ـ حفتر مازال يبحث عن دعم خارجي جديد عند روسيا ليستكمل مخططه في السيطرة على بنغازي بحجة محاربة الإرهاب.
حذرت الشريعة الإسلامية من البغي والعدوان والتعاون في الظلم، أو تقديم أي عون أو دعم للظالمين، وبالرغم من ذلك تجد البعض من المسلمين يسارعون إلى إعانة أعداء الأمة، فقد زاد الحديث في الآونة الأخيرة عن ماهية العلاقة التي تربط مليشيات خليفة حفتر المسيطرة على مساحات كبيرة من الشرق الليبي بمليشيات تنظيم «داعش» الإرهابي في ليبيا، فأشار عدد من المحللين السياسيين الليبيين خلال حديثهم لـ«المجتمع» إلى أن هناك مؤشرات كثيرة ترجح وجود تعاون وثيق بين خليفة حفتر وتنظيم «داعش».
المحلل السياسي مروان الدرقاش قال: إن علاقة حفتر بـ«داعش» تأكدت بعدة وقائع؛ أبرزها موقفه من «داعش» في درنة، ومحاربته لثوار درنة الذين قاتلوا «داعش» وطردوهم من المدينة، وتأمين منفذ لخروج قوات «داعش» المنسحبة من درنة، وتأمين طريق يصل طوله إلى 800 كم حتى مدينة سرت، وتزويدهم بالسيارات والوقود، وشهادات أسرى «داعش» في سرت الذين أسرتهم قوات «البنيان المرصوص» وكشفهم لعلاقة دعم ومساندة من حفتر، وتصريحات الناطق باسم قوات «البنيان المرصوص» ووصفه لحفتر و«داعش» بأنهم وجهان لعملة واحدة، وفتح ممر آمن لقوات «داعش» للانسحاب من بنغازي، وتزويدهم بسيارات صحراوية للوصول إلى هدفهم في الجنوب الغربي، وتواجد قوات من «داعش» في قاعدة براك الجوية التي تقع تحت سيطرة قوات بن نايل التابعة لخليفة حفتر.
استهداف الثوار
وأوضح الدرقاش أن بدايات ظهور «تنظيم الدولة» في ليبيا كانت في درنة بظهور قوي بسط خلاله التنظيم سيطرته على المدينة الجبلية التي تقع في الشرق، وعلى مقربة من مقر البرلمان في طبرق، وفي وسط الطريق بين طبرق والبيضاء مقر حكومة عبدالله الثني التابعة لبرلمان طبرق، إلا أن ثوار مدينة درنة دخلوا في معركة مصيرية مع هذا التنظيم أدت إلى دحره وإخراجه من درنة، مشيراً إلى أن خليفة حفتر كان يقف في هذه المعركة موقف المتفرج، ويستهدف قوات ثوار المدينة التي تقاتل «داعش».
وبيّن الدرقاش أن خليفة حفتر تدخل لإفساح الطريق لـ«داعش» للانسحاب من درنة، وقام بتزويدهم بالآليات والوقود ودفع بهم للاتجاه إلى مدينة سرت الواقعة في وسط البلاد التي ظهر فيها التنظيم أيضاً عقب انسحاب قوات تابعة للمؤتمر الوطني العام منها بطلب من أهالي سرت، حيث تمكن التنظيم من بسط سيطرته عليها وصار يشكل تهديداً كبيراً لكل المناطق الليبية، وتنامت قوة التنظيم في سرت، وبدأ ينفذ عمليات تفجيرية تستهدف مدن الغرب الليبي كمصراتة وطرابلس وغيرها.
وأشار إلى أن قوات «البنيان المرصوص» أضعفت التنظيم في ليبيا، وقضت على كل آماله في أن يكون له موطئ قدم في البلاد، موضحاً أن خليفة حفتر لم يشارك في هذه العملية، بل كان يصف قوات «البنيان المرصوص» بالمليشيات الإرهابية، ويتوعدها بالاستهداف بعد أن تمكنت من تحرير مدينة سرت من «داعش».
وفي مدينة بنغازي، كان حفتر يقاتل مجلس شورى ثوار بنغازي المكون من عدة كتائب تابعة لثوار المدينة، وكان تنظيم «داعش» متواجداً في المدينة، ولكن لم يكن له سلطة فعلية، وأن وجوده لم يكن وجوداً مسيطراً، ولكن لإعطاء الذريعة لحفتر للهجوم على المدينة التي عانت طيلة أكثر من سنتين من القصف الجوي العشوائي بالبراميل المتفجرة، وفق ما ذكره الدرقاش.
وبحسب الدرقاش، فإن بنغازي التي دمرتها حروب حفتر على الثوار اليوم خالية من أي وجود لتنظيم «داعش»، مشيراً إلى أن طائرات حفتر وحلفائه ما زالت تستهدف مناطق تواجد الثوار في قنفوذة وبوصنيب، وتقصف حمم الموت لتقتل المدنيين والأطفال المحاصرين هناك، وسط رفض تام من قوات حفتر لفتح ممرات آمنة لإجلاء المدنيين بعد أن فتحت ممراً آمناً لقوات «داعش».
أما المحلل السياسي د. محمد فؤاد فقال: الشيء المؤكد هو علاقة «داعش» برجال النظام السابق، وأنها علاقة قوية، وكثير من منتسبي كتائب «القذافي» الأمنية يحاربون اليوم في صفوف حفتر.
مضيفاً في الوقت ذاته أنه من الصعب إثبات العلاقة المباشرة بين حفتر و«داعش»؛ هل هي علاقة مصالح مشتركة لحرب عدوهم المشترك، أم أن العلاقة أكبر وأوثق؟
وبيّن فؤاد أن خليفة حفتر استغل كثيراً وجود «داعش» في بنغازي لاتهام من يقاتلهم بالإرهاب، كما أنه لم يسمح لقواته بالتدخل في درنة لمساعدة أهلها ضد «داعش»، وهذا أثار استياء الكثير من ضباطه.
وأشار إلى قرب خليفة حفتر من رجال النظام السابق، كونه أحد الضباط الذين شاركوا في انقلاب «القذافي» عام ١٩٦٩م، متسائلاً ما إذا كان «داعش» ليس إلا صنيعة للبعض مهمته الأساسية تشويه من خرجوا على «القذافي»، وإيجاد المبررات لعمليات حفتر وتبرير التدخل الأجنبي؟
من جانبه، قال المتحدث الرسمي باسم المجلس الأعلى للدولة السنوسي إسماعيل لـ«المجتمع»: هناك شكوك في مصداقية محاربة خليفة حفتر لـ«داعش»، فقد سمح لأرتال من التنظيم أن تنسحب من درنة إلى سرت وتقطع مسافة 800 كلم، وتمر من 5 نقاط تفتيش تابعة لقوات حفتر، وفي مرمى نيران طائرات تابعة له.
وبحسب وجهة نظر عضو المجلس الانتقالي د. محمد الحريزي؛ فإن المستفيد الأكبر من وجود تنظيم «داعش» يتمثل في إيران، و«إسرائيل»، والقوى الكبرى، والأنظمة الدكتاتورية في المنطقة التي تريد أن تحافظ على استمرارها في الحكم ولو ضحت بكامل مصالح أمتها وأهدرت طاقاتها البشرية وإمكاناتها المادية.
وأشار إلى أن عملية تسهيل خروج «داعش» من درنة إلى سرت، وفتح ممرات آمنة لهم من بنغازي؛ دليل على التنسيق الكبير بين حفتر ومؤيديه و«تنظيم الدولة»، لافتاً إلى أن أسباب التنسيق تعود إلى تبرير الانقلاب العسكري والحرب التي تشن على الثورة من أجل إعادة منظومة نظام «القذافي» إلى ليبيا، وإعطاء المبرر لطلب الدعم والتدخل الخارجي تحت حجة محاربة «داعش» والقضاء على الإرهاب في ليبيا.
وبرأي المحلل مروان الدرقاش، فإن خليفة حفتر ما زال يبحث عن دعم خارجي جديد عند روسيا؛ ليستكمل مخططه في السيطرة على بنغازي بحجة محاربة الإرهاب؛ ومن ثم إتمام سيطرته على درنة في الشرق، والانطلاق للسيطرة على الغرب الليبي الذي يمثل عقبة كبيرة في طريق مشروعه الذي وضعه لحكم ليبيا.
فيما اعتبر المحلل محمد فؤاد اتجاه حفتر للاستنجاد بروسيا دليل ملموس على فشل كل محاولاته السابقة للسيطرة على بنغازي والانطلاق غرباً نحو طرابلس.
ويرى فؤاد أنه برغم ما ينطوي عليه التدخل الروسي من خطورة كبيرة على الوضع الليبي المتأزم، وما يشكله من خطر على الثوار في ليبيا؛ فإن الكل مجمع على التصدي لمحاولات خليفة حفتر لإعادة ليبيا إلى مربع الدكتاتورية من جديد، ويرون أن القبول بشخصية كحفتر هو خيار أسوأ من بقاء «القذافي» نفسه.
مؤكداً أن تدخل الروس في ليبيا سيساهم بشكل أكيد في استمرار وتأزم الفوضى السياسية والأمنية في البلاد، وقد تتحول ليبيا إلى صومال جديد أو أفغانستان إذا ما أصرت القوى الأجنبية على فرض شخصية جدلية تتميز بالنرجسية والدكتاتورية على أي حل سياسي مستقبلي في ليبيا.
وأشار السنوسي إسماعيل إلى أن التدخل الروسي لم يترجم حتى الآن إلى تدخل عسكري، ومازالت روسيا تحترم قرار حظر الأسلحة في ليبيا، مبيناً أنه يتم حالياً التواصل مع الحكومة الروسية لفهم الموقف الروسي الرسمي، وكذلك لتوثيق الصلة بين حكومة الوفاق وروسيا التي تعهدت بدعم حكومة الوفاق.
واستبعد عضو المجلس الانتقالي محمد الحريزي تدخلاً روسياً مباشراً لعدة أسباب؛ منها أن خليفة حفتر لا يمتلك قوة عسكرية يمكنها أن تكون مساندة للقوات الروسية، ولا غطاء شرعياً من حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، وثانيها أن الشعب الليبي وثواره سيقفون بقوة ضد هذا التدخل؛ مما سيكلف الروس ثمناً هم غير قادرين على دفعه الآن تزامناً مع تدخلهم في سورية، وأخيراً ليبيا تعتبر من مناطق النفوذ الغربي؛ وبالتالي ستكون هناك معارضة كبيرة لهذا التدخل المباشر من الغرب.