اليهود ينظرون إلى القدس وفق أباطيل وتزوير حقائق لتحقيق أحلامهم بإقامة الهيكل المزعوم
كل إجراءات تهويد القدس لم تغيّر هويتها التي يحافظ عليها أطفال القدس وشبابها ونساؤها وشيوخها
رغم ما تمر به المنطقة من تطورات ستبقى القدس محور الصراع فيها
كل مشاريع تفتيت الأمة وإغراقها في حروب داخلية ستبوء بالفشل رغم انعكاساتها السلبية
حول هذه التطورات وانعكاساتها على الواقع الفلسطيني، كان لـ«المجتمع» هذا الحوار مع الشيخ محمد إبراهيم الحاج، الأمين العام لهيئة علماء فلسطين في الخارج، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهو عضو مؤسس في مؤسسة القدس العالمية، وعضو مؤسس في رابطة علماء فلسطين، وترأس الوفد المفاوض أثناء معارك نهر البارد بين «فتح الإسلام» والجيش اللبناني.
* بداية، لو تذكر لنا نبذة تاريخية عن القدس؟
– القدس مدينة مقدسة عبر التاريخ، فهي أرض النبوة وفيها المسجد الأقصى المبارك، وإليها أسرى الله تعالى بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ومنها أعرج به إلى السماء، وهي قبلة المسلمين الأولى؛ فقد توجهوا إليها في صلاتهم ستة عشر شهراً، والقدس ترتبط بعقيدة المسلمين، وقد نص القرآن الكريم على بركتها، وذكرت في العديد من الآيات، ولها وجودها طبعاً في السيرة النبوية كرحلة الإسراء والمعراج، إلى جانب دعوة النبي الكريم إلى شد الرحال إلى القدس، كما في الحديث: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى».
* كيف ينظر اليهود إلى القدس والأقصى؟
– أما عن نظرة اليهود إلى القدس، فهم ينظرون إليها وفق أباطيل وتزوير حقائق لتحقيق أحلامهم في إقامة الهيكل المزعوم، وقد جاء مؤخراً قرار «منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة» (اليونسكو) يؤكد حق الشعب الفلسطيني، ويوضح مزاعم اليهود وأباطيلهم، إذ اعتبرت «لجنة التراث العالمي باليونسكو» في 26 أكتوبر 2016م، أن «الأقصى» تراث إسلامي خالص، وأن ما يقوم به الاحتلال الصهيوني من ممارسات بالقدس ما هي إلا اعتداءات وإجراءات عدوانية؛ وبالتالي فقد أبطل هذا القرار كل مزاعم الاحتلال بشأن حقوق اليهود في فلسطين.
وبرغم هذا القرار وعلى مدى سنوات عديدة قبله، لم تتوقف المحاولات والمساعي الصهيونية لنزع هوية القدس العربية والإسلامية التاريخية، وفرض الطابع اليهودي على المدينة المقدسة منذ احتلال القدس عام 1967م؛ إذ لم يدخروا جهداً في إجراءاتهم واعتداءاتهم غير المشروعة بحق القدس وأهلها من الفلسطينيين، وإقامة المغتصبات (المستوطنات) التي باتت تحيط بالمسجد الأقصى من كل جانب، ومشروعات الحفر والأنفاق المتواصلة أسفل المسجد الأقصى، بالإضافة إلى إقامة مشروعات عمرانية كبرى للتغطية على المسجد الأقصى ومصادرة آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين التابعة للقدس وقراها المحيطة، وعزل سكانها والتضييق عليهم، وسحب الهويات المقدسية عن سكان القدس، إلا أن كل هذه الإجراءات والممارسات الصهيونية لم تغير صورة المدينة التي يحافظ على هويتها أطفال وشباب ونساء وشيوخ القدس الذين انتفضوا انتفاضة القدس بالحجر والسكين للحفاظ على حقهم وترسيخ هويتهم المقدسية العربية والإسلامية.
* برأيكم كيف ترون إعلان الولايات المتحدة عزمها نقل سفارتها إلى القدس؟ وما تداعيات مثل هذا القرار؟
– في ظل الأوضاع التي تمر بها المنطقة العربية، وضعف التأثير الدولي، تقدم الرئيس الأمريكي الجديد «دونالد ترمب» بمشروع لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ولا شك أن خطوة كهذه تعد اعترافاً صريحاً ونهائياً بدولة «إسرائيل» اليهودية؛ وبالتالي فلا مبرر بعد ذلك لوجود ملف القدس ضمن ملفات التفاوض مع العرب والفلسطينيين؛ ما يؤكد أن الولايات المتحدة لم يعد بمقدورها القيام بدور الوسيط المزعوم في عملية التفاوض، بل إن مثل هذه المفاوضات لا قيمة لها، وهذا القرار الأمريكي بشأن نقل السفارة إلى القدس سيشعل انتفاضة القدس لتشمل كل فلسطين، وقد أثبتت السنوات والواقع على الأرض سقوط كل المراهنين على التسوية وسقوط كل الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال؛ فالصهاينة لم يلتزموا يوماً باتفاق؛ وبالتالي مثل هذه المعاهدات لا قيمة لها على الواقع الفلسطيني، بينما يتعزز رهان الفلسطينيين على المقاومة لتحرير القدس وكل فلسطين.
* مؤخراً أقر الاحتلال الصهيوني قانوناً لشرعنة البؤر الاستيطانية على الأراضي الفلسطينية، كيف ترون تأثير مثل هذا القانون على مسار القضية الفلسطينية؟
– نحن نعتبر أن كل ما يصدر عن حكومة الاحتلال هي إجراءات باطلة وغير شرعية؛ لأنها تصدر عن مغتصب محتل لأرض فلسطين وجوده في الأساس غير شرعي؛ وبالتالي فما يصدر عنه غير شرعي أيضاً، فهذه القوانين التي تهدف إلى سرقة ونهب المزيد من أراضي الفلسطينيين هي قوانين عنصرية وجريمة بحق الفلسطينيين تمهد لارتكاب مزيد من المجازر الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، يضغط بموجبها الصهاينة على أفراد وعائلات شعب فلسطين لإجبارهم على التنازل عن ممتلكاتهم الخاصة ومصادرتها.
* في ظل التطورات الحالية إقليمياً ودولياً ما قراءتكم الاستشرافية للقدس؟
– في رأيي أنه بالرغم من كل ما تمر بها المنطقة من تطورات وما يستحدث من ملفات، ستبقى القدس وفلسطين محور الصراع في هذه المنطقة، وكل مشاريع تفتيت الأمة وتمزيقها وإغراقها في حروب داخلية ستبوء بالفشل، رغم انعكاساتها السلبية على الأمة، ويبقى تمسك أهالي القدس وفلسطين بأراضيهم وبيوتهم وحقهم التاريخي في هذه الأرض المباركة، بأرواحهم وتكبيراتهم التي تصدح في ساحات الأقصى المبارك، يدافعون عن الأمة وحق الأمة في هذه الأرض، هو النموذج الجهادي في مواجهة الغطرسة الصهيونية وهو بوابة إنقاذ الأمة مما تعانيه.
فرغم كل ما تمر به الأمة من انكسارات وتراجع، فإننا نظل متعلقين بوعد الله سبحانه وتعالى، فتحرير فلسطين بشارة قرآنية ونبوية، وعودة الحق إلى أهله قادمة لا محالة، ويثبت التاريخ أن الاحتلال دوماً إلى زوال.