من سِيَرِ ومنهج الأنبياء والرّسل – عليهم السَّلام – والصّالحين من بعدهم أنَّهم قدّموا وصايا لأبنائهم وأهاليهم، وقد قصّ القرآن الكريم عنهم ذلك، قال الله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}. وقال سبحانه:{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.
وعلى هذا النهج سار العلماء من بعدهم، حيث قدّموا وصايا لأبنائهم وتلامذتهم، فمنهم من ألّف في وصية الأبناء والتلاميذ؛ كالإمام أبي حامد الغزالي في رسالة “أيها الولد”، والإمام ابن الجوزي في رسالة: (لفتة الكبد في نصح الولد)، ولصاحب تفسير “روح المعاني”، محمود بن عبد الله الألوسي رسالة بعنوان (إنباء الأبناء بأطيب الأنباء)، ولأبي الوليد الباجي المالكي كتاب وصية لولديه سمّاه “كتاب النَّصيحة لِولَدَيْه”، وغيرهم من العلماء.
ونجد أنَّ بعض العلماء المعاصرين نحا ذلك النحو، منهم العلاّمة الشيخ محمد شاكر المتوفى سنة 1939م، حيث ألف كتاباً على النهج نفسه، سمّاه (وصايا الآباء للأبناء)، أو(الدروس الأولية في الأخلاق المرضية).
مع الكتاب:
كتاب “وصايا الآباء للأبناء” أو “الدروس الأولية في الأخلاق المرضية”، هو مجموعة رسائل قيّمة جمعت نصائح ثمينة وجليلة يحتاجها المربّي والمتربّي معاً.
يقول الشيخ محمد شاكر في مقدّمة الكتاب: “وبعد: فهذه دروس أولية في الأخلاق المرضية، وضعتها لطلبة العلوم الدينية، وقد ضمَّنتها من الأخلاق ما يحتاج إليه طالب العلم في بداية أمره حتّى إذا وفقه الله للتخلق بها كان مرجواً أن ينفعه الله بعلمه، وأن ينفع به كثيراً من خلقه، والله ولي الرشاد والهادي إلى الصراط المستقيم”.
وقد ضمَّ الكتاب عناوين منها: نصيحة الأستاذ لتلميذه، الوصية بتقوى الله، حقوق الله ورسوله، وحقوق الوالدين، وحقوق الإخوان، وآداب طلب العلم، وآداب المطالعة والمذاكرة، وآداب الرياضة والمشي في الطرقات، وآداب المجالس والحديث، وآداب الطعام الشراب، وآداب العبادة والمساجد، وفضيلة الصَّدق والأمانة والعفة، والمروءة والشهامة وعزَّة النفس … وغيرها من العناوين.
ومن نماذج الوصايا التي ضمّها الكتاب:
“يا بني: أرشدك الله، ووفقك لصالح الأعمال، إنّك مني بمنزلة الولد من أبيه. يسرّني أن أراك صحيح البنية، قوي الإدراك، زكي القلب، مهذب الأخلاق، محافظاً على الآداب، بعيداً عن الفحش في القول، لطيف المعاشرة، محبوباً من إخوانك، تواسي الفقراء، وتشفق على الضعفاء، تغفر الزلات، وتغفر عن السيئات، ولا تفرّط في صلاتك، ولا تهمل في عبادة ربك”.
“يا بني: إن كنت تقبل نصيحة ناصح، فأنا أحق من تقبل نصيحته. أنا أستاذك ومعلّمك ومربّي روحك، لا تجد أحداً أحرص على منفعتك وصباحكم نيويورك. يا بني :إني لك ناصح آمين، فأقبل ما ألقاه عليك من النصائح، واعمل في حضوري، وبينك وبين إخوتك، وبينك وبين نفسك. يا بني؛:إذا لم تعمل بنصيحتي في خلوتك، فقلها تحافظ بين إخوتك. يا بني : إذا لم تتخذني قدوة فيمن تقتدي؟! وعلام تجهد نفسك في جلوسي أمامي؟!”.
“يا بني: إياك أن تظن أن تقوى الله هي الصلاة والصيام والحج ونحوها من العبادات فقط. إن تقوى الله تدخل في كل شيء، فاتق الله في عبادة مولاك؟ لا تفرط فيها، واتق الله في إخوانك وتلاميذك، لا تؤذ أحدا منهم، واتق الله في بلدك تونس الحبيب: لا تخنه ولا تسلط عليه عدوا ، واتق الله في نفسك، لا تهمل في صحتك، ولا تتخلق بسوي الأخلاق الفاضلة”.
“يا بني: إنَّ في طاعة الله من اللذة والرّاحة مالا يعرف إلاّ بالتجربة؛ يا بني: اسعَ إلى طاعة مولاك على سبيل التجربة أياماً لتدرك هذه اللذة، وتشعر بهذه الراحة، وتعلم إخلاصي لك في النصيحة. يا بني :إنّك ستجد في طاعة الله ثقلاً على نفسك أوَّل الأمر، فاحتمل هذا الثقل، واصبر عليه، حتّى يصير الطاعة عندك من العادات التي تألفها”.
المصدر: موقع “بصائر تربوية”.