– الحب في ذاته ظاهرة صحية وعلامة نضج بالإضافة إلى أنه فطرة فهو شعور يسري في الجسد دون أن تتحكم فيه
– لو واصلت تعاملك مع الفتاة سينتابك شعور الندم والاحتقار لذاتك مصحوباً بحالة من الكآبة خاصة المرات الأولى
– النظرة الأولى هي رغم عنك والتي قد يتولد معها الإعجاب لوهلة وهنا عليك التوقف فوراً لتسأل نفسك: لماذا أنظر مرة أخرى؟
في الصباح، وعند دخولنا إلى المدرسة بلهفة مصحوبة بلهثة، نادتني إحدى المعلمات: دكتورة، أريدك بسرعة في أمر مهم قبل أن نبدأ اليوم وننشغل.
قلت: نعم.
قالت: لدينا في المرحلة الإعدادية والثانوية مشكلات ليس لها حصر.
قلت لها: مثل..؟
قالت: الاكتئاب أحياناً، والشرود والإهمال للدراسة أحياناً كثيرة، والرسوب أيضاً، هذا غير مزاجهم المتقلب جداً، ومشكلاتهم التي لا تنتهي مع المعلمين، والآباء في البيوت يشتكون أيضاً ويطلبون المساعدة.
قلت: طبيعي فعلاً ما ذكرته، لكن لماذا تهتمين به الآن؟
قالت: يا دكتورة، مع وسائل التواصل الاجتماعي التي حلت علينا وتحولت من ضيف إلى محتل بيوتنا وغرف نومنا، حتى صارت جزءاً أصيلاً من حياتنا!
قلت: بل حياتنا ومسايرة أعمالنا كلها مرتبطة بها.
قالت: والشباب يركزون عليها في علاقتهم مع البنات، وكل علاقاتهم، متخفين وراء الشاشات.
قلت: وما المطلوب؟
قالت: نعقد ورشاً نقاشية لهؤلاء الشباب وندوة عامة معهم للنقاش.
قلت: لك ما تريدين.
قالت: سأرتب للأمر وأبلغك.
وفي الموعد بعد صعوبة في تجميع الطلبة على ندوة بعنوان «نعم للحب».
قلت: أبنائي الطلبة، من لا يحب منكم فليعرض نفسه على الطبيب، فهمهم الجميع واندهشوا وتعجبوا!
وقال أحدهم: أتضحكين أم تستهزئين؟
قلت: لا هذا ولا ذاك، بل جادة جداً فيما أقول.
قال آخر: إذاً أكيد حب الله، وحب الرسول صلى الله عليه وسلم؟
قلت: بل الحب الذي تقصدون.
قال أحدهم: بما أنك دكتورة في الاستشارات الأسرية، إذاً تقصدين الخاطبين والمتزوجين، ونحن لم نصل لذلك بعد.
قلت: لكن لكم كل الحق أن تتعجبوا مما أقول وغيري يقول غيره، لكن أحياناً نسيء تقديم ما عندنا، أو يسيء غيرنا فهمنا لقناعاته ومواقفنا المسبقة ضده.
فقال أحدهم: إذن إذا أحببت فتاة أخرج من دائرة المرضى الذين يستوجبون الذهاب للطبيب؟
قلت: نعم.. الحب في ذاته ظاهرة صحية وعلامة نضج ونمو، بالإضافة إلى أنه فطرة، فهو شعور يسري في الجسد دون أن تتحكم فيه، فهو رغم عنا أحياناً.
فقال بعضهم: معقول! وجدنا من ينصفنا ويعذرنا وينتصر لنا.
فقال أحدهم: هل تسمحين بهذا لابنك أو ابنتك؟
قلت مبتسمة: هل ترد لي الجولة؟ أم تطلب يد ابنتي؟
ثم قلت: أسمح فيما سمح به الشرع، ولا أسمح فيما لا يسمح به.
فقالوا بصوت جماعي: هل فعلاً دكتورة ستسمحين لابنك؟ وما الذي سمح به الشرع؟
قلت: أسمح له بما اعترف به الشرع أن نمو الحب قد لا نستطيع أن نوقفه، لكن لن أسمح باستمراره.
قال: ولكن نمو الحب الآن وسائله اختلفت عن زمنكم؛ مما يصعب علينا المهمة!
قلت: بل يزيدها، فلقد زادت ولم تختلف؛ أي قد ينمو الحب بين طرفين بتلاقي النظرات أو بالسمع؛ أي تسمع عن شخص فتعجبك صفاته أو جماله، وتبدأ تتابع أخباره، وقد تتعلق به وأنت لم تره مثلاً، سواء كان هذا بكلام الأهل عنه كالجيران والأقارب مثلاً، وغيره من الوسائل الحديثة التي زادت عن ذي قبل، فجعلت أمر الإقلاع عنه يحتاج إلى إرادة قوية منك وعزيمة وإصرار على تنفيذ أمر الله الذي هو حفظ لك وصون.
قال: لكننا قد نتعذب من هذا الحب؛ لأنه لا يتم في غالب الأمر لمنتهاه، فهو مجرد تسلية أحياناً.
قلت: حتى ولو واصلت تعاملك مع الفتاة؛ سينتابك شعور الندم والاحتقار لذاتك ونفسك مصحوبة بحالة من الكآبة خاصة المرات الأولى؛ لأنها الفطرة، ولأنك تعرف أن هذه قد تكون أختك أو ابنتك في يوم من الأيام؛ لذلك أنت تشتري العذاب بنفسك في الحالتين.
قال: وما العمل في شعور يأتي رغماً عنك أو تستحسنه؟
رد آخر: لا ليس رغماً عنك.
قلت: لا، قد يأتي في البداية رغماً عنك.
قال: كيف؟ وماذا تقولين في النصوص الشرعية؟
قلت: ومن قال: إن الشرع ضد الحب، أو إنه لم يراعِ حالتك كشاب ورغباتك الفطرية؟
قال: لم أفهم!
قلت: الشرع لن يحاسبك على شيء أتى رغماً عنك، لكن يحاسبك فيما تملك.
قال: لكن الحب شيء جميل.
قلت: نعم، ولذا صانه الله عز وجل بضوابطه، فلماذا تعذب نفسك بعلاقة أنت طرف خاسر فيها؟!
قال: كيف؟
قلت: ستعيش حياتك كلها تشك في أقرب الناس حولك، وستتعذب بما فعلت مدى حياتك، وتتحول حياتك إلى جحيم الشك والحفظ على أهل بيتك من أي شيء، وهذا ما تأتينا مشكلاته كل يوم، ناهيك عن مخالفتك لأمر الله، فقال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {124} قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً {125}) (طه).
همهم الجميع ساكتين لحظات!
ثم قال أحدهم: أنتِ زدتِ الأمر صعوبة وتعقيداً.
قلت: لِمَ وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك: «يا عليّ لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة»؟
وهذا هو مربط الفرس؛ النظرة الأولى هي رغم عنك التي قد يتولد معها الإعجاب لوهلة أو الانجذاب، وهنا عليك التوقف فوراً لتسأل نفسك: لماذا أنظر مرة أخرى؟ هل لغرض الزواج بضوابطه وقواعده، أو التسلية والمشاهدة التي قد يعقبها إعجاب أكثر ثم علاقة وغيره؟ وهذه ليست لك؛ أي النظرة، حتى يحاسبك عما تملك ويحفظك مما تخاف أنت منه وتشفق على نفسك منه، فعذر العقوبة لك من أجلك أولاً وأجل عرض أهل بيتك.
قال أحدهم: وما الحل؟
قلت: بسيط جداً؛ تغمض عينيك فوراً؛ أي أغلِق عليك عينيك.
ضحك قائلاً: وكيف أغمض عيني؟ أليس هذا استخفافاً؟
قلت: الاستخفاف الحقيقي أن تؤدي بنفسك وعينيك هاتين للنار بهذه النظرة التي قد تولد رغبة قد تقودك إلى الحرام أو الحلال.
قال آخر: فعلى هذا سأمشي مغمض العينين، وأجلس على هاتفي مغمض العينين، وأجلس على حاسوبي هكذا أيضاً!
قلت: الله عز وجل الذي يعلم نفوس من خلقهم، ويعلم ماذا سيكون غداً، حدد على لسان رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنْ اسْتَطَاعَ منكُم الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»، فإن لم يكن الزواج فعليك بالصيام سيعفيك من تطاول النظر للنساء، ثم من يتق الله يجعل له مخرجاً، فاتق الله ما استطعت، ومن طلب العون من الله أعانه، فلتضع ضوابط لنفسك في الحياة والتعامل مع مجرياتها ومستجداتها مهما طال الزمن أو تطورت الحياة، فمثلاً:
لماذا تضيف فتيات إلى حساباتك على مواقع التواصل الاجتماعي بدون داعٍ أو ضرورة؟
لماذا ترمي رقم هاتفك لهذه وتلك؟
لماذا تتعمد متابعة من بصفحاتهم الفحش والرذيلة بحجة الهزار والتسلية؟
لماذا تغازل هذه وتعاكس تلك؟
لماذا تتصيد وتراهن على البنات؟
لماذا تتباهى وتتحاكى بمغامراتك؟
قال أحدهم: قد تضطرك الظروف للتعامل من خلال دراسة وأنشطة ومخالطة للفتيات في وسائل التواصل الاجتماعي وغيره.
قلت: ضع ضوابطك أنت بألا تختلي بها في محادثة، وابتعد دائماً عن الخلوة حتى لو في محادثة، فاجعلها جماعية، وإن اضطرتك الظروف قل ما تريد وانصرف، ولا تعطِ نفسك أبداً الفرصة لاقتناص النظرة التخيلية أو التلذذ بالصوت والكلمات، وكف أذاك عن نفسك أولاً بما تفعله ثم بالآخرين يحفظك الله ويصونك ويعينك.
ولتعلم أن من طرق بيت الناس طرق الناس بابه.
وتذكر أن الحب أجمل شيء في الحياة في الحلال؛ لأن المشاعر لا تسرق؛ لأنها تفقد مذاقها الحقيقي فلا تخسر الحلال بالحرام.
عندما تتحكم في عواطفك تمتلك ذاتك وتملك قرارك.
نكّسوا رؤوسهم، ثم همس أحدهم: لكن التحدي صعب جداً في مجتمعات منفتحة، والبنات تعرض عليك ليل نهار، وتطلب ودّك وصداقتك بدون أدنى مشكلة.
نظرت إليهم خاتمة حديثي: أنت أقوى من أن تضعفك عاطفة، وأكرم من أن تتلاعب بفتاة.. فتمسك بفطرتك تنجُ بإذن الله.