في متحف مانهاتن للأطفال في الجانب الغربي من مدينة نيويورك، يستكشف الأطفال وذووهم الثقافة الإسلامية “من أمريكا إلى زنجبار”، وهو عنوان المعرض الذي افتتح مؤخراً، وتقدم فيه أعمال فنانين مسلمين معاصرين، بالإضافة إلى برامج أخرى في السياق نفسه.
وفي وسط المدينة يقوم مركز “بين” الأمريكي بتنظيم ورش عمل لتطوير الكتابة حول المسلمين في ظل سلسلة الأحداث الجارية، يشارك فيها كتاب مسلمون وغير مسلمين عبر أشكال متنوعة من الكتابة الخيالية والسينمائية والكوميدية، تناقش مواضيع الهوية والتوحد والتعبير عن الذات.
وفي بروكلين حيث مقر مجموعة مارك موريس للرقص يتم التحضير لعمل فني حول قصة “مجنون ليلى” الشهيرة.
المشاريع الثلاثة السابقة، وخمسة مشاريع أخرى مماثلة ستتلقى منحاً من مؤسسة “دوريس ديوك” الخيرية للفنون الإسلامية، عبر برنامجها “بناء الجسور”، في جولته الثالثة من التمويل، البرنامج أعلن عن مليون ونصف المليون دولار لدعم الجهات التي تعمل على تطوير العلاقات وزيادة التفاهم وتقليل التحيز بين مجتمعات المسلمين وغير المسلمين عبر نشر الفن والمشاريع الثقافية.
الجهات الأخرى التي ستحصل على التمويل تتضمن مركز الأرز الثقافي في مينابوليس الذي سيطور مشروعه “ميدنيمو” القائم على جمع صوماليين من “مقديشو الصغيرة”، ومن مجتمعات محلية محيطة عبر الموسيقى الصومالية، ومعهد سندانس في لوس أنجلوس الذي سيساعد فنانين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على إنتاج 4 أعمال مسرحية أو أكثر، ويزيد من علاقات التبادل الثقافي، ومسرح “ثييتر سكويرد” في فيتيفيل بأركانساس، الذي سيعيد إنتاج مسرحية “روميو وجولييت” متخذة هذه المرة من دمشق مسرحاً لأحداثها.
أداة تغيير
زيبا رحمان، المسؤولة عن برنامج “بناء الجسور”، ترى أن للفنون قوة كبيرة في “أنسنة” البشر، وتقول لـ”نيوزويك”: الفن له هذه القدرة على زرع معاني التواصل ليس فقط بين أبناء الثقافات المتشابهة، وإنما أيضاً بين الثقافات المختلفة، الخبرات الفنية الإيجابية تبني شعوراً بالأخوة بين الناس، وتدفعنا للتفكير ولإعادة التفكير فيما نحمله من آراء وتوجهات، إنها تحمل أداة تساعدنا على التغير.
برنامج “بناء الجسور” أسس في العام 2007م، وقدم سابقاً منحتين بأكثر من مليون و600 ألف دولار لكل واحدة، في عامي 20014 و2015م، حصل عليها مركز “بذور البستان للثقافة” في فيلادلفيا لتنظيمه سلسلة من حفلات الموسيقى العربية، ومركز الإعلام الآسيوي الأمريكي في سان فرانسيسكو لتنظيمه ورش عمل في صناعة الأفلام لشباب مسلمين، وتشجيعهم على رواية قصصهم، ومركز “سبليت ذيس روك” في واشنطن، لتنظيمه مهرجاناً لشعراء عرب معاصرين ضم إلى جانبهم ناشري أعمالهم والمترجمين لها.
بالنسبة للقائمين على برنامج “بناء الجسور”، وبحسب ما هو منشور على الموقع الإلكتروني للبرنامج، فإن الحاجة إليه سببها واضح؛ ففي عام 2013م أظهر تقرير لمؤسسة بحثية أن 45% من الأمريكيين يعتقدون أن الأمريكيين المسلمين يتعرضون للكثير من التمييز، وفي سبتمبر من العام 2014م أظهر تقرير آخر أن 50% من الأمريكيين يعتقدون أن الإسلام يشجع على العنف أكثر من الديانات الأخرى.
أيضاً فالمناخ السياسي مؤخراً جعل الحاجة إلى مثل هذا البرنامج أكثر إلحاحاً، العديد من الحكومات الغربية رفضت استقبال اللاجئين السوريين، سيما عقب الهجمات في باريس في نوفمبر الماضي، وبعد ذلك طالب المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة الأمريكية.
تقول رحمان: في هذه الوقت الذي يرتفع فيه مستوى الخوف والقلق لدى الأمريكيين، أعتقد أن الفن يمكنه أن يؤدي دوراً محورياً.
رؤية بديلة
ورغم أن معرض “من أمريكا إلى زنجبار” الذي افتتح الشهر الماضي كان مخططاً قبل وقت طويل من هجمات باريس وتصريحات ترامب، فإنه جاء في توقيت مناسب لتقديم رؤية بديلة، بحسب أندرو أكرمان، المدير التنفيذي لمتحف الأطفال في مانهاتن.
يقول أكرمان: إن المعرض يوفر فرصة للناس لطرح الأسئلة والبحث عن إجابات متوازنة أكثر، لا تستند إلى المخاوف، الناس يبحثون عن منصة لاستكشاف الأمور بشكل إيجابي، وهو أمر مهم بشكل خاص للأهالي الذين لديهم أطفال في مرحلة عمرية يتم فيها تشكيل المواقف والآراء تجاه الآخرين.
مشاريع المتحف التي تتناول الثقافة الإسلامية سبق أن حصلت على تمويل من “بناء الجسور” حتى في مراحل التخطيط لها، وأما بالنسبة لمعرض “من أمريكا إلى زنجبار” فيتضمن – بالإضافة إلى شاشة عرض تفاعلية تسمح للزوار باستكشاف التصميمات الهندسية للمساجد حول العالم – بازاراً للتوابل تفوح منه الروائح العطرية المميزة، ودكاناً لخياط سنغالي.
المتحف صمم أيضاً تطبيقاً لمرافقة المعرض بـ24 لغة يتحدث بها المسلمون حول العالم، سجلت جميعها في مدينة نيويورك بواسطة متحدثين أصليين بها.
ويرى أكرمان أن المعرض عبارة عن منتدى كبير للناس، يتحدثون فيه مع أشخاص يلتقونهم للمرة الأولى، ويتبادلون فيه وجهات النظر والأفكار، ويمرحون.
ويقول: الفنون لها هذه الطبيعة الحاضنة للتواصل، بالنسبة للبعض قد تكون زيارتهم للمعرض هي فرصتهم الأولى للتحدث مع مسلمين حول تقاليدهم وثقافتهم، تبادل الحديث والحوارات طريقة للمعرفة والتعلم.
وبحسب أكرمان، فإن المنحة الأخيرة من برنامج “بناء الجسور” للمتحف (50 ألف دولار) ستذهب باتجاه دعم الفنون، وسلسلة من البرامج المخصصة للبالغين، حول الأديان المختلفة، والاختلافات الثقافية، وكيفية التحدث مع الأطفال حول مفهوم التنوع.
وتختتم رحمان حديثها لـ”نيوزويك” بالقول: علينا كمجتمع أن نبتكر طرقاً للتواصل.. للسير إلى الأمام، ومع برنامج “بناء الجسور”، وجدت المؤسسة أن مثل هذه الطرق يمكن نحتها عبر الفن والثقافة، وهذه الرابطة الثقافية والفنية هي ما تمنحنا الحيوية والمرونة وتجعلنا ما نحن عليه كأمريكيين، يجب علينا إيجاد طريقنا لنعود إلى بعضنا بعضاً.