خالد زوبل
بمثل هذا العنوان صاغ ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي هاشتاجاً للتحذير من الانفصال وتبعاته، فيما اعتبره البعض فرصة للترويج له ولمشروع التقسيم الذي يوافق أهواء الدول الاستعمارية الكبرى.
ولعلّ البداية كانت بتحرير عدن الصمود، فهو الذي فتح شهية الطرف الثاني في الترويج لأهدافه الانفصالية، بعد أن أخمدتها الثورة اليمنية يوم أن أحس منها أبناء المحافظات الجنوبية والشمالية على حدٍّ سواء بصيصَ أملٍ في تغيير نظام المخلوع علي صالح الذي أفسد كل ما في البلاد، وأذاق جميع أبناء اليمن الظلم والإقصاء في سبيل التوريث لأسرته فقط، ثم كانت المرحلة الثانية من خمود الأهداف الانفصالية بعد اجتياح مليشيات الحوثي والمخلوع للمحافظات اليمنية، وتوحّد المقاومة الشعبية اليمنية شمالها وجنوبها للدفاع عن أنفسهم تجاه العدوان الوحشي من عصابات الحوثي والمخلوع.
والسؤال الأهم هو: ما هي الخيارات الصعبة لليمن وللسعودية بالذات صاحبة الجهد الأكبر في قيادة التحالف العربي في تقويض إيران في المنطقة بعد تحرير عدن؟
هناك قراءة للمشهد توحي بأن ثمّة جناحاً داخل التحالف يروّج للانفصال ويدعم هذا التوجه، ويدل على هذا الجهد الإعلامي للترويج للفكرة والمظلمة الجنوبية التي لا تختلف عن أختها في الشمال، لكن لحاجات في الأنفس سنحاول الكشف عن بعضها، ومن ذلك الجناح الليبرالي في دول الخليج جميعاً بقنواته ورجاله، وإيران بالطبع، والحوثيون، وقد أعلن حسن زيد في عدة منشورات له عن انسحاب الحوثيين من عدن وتسليمها لقوة منظمة بعد انتهاء مهمتهم من قتال الدواعش والتكفيرين – كما يزعم – (وسنذكر لاحقاً دلالة تصريحه هذا)، وأمريكا، وروسيا، ويتطلب من عُمان والإمارات تحديد موقف واضح من هذا الجناح، وأيضاً من حكومة بحاح، والقيادات الجنوبية كذلك.
وهذا السيناريو يعني النجاة بالجنوب من أجل فتح البوابة الاقتصادية للجزيرة العربية والاعتراف به دولياً، وربما حمايته ببعض القوات الدولية، وسيصاحب هذا مصاعب عدّة، أولها اختلاف القيادات الجنوبية وتناحرها، وفتح الشهية لمزيد من التفتيت والعنف الدموي بين بعض المحافظات التي لا ترضى بأخواتها من المحافظات الجنوبية ذاتها فضلاً عن الشمالية كما يعرف ذلك أهل اليمن، كما سيجعل الشمال عُرضة لزراعة “داعش” على الخط، ليقتات بها الحوثيون كما صرّح حسن زيد بوضوح، وكما يولول ولد الشيخ دائماً ومن قبله جمال بن عمر مبعوثا الأمم المتحدة بتواجد الإرهاب في المحافظات الشمالية وتحديداً مأرب والبيضاء، وربما تعز لاحقاً، وسيكون هذا بوابة لتشتيت جهود المقاومة وتصفية وإضعاف المكوّن السُّني المعتدل والمقاوم للمشروع الصفوي الإيراني في المنطقة، كما سيعطي الحوثيين ذريعة أطول للبقاء بوجود طرفي الإرهاب الشيعي والسُّني والمتمثل في “القاعدة” أو “داعش”؛ ما يعني بقاء المليشيا الحوثية على ما هي عليه في الخاصرة الجنوبية للسعودية، وهو ما تريده أمريكا وتحبذه من خارطة التقسيم الجديد للشرق الأوسط على أساس مذهبي وتروّج له في سورية والعراق واليمن.
وهذا الخيار هو أمرّ الخياريَن، وكل عقلاء اليمن ضده، فلا هو بالذي سيُنعم الجنوبيين الذين سينفصلون، ولا هو بالذي سيحقق أهداف تحالف “عاصفة الحزم” والمشروع السُّني الجديد في تقليص نفوذ إيران وغطرستها في البلدان الإسلامية، بل سيجعل السعودية في حالة ترقّب دائم واستنزاف مجهود لمحاربة “داعش” و”القاعدة” والحوثيين على جنوبها؛ ما يعني استنزافاً طويل الأمد، مع ملاحظة أيادي المخابرات الإيرانية في تحريك “داعش”، كما يحدث في سورية والعراق، وسيتم نقله لليمن لو تم الاتجاه لهذا الخيار، وقد صرّح بهذا عضو المجلس السياسي محمد البخيتي على قناة تلفزيونية بقوله عن إمكانية استخدامهم لـ”داعش” ضد السعودية لكن أخلاقهم تمنعهم عن ذلك! ولن تجد أمريكا أفضل من مليشيات الشيعة كالحوثيين، و”القاعدة” ممثلة في “داعش” التي لن يتوانوا عن زراعتها، من أجل تصفية قوى الإسلام الوسطي في شمال اليمن، وهذا سيجعل دول الخليج تتجرع الندم عن تخلّيها عن هذا المكوّن الشعبي الرافد لها في معركتها مع إيران، كما حدث في العراق بالتخلّي عنه والندم الآن على ضياع المكوّن السُّني الوسطي المعتدل فيه بإضعافه والتخلي عنه، حتى لم يتبق الآن في واجهة العراق لإنقاذ سُنتها ودول الخليج من التقويض سوى “داعش” ومليشيات “الحشد الشيعي” اللذين كلاهما يحققان نفس الهدف: خدمة إيران ومشروعها الصفوي، وتصفية وتهجير السُّنة! وهو ما جعل الحصول على بديل يمثل أهل سُنتها من الصعوبة بمكان، وجعل السعودية والخليج وتركيا في موقف لا يُحسد عليه من التوقف والنظر من جَناحَي إيران، فلا تأييد لحكومة العبادي التي تخدم مليشيات إيران وتوسعها، ولا تأييد لـ”داعش” التي تغتال سُنّتها وتحارب المجتمع الدولي!
ولو أضفنا إلى ذلك التحديات التي ذكرها الكاتب جمال خاشقجي في مقاله “عشرُ سنواتٍ عجاف”، وتحدّي الاتفاق النووي الإيراني الأخير، وتخلّي أمريكا فعلياً عن حماية دول الخليج وأمنها بعيداً عن الوعود الكاذبة لها، ثم إشغال تركيا بـ”داعش” وبالإرهاب خارجياً وداخلياً، وبأزمة تشكيل الحكومة داخلياً؛ وهو ما يعني تحييدها عن الصراع المنطلق مع إيران بشرارة “عاصفة الحزم” والتي تقوده المملكة، ووضع العراقيل الكثيرة بإشغال تركيا عن نصرة سورية وتشكيل التحالف الخليجي التركي الإسلامي المرتقب في مواجهة نفوذ إيران في المنطقة، وتحدّي النظام الانقلابي المصري وجرّه مصر والمنطقة من ورائه للمجهول، فإن هذا يفرض فرضاً قاطعاً على السعودية ودول الخليج والحكومة وقوى المقاومة اليمنية شمالها وجنوبها الخيار الثاني، والاستمرار في المعركة والاعتماد على الله وحده بعيداً عن وعود أمريكا الفارغة، وتطمينات الغرب، ثم بالاعتماد على المكوّن السُّني المعتدل والذي سيمثل الكتلة البشرية الأكثر تنظيماً في هزيمة المليشيات الإيرانية، والحسم في الميادين، وعدم الالتفات لعراقيل ولد الشيخ بالهدنة أو ما شابه، وسيتبع هذا الخيار الثاني: استكمال تحرير كل محافظات اليمن، وبناء يمن موّحد بجيش وطني قوي، كخطوة أولى لضم اليمن لدول مجلس التعاون الخليجي، لقطع أطماع إيران من اليمن تماماً، ما سينهي جبهة التمرّد على حدود السعودية، ويجعلها تلتفت للملفات الأخرى كسورية والعراق بالدرجة الأولى.
إن التحديات كبيرة، والأمة تتطلب تحالفاً خليجياً تركياً إسلامياً، وتصالحاً واسعاً مع المكوّنات السُّنية المعتدلة، كخيار إستراتيجي للانتصار على المشروع الإيراني في الميادين، كما يتطلب إعادة بناء التحالفات والضغط الدبلوماسي لإفشال مشروع الاتفاق النووي في الكونجرس الأمريكي المرتقب، بدلاً من الانشغال بقضايا انفصال ووحدة ولم تضع الحربُ بعدُ أوزارها، وهذا ما سيفرض على قوى التحالف وحكومة هادي والمقاومة اليمنية تحديد موقف واضح من هذه القضية، وإزالة الصخب الإعلامي الذي لا يخدم سوى إيران وأذنابها في الشرق الأوسط، ويشتت جهود المقاومة الشعبية في اليمن عن الهدف المشترك وهو القضاء على الحوثي والمخلوع الذي أضّر البلاد والعباد، وبعدها سيجد أهل الجنوب والشمال وكافة أطياف الشعب اليمني فرصة أكبر للحوار بعد إخماد هذا التمرّد، وستنتهي أراجيف الفساد والسخط الشعبي والنفوذ الذي انتشر بالشمال والجنوب ولم يتقيّد بجهة إن تم إحسان إدارة دولة الوحدة الفيدرالية أو اليمن الاتحادي مستقبلاً.
(وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) صدق الله العظيم.