يعيش مواطنو قطاع غزة في ظلال الذكرى السنوية الأولى للعدوان الذي شنته سلطات الاحتلال الصهيوني على القطاع في السابع من يوليو 2014م, ومع إحياء هذه الذكرى يستعيد المواطنون أجواء الرعب والخوف والقتل والدمار التي كانت سائدة خلال 51 يوماً، وهي عمر الحرب التي لم يسبق لها مثيل من قبل كما يقول المواطنون.
وقد كثر الحديث من قبل المتابعين، والمؤسسات الحقوقية، ووسائل الإعلام المختلفة عن ذلك العدوان، وتناولوه من مختلف الجوانب الصحية، والنفسية, والاجتماعية والاقتصادية.
وفي هذا التقرير تسلط “المجتمع” الضوء على انتهاكات قوات الاحتلال الصهيوني خلال الحرب بحق المدنيين، وما مارسته من أعمال قمع وحشية، والإعدامات الميدانية، واتخاذ المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ دروعاً بشرية حتى تكون الخسائر البشرية في صفوفهم، وليكونوا أول من يتلقى الأعيرة النارية والألغام الأرضية التي يضعها رجال المقاومة لصد الاحتلال.
شهادات مؤلمة
ويروي الطفل أحمد جمال أبوريدة (17عاماً)، شهادته على تلك اللحظات القاسية التي عاشها عندما اقتحمت قوات الاحتلال بيته المتواجد على الحدود الشرقية جنوب القطاع، كاشفاً أن جنود الاحتلال قيدوه، بعد أن هددوه بالقتل، وطلبوا منه أن يخلع جميع ملابسه، ثم حققوا معه بقسوة، مع شتمه وضربه، إذ قام الجنود – بحسب الطفل أبوريدة – بوضع وجهه على الأرض وطلبوا منه الركوع والاعتدال عدة مرات.
ويقول الطفل أبوريدة، الذي يعاني أوضاعاً نفسية سيئة: إن جنود الاحتلال طلبوا مني بعد ذلك أن أتقدمهم في عمليات اقتحام المنازل وأماكن أخرى؛ بينها آبار للمياه، فكان الجنود ينتقلون بي من منزل إلى منزل تحت تهديد السلاح, والكلاب البوليسية التي كانت ترافقهم، وفي أحيان أخرى كانوا يطلبون مني القيام بالحفر في أماكن يشتبهون بوجود أنفاق فيها.
وبحسب شهادة الطفل أبوريدة ؛ والذي استمر وجوده مع القوات الصهيونية على هذه الحال لمدة خمسة أيام متواصلة؛ كان الجنود عند دخولهم لأحد المنازل يطلبون منه الوقوف في الأماكن التي من الممكن أن تتعرض لإطلاق النيران، وخاصة بجانب النوافذ، وفي أحيان أخرى يتم تقييده ورميه على الأرض, وفي المساء يحضرونه إلى المنزل الذي ينوون البيات فيه، ويضعونه في إحدى زوايا المنزل على الأرض وهو مقيد.
عنصرية المحتل
وأوضح رئيس المرصد الأورومتوسطي رامي عبدو أن استخدام المدنيين دروعاً بشرية هي سياسة “إسرائيلية” قديمة جديدة، مشدداً على أن القانون الدولي الإنساني حظر استخدام المدنيين كدروع بشرية، أو استغلالهم لجعل بعض المناطق بمنأى عن العمليات الحربية، مشيراً إلى أن القانون ألزم القوات المحاربة ببذل كل جهد لحماية المدنيين الذين لا يشاركون في القتال، وإبعادهم عن أي خطر.
ويبين الكاتب والمحلل السياسي والمختص في الشأن “الإسرائيلي” أكرم عطاالله لـ”المجتمع” أن سياسة الدروع البشرية التي تنتهجها قوات الاحتلال هي إجراء مخالف للقوانين الدولية وللأخلاق الدولية، موضحاً أن نص القانون الدولي يؤكد أنه على دولة الاحتلال أن توفر الحماية للمدنيين وليس أن تضع المدنيين في مقدمة الحرب.
ولفت عطا الله في تفسيره للدافع وراء استخدام هذه السياسية إلى أن دولة الاحتلال تعتقد أن الجندي “الإسرائيلي” أهم بكثير من المواطن الفلسطيني، وبالتالي إذا حصل إطلاق نار فليقتل الفلسطيني وليس “الإسرائيلي”، مشيراً إلى أن هذا نوع من العنصرية “الإسرائيلية” وتجاوز لحقوق الإنسان ضد الفلسطيني الذي يعد في نظر سلطات الاحتلال شخصاً آخر.
وبين المختص في الشأن “الإسرائيلي” لمراسل “المجتمع” أن هذه السياسة استخدمت أثناء الاشتباكات في جنين عام 2002م، وفي الانتفاضة الأولى عام 1987م، وهو أمر مرتبط بوجود حالة ضدية تعمل ضد “إسرائيل”؛ وبالتالي تعمل على أن يكون الفلسطينيون في عداد الخسائر الأولية.
ألوان من الانتهاكات
ولم تقتصر الممارسات الوحشية التي نفذها جنود الاحتلال أثناء العدوان بحق المواطنون على اتخاذهم كدروع بشرية، فقد تنوعت أعمال القمع والانتهاكات، وأخذت جوانب عديدة ومنها عمليات الإعدام الميداني لعدد من المواطنين، إلى جانب استهداف بيوت المواطنين والمنشآت، الصحية، والمؤسسات التعليمية إضافة إلى مراكز لجوء المشردين بفعل الحرب.
المواطن رمضان محمد قديح، أحد الناجين من القصف الذي استهدف بلدة خزاعة، والذي قامت قوات الجيش “الإسرائيلي” التي اجتاحت المنطقة بقتل والده عمداً من نقطة الصفر، يكشف في شهادته على الساعات التي قضاها بين الذعر والخوف والتعذيب، ويقول: كنا نجلس مع العائلة داخل البيت، وكان عددنا 27 شخصاً، منهم 19 امرأة وطفلاً، حين اقتحمت قوات الاحتلال البيت، بعد تدمير مداخله، ونادوا علينا للتجمع عند نقطة معينة داخل البيت.
وبحسب ما يقول قديح؛ فإن والده، المواطن محمد قديح (65 عاماً)، والذي يحمل وثيقة سفر إسبانية، قال لأفراد الجيش: إنهم مواطنون مدنيون ويحبون السلام، وكررها مراراً بالعبرية والعربية، ثم تقدّم خطوة باتجاه الجنود، ليُفاجأ بقيام أحد الجنود بإطلاق رصاصتين إلى قلبه مباشرة، على بعد أمتار منه فقط، ما أدى إلى استشهاده على الفور أمام عيون أبنائه وعائلته.
ويضيف قديح: بعد ذلك طلبوا منا أن نرفع ملابسنا ونكشف عن أجسامنا، ثم قيدوا أيدينا، وأخذونا إلى إحدى غرف البيت واستعملونا كسواتر، حيث جعلونا نقف على نوافذ البيت بحيث نظهر وكأننا ننظر إلى الخارج، فيما بدأ الجنود بإطلاق النار من جانبنا ومن النوافذ الأخرى.
أما المواطن محمد أبو ظاهر، شقيق الشهيد نعيم أبو ظاهر، فيقول: إن شقيقه أعدم ميدانياً بعد تعذيبه، إذ ظهرت علامات الضرب واضحة على جثته بعد نقلها إلى مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح وسط قطاع غزة.
من جهته، قال رياض الأشقر، مدير مركز أسرى فلسطين: مارس الاحتلال وفقاً لشهادات التي حصلنا عليها التعذيب ضد من اعتقل هم من المدنيين خلال الحرب، ناهيك عن اعتقاله عدداً من الجرحى الذين لم يتلقوا أي نوع من أنواع العلاج، مؤكداً أن غالبية المعتقلين مدنيون، لكن الاحتلال نشر صورهم وهم عراة وادعى أنهم مقاومون.
ووفقاً للشهادات الحية التي وثقها المركز كما يبين الأشقر، فقد أثبتت الشهادات أن المدنيين المعتقلين قد تعرضوا إلى عنف وتعذيب تجاوز الحدود الطبيعية وتسبب في وفاة بعضهم.
ويبدو أن ممارسة القمع من قبل جنود الاحتلال تجاه المدنيين وارتكاب أبشع ألوان التعذيب والقتل العمد بحقهم واتخاذهم كدروع بشرية، مرتبط بمدى ما حققته المقاومة من خسائر بشرية هائلة في صفوف العدو والذي لم يستطع أن يمنع إطلاق الصواريخ تجاه المغتصبات الصهيونية، أو وقف العمليات الاستشهادية التي نفذها المجاهدون خلف خطوط العدو وعودتهم إلى قواعدهم بسلام، فاستأثرت قوات الاحتلال بالمواطنين وجعلتهم كدروع بشرية وأعدمت الكثير منهم، إلى جانب استهدافها لمئات المنشآت المدنية والمؤسسات الصحية والمساجد وقد أظهرت إحصائيات الأمم المتحدة أن 69% من الضحايا هم من المدنيين.