيد، أو أرملة ندخل السرور عليها، أو جاراً نحسن إليه.
وحينما يأتي العيد أحاول أمامك الهروب من تلك المعاناة التي أشعرها فلا أستطيع! ترنّ في أذنيّ آهات الثكالى والأرامل، وصراخ المنكوبين، واستغاثات الجرحى، وتساؤلات المشردين، ويقطع نياط قلبي بكاء الأيتام ونشيجهم، أينما يمّمتُ وجهي أرى وجوهاً تناديني وأعيُناً تلومني، ومطارَدين مقهورين، يستمسكون بي علهم يجدون لهم مخرجاً! خيام مهترئة، وقلوب محزونة.. ظهور منحنية، ونفوس منكسرة.. كل ذلك يفقدني لذة ونضارة العيد، فأضحك معك فيه والقلب جريح، وأظهر أمامك السرور والنفس مكلومة.. فسامحني.
الاعتدال في التوسعة
وأيام العيد أيام طيبة، فيها أكل وشرب وتوسعة، وأنت تفعل ذلك تعبداً لله، كما كنت تصوم له أيضاً تعبداً، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه «أن رسول الله “صلى الله عليه وسلم” نهى عن صيام هذين اليومين يوم الفطر ويوم الأضحى، فأما يوم الفطر فيوم فطركم من صيامكم، وأما يوم الأضحى فكلوا فيه من لحم نسككم»، نحاول أن نتوسع فيه من غير تقتير أو إسراف، فإن كنا نظن أن العيد لا يكون عيداً إلا بالإسراف في تناول المباحات من طعام وشراب ولباس ونزهة وزيارة، فإننا لم نفهم المعنى الحقيقي له، ولم نعرف الغرض منه.. فالتوسعة هي المباحة، ولكل من الأهل والأولاد والجيران والمساكين والأرامل والأيتام فيها نصيب، أما الإسراف فهو المنهي عنه، كما أمر النبي “صلى الله عليه وسلم”: «كلوا واشربوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة» (سبل السلام، صححه الصنعاني)، فلنقدر لكل حال قدره، ولنشكر الله في يوم العيد بحسن الطاعة والإحسان.
ولولا أن العيد يعود مع تمام العبادة واكتمالها لما فرحنا بالعيد، أحاول أن أخلع على نفسي قميص الفرحة، وألبس مسوح الفرح، أحاول ذلك في تجهيز طعام طيب تجتمع عليه الأسرة، وفي هدية رمزية تهدَى لأفرادها، في برّ والديّ، وفي عيديّة العيد تُنفَق على الأولاد.. وأحاول أن أدخل السرور على من حولي ولو بكلمة طيبة ولمسة حانية.
وإن يوم العيد يوم التغافر والمسامحة، والتقارب والمصالحة، والحب والمصافحة، والصداقة والمصاحبة، لا مكان فيه لخصام أو شحناء تعكر علينا صفوه، ولا بأس ببعض اللعب المباح والنزهة والزيارة؛ «فإن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا».