محمد ثابت
– كنا نُحضرُ “نصف أصبع”، صغير، لأن عددنا كان قليلاً، فلما كثرنا لم يعد يكفينا سوى نصف أوقية بسبعمائة وخمسين جنيهاً!
يتدخل زميله الذي كان خارج “كادر الكاميرا” يقول في نزق وطيش:
– بصراحة صرفنا ألف جنيه كاملة ليلة العيد على الحشيش، “ماهي الفلوس دي بنجيبها من حرام ونصرفها على الحرام”!
الكلمات إحدى مهازل “مصر – السيسي” اليوم، تلك التي وعدنا بها لما قال: “وبكرة تشوفوا مصر”!
وللحقيقة فإننا قد رأينا ما أذهلنا، بل جعلنا نردد الجملة الأشهر للفنان الراحل عبدالسلام النابلسي مع التعديل اللائق بمقام الألوهية العالي، ثم بمقام قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي الأكثر من أدنى، والجملة بعد التعديل:
– “كفاية كده يا “هشتاج” ما توشفناش أكتر من كده”!
أما أصل الحكاية أن أحد مواقع الصحف الخاصة المصرية التي يرأس تحريرها أحد المُتقلبين في نِعَم الظلمة من مبارك حتى السيسي أجرى ليلة العيد أعجب “تقرير” مصور في تاريخ الصحافة المصرية على الإطلاق، لتسأل فتاة من “خارج الكادر” أي خارج دائرة الصورة، مجموعة من الشباب الذين لا يتجاوز عمر أكبرهم سبعة عشر عاماً سؤالاً مفزعاً، مكوناً من الملايين من علامات الاستفهام والتعجب:
– أين حششتَ ليلة العيد؟!
السؤال يطوي آلافاً من علامات الاستفهام والتعجب، ويقرر بما لا يدع مجالاً للشك بصورة أكثر من ذي قبل محاربة نظام قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي مظاهر “دين الله” في مصر، وأنها لمظاهر فإن الإسلام الحنيف العظيم لا يحارب من مثل هؤلاء الأقزام، والسؤال يمثل ظاهرة أقرب إمكانية تعبيرية لها هي قول المصطفى، صلى الله عليه وسلم: “الفُجر في الخصومة”، فإنكم لتحاربون مظاهر ديننا بكل ما أوتيتم، فلم يبق لكم إلا السؤال عن مكان تناول المخدر الأكثر انتشاراً في مصر “الحشيش”، والسؤال يحوي تسليماً بأن تناوله من قبل شعب لا يجد لقمة العيش ليلة العيد حلال بلال سهل زلال، بل وتقول مقدمة التقرير “منى صليب” لأحد الشباب لما “تمنع” عليها في الإجابة:
– ما تخفش مش هنبلغ عنك!
ومن ستبلغين يا هذه؟!
إذا كنت تمسحين بكاميراتك جزءاً غالياً مقصوداً من ميدان التحرير لتسألي الشباب عن “مكان” تناول الحشيش ليلة العيد، وكأن تناوله أمر طبيعي، فقط أين المكان؟ تمهيداً لأن يكون تناوله في كل مكان، ولم تكوني لتجري التقرير ما لم تكن الإدارة الفنية والإدارية للجريدة تعرف أنه سيرضي سادتها السياسيين ومساحي “الجوخ”، وإذا كانت الداخلية الانقلابية تقتل بعد صلاة العيد بدقائق عدداً من أطهر شباب مصر، وتفسح المجال لمثل هذه الفتاة وفريق من العاملين بالموقع الذي لا يستحق مجرد الذكر، للسؤال عن مكان تناول المخدرات وأحد الشباب يختصر الحالة كلها قائلاً:
– فوق سطح بيتنا!
أي أن مصر كلها صارت مرتعاً للفئة الضالة من أنصار السيسي لتناول المخدرات وفعل ما يشاؤون من “المنكرات”، واستباحة دم المُصلين العابدين لله تعالى، الحريصين على حرية بلدهم، والحرية من أجل مطالب الشريعة الإسلامية، كل هذا بعد يوم واحد من مضي شهر الخير والرحمة والبركات في زمن عبدالفتاح السيسي، ورحم الله زمان حكم مبارك الذي كان يحرص على شعرة معاوية مع المصريين، فمع ظلمه الشديد لهم وقهرهم، لم يكن يحرص على إهانة معتقدهم على هذا النحو.
ورحم الله زماناً كنا في نهاية شهر رمضان نأسى لأغنية: “والله بعودة يا رمضان” للراحل محمد قنديل، رحمه الله، وكبيرنا نسمع “يا ليلة العيد آنستينا” لأم كلثوم، لا “يا ليلة العيد حششتينا” مع نظام السيسي مع “الفُجرْ” في الجهر بالمعصية، والقتل والتنكيل صبيحة العيد، والسيسي والانقلابيون يقولون بوضوح: الحشيش ومشتملاته والإلحاد حلال لدينا، والدم المحرم في كل الشرائع السماوية، والقتل والتنكيل حلال كذلك!