رأفت مرة
منذ إنشاء الكيان الصهيوني تعرّض الجيش “الإسرائيلي” لهزائم وخسائر كبيرة في أكثر من حرب خاضها، وفي أكثر من مواجهة.
ويظهر تاريخ المواجهة مع الجيش “الإسرائيلي” أن المقاومة الفلسطينية واللبنانية والجيوش العربية وجّهت ضربات موجعة لقواته، وألحقت به خسائر مادية وبشرية، ومنها على سبيل المثال الحرب في عام 1973م، واجتياح لبنان عام 1982م.
في العدوان “الإسرائيلي” الأخير على قطاع غزة في شهر يوليو 2014م، تعرّض الجيش “الإسرائيلي” لهزيمة كبيرة، وفشل فشلاً ذريعاً في تحقيق أهدافه، أو الأهداف التي أعلنتها حكومته.
فقد حدّد المستوى السياسي والعسكري “الإسرائيلي” أهداف الحرب التي سمّاها “الجرف الصامد” بتدمير بنية الصواريخ، وتدمير الأنفاق، وتطويع إرادة الفلسطينيين، غير أن هذه الأهداف فشلت، وظلّت الصواريخ تنطلق من قطاع غزة بوتيرتها المعهودة حتى لحظة الإعلان عن وقف إطلاق النار، وظلّت الأنفاق فاعلة، وأحسنت “كتائب القسام” وقوى المقاومة استخدام الأنفاق لضرب الأهداف العسكرية والخروج لقوات الاحتلال من تحت الأرض، كما حصل في موقع “ناحال عوز” بتاريخ 28/ 7/ 2014م.
لقد فشل الجيش “الإسرائيلي” في الهجوم البري الذي بدأ بتاريخ 17/ 7/ 2014م، على قطاع غزة، حيث تمكّنت المقاومة من وقف تقدّم قوات الاحتلال على محاور بيت حانون والشجاعية، وفشل جيش الاحتلال في حماية المجال الجوي “الإسرائيلي” الذي أغلقته المقاومة لأيام، وفشل في منع قصف “تل أبيب” حيث أعلنت “كتائب القسام” يوم 12/ 7/ 2014م أنها ستستهدف المدينة الساعة 21:00 مساءً، ونقلت وسائل الإعلام بشكل مباشر الصواريخ الفلسطينية وهي تسقط على أهم مركز سياسي وتجاري وسكاني صهيوني.
وفشل الجيش “الإسرائيلي” في استخدام منظومة “القبة الحديدية”، حيث نجحت “كتائب القسام” وقوى المقاومة في قصف الكيان الصهيوني بما يقارب 6000 صاروخ و1753 قذيفة.
وفشل جيش الاحتلال في توفير الأمن لجميع سكان فلسطين المحتلة، وسكان تل أبيب، وبالأخص سكان المنطقة الجنوبية (غلاف غزة) الذين أعلنوا عدم ثقتهم بقيادتهم والذين ما زالوا يعيشون حالة رعب إلى اليوم، ويقولون: إن حفر الأنفاق أصبح أسفل منازلهم.
وتعرّض الجيش “الإسرائيلي” لإهانات قاسية بعد نجاح مجموعة كوماندوز بحرية من “كتائب القسام” بتاريخ 8/ 7/ 2014م في اقتحام قاعدة “زيكيم” البحرية، حيث اشتبكت هناك مع قوات الاحتلال بعدما فاجأتهم باقتحامها.
كما اهتزت صورة الجيش “الإسرائيلي” لدرجة الشعور بالذل والهوان حين نشرت “كتائب القسام” شريط فيديو يظهر اقتحام موقع “ناحال عوز” حيث قتلت تسعة جنود كانوا يصرخون “أمي” وفشلوا في الدفاع عن أنفسهم.
واستطاعت “كتائب القسام” أن تشوّه صورة جيش الاحتلال من خلال نشر عشرات مقاطع الفيديو التي تظهر الدبابات الصهيونية المدمّرة على مشارف قطاع غزة، أو إصابات مباشرة بجنود الاحتلال وهم خلف مواقعهم أو رشاشات آلياتهم العسكرية.
ووجهت “كتائب القسام” ضربات موجعة للاحتلال حيث حلّقت طائرات من دون طيار من طراز “أبابيل 1-2-3” عدة مرات فوق فلسطين المحتلة، ووصلت إلى أماكن حساسة فوق القدس وساحل فلسطين الشمالي بدون أن تكتشفها الرادارات الصهيونية.
ونجحت “كتائب القسام” في إنزال مئات آلاف “الإسرائيليين” إلى الملاجئ، وفي إغلاق المطارات، وفي قصف القواعد العسكرية الصهيونية، وأبرزها قاعدة “سدوت ميخا” في أسدود، ومنطقة مفاعل “ديمونا”، وفي أسر عدد من جنود الاحتلال، وفي لملمة أشلاء عدد آخر.
غير أن أهم قائمة الإنجازات الفلسطينية تمثّلت في المواجهة التي دارت في منطقة الشجاعية، وألحقت بقوات الاحتلال مئات القتلى والجرحى.
وأترك المجال هنا لشهادتين “إسرائيليتين”:
يقول الضابط غسان عليان، قائد لواء “جولاني” عن المعركة: إن معركة الشجاعية في غزة التي دارت رحاها يوم السبت الأول من العملية البرية قرب مستوطنة “ناحل عوز” القريبة من الحي (الشجاعية) هي أصعب معركة عرفتها طيلة خدمتي العسكرية التي امتدت على مدى 25 عاماً، وهي من المعارك التي ستسجل في تاريخ لواء جولاني، على الرغم من معرفتنا المسبقة بحجم ونوع مسلحي “القسام” المنتشرين على الحدود وتحديداً في الشجاعية، فإننا لم نكن قادرين على توقع حجم الجحيم الذي واجهناه هناك على بعد مئات الأمتار فقط من المعسكر الذي ضربناه في “ناحل عوز”، حيث قاتلنا بمئات الجنود الذين عادوا من هناك مضرجين بدمائهم.
ويقول رونين سروسي، رقيب أول في كتيبة الاستطلاع التابعة للواء “جولاني”، في لقاء مع صحيفة “معاريف”: إن الخمس ساعات الأولى من المعركة (في الشجاعية) لا يمكن استيعابها، فالبيت الأول كان مفخخاً، والبناية الثانية انهارت على ناقلة “النمر”، ورشقات الرصاص والقذائف لم تتوقف، وجنود جولاني تعرّضوا لتفجير منزل لدى محاولتهم اقتحامه، ثم انهمر عليهم الرصاص من عدة جهات تزامناً مع تقدّم أحد مقاتلي “حماس” وتمكّنه من قتل الجنديين عو مندلوفيتش، وجلعاد روزنطال من مسافة صفر، ليمتلك الرعب قلوب من بقي حياً من الجنود، في بيت قريب أقيمت غرفة عمليات، لكنها أيضاً استُهدفت بقذيفة “آر.بي.جي” أصابت قائد الكتيبة زغوري بجراح خطيرة، وقتلت نائبه تسيفرير، وضابط العمليات تسيفكا كافلن، تلقى ضابط يدعى مخلوف الأمر بالتوجه مع ثمانية من جنوده بناقلة “النمر” لإنقاذ الجرحى، لكن انفجاراً قوياً استهدفهم بشكل مباشر، فتناثرت أشلاء جندي يدعى مالكو وغرق الباقون في دمائهم، المعركة في غزة كانت في الحقيقة جهنم، ومثّلت تحدياً كبيراً حتى أصبح القتال في سبيل النجاة من الموت فقط.
أهم معالم فشل الجيش “الإسرائيلي” في عدوانه الأخير على قطاع غزة أنه فشل على المستويات التكتيكية والإستراتيجية، وفشل في تحقيق أهدافه وأهداف حكومته.. مع العلم أن قرار الحرب وتوقيته هو قرار “إسرائيلي”، وأن الحرب حصلت داخل حدود فلسطين، وأنها استمرت 51 يوماً، وفي كل ذلك مخالفات واضحة لأسس الإستراتيجية العسكرية الصهيونية، التي تقوم على حرب خاطفة وسريعة وفوق أرض العدو.