ـ هكذا تحولتُ من كره الإسلام وبغضه إلى محبته والدفاع عنه
ـ مع مرور الوقت أصبحت أقضي الساعات بالمسجد حتى خالط الإسلام بشاشة قلبي
قبل 8 أعوام كان الأمريكي «ريتشارد ماكيني» يُكِنُّ العداء الشديد للإسلام والمسلمين، بل وصل به الأمر إلى أنه كان يفكر في تفجير المسجد القريب من سكنه! لكنه الآن يعمل اختصاصياً في جامعة «Ball State»، ورئيساً لمركز «منسي» الإسلامي بولاية إنديانا الأمريكية، ويسعى حثيثاً لتعليم الناس مبادئ الإسلام السمحة ودعوتهم إليه.. فما قصة هذا الداعية؟ وكيف تحول من النقيض إلى النقيض؟
في تصريح له لموقع «USA TODAY College» يوم الثلاثاء التاسع من مارس 2017م، قال «ريتشارد ماكيني» (49 عاماً)، الرقيب الأمريكي المتقاعد الذي خدم في البحرية الأمريكية (المارينز): في البداية لم يكن أحد حولي يصدق هذا الأمر على الإطلاق، أو بالأحرى لقد كانوا في دهشة شديدة عندما سمعوا عن اعتناقي الإسلام، وذلك لأنني كنت من أشد أعدائه، ولكنني عندما شرعت في التعرف على الإسلام بدأت أفهم أهميته بالنسبة لي.
ويمضى «ريتشارد» في حديثه، حيث أمضى معظم سنوات خدمته في الشرق الأوسط، ومن ثم عاين الإسلام والمسلمين وتعرف عليهم عن قرب: رأيت أموراً لن أفصح عنها لأحد قط، ومن ثم لم أكره الإسلام في ذلك الوقت، ولكن معظم هذه الأشياء التي عاينتها كانت أحد الأسباب التي شكلت قناعتي فيما بعد.
يقول «ريتشارد»: «بدأ كرهي للإسلام ينمو بالفعل بعد عودتي إلى بلادي، بل وصل بي الأمر إلى أنه كان من ضمن الأفكار التي طرأت على ذهني أن أقوم بتفجير أحد المساجد القريبة مني»!
ويضيف «ريتشارد» قائلاً: لا أعتقد أنني يمكن أن أكون أشد كرهاً للمسلمين من ذلك الحد، أقصد أنني كنت بالفعل أكرههم بشدة، لم يكن أحد يعلم ما كنت أخطط لفعله بهم، كنت سأقوم بتنفيذ المهمة بنفسي، فلقد حددت مكان التنفيذ وكل شيء آخر لازم لإتمام الأمر، لم أكن أعير أي اهتمام لمسألة القبض عليَّ، لقد كنت فقط أتوقع أن هذا سيكون جزءاً مما سيحدث على أي حال.
لحظة التحول
عزم «ريتشارد» على أن يقوم بالأمر بمفرده، وقد صُعقت زوجته عندما علمت بخططه تلك، وكذلك خضع للتحقيق من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، ولكنه لم يوجه إليه أي تهمه.
ويمضي «ريتشارد» حديثه قائلاً: لو انتهى بي المطاف في السجن بإعدامي بإبرة في زراعي، لم أكن أجد بأساً في هذا الأمر على الإطلاق، فلقد كانت فكرة تفجير المسجد تسيطر عليَّ إلى حد كبير، بل كنت أتخيل أنني سأفعل شيئاً ما جيداً لوطني.. ولكن الأمور لم تسر على هذا النحو، لقد تغير كل شيء.
كان «ريتشارد» عازماً بشدة على تنفيذ مخططه، إلى أن حدث تحوّل ما في قلبه عندما عادت ابنته التي تدرس في الصف الثاني الابتدائي إلى البيت، وسمعها تتحدث عن والدة زميل لها في الصف عندما جاءت لتأخذه وهي ترتدي النقاب.
يقول «ريتشارد» عن هذه اللحظة: ثُرتُ كالبركان، وانفجرت في الصراخ، ولا أعتقد أنني يمكن أن أكون أشد غضباً من حالتي وقتها، ولكن ما كبح جماحي وقتها وجعلني أتراجع هو أنني قلت: لا أريد لابنتي أن تتعرف على هؤلاء الناس.
ويتابع «ريتشارد»: بعد أن رأيت ابنتي منزعجة وخائفة مني، بدأت طريقتي في التفكير تتغير، فالأطفال يولدون على الفطرة ليس لديهم كراهية أو تحيز أو عنصرية ضد أحد، فقلوبهم بالفعل نقية خالية من أي تعصب، ولكن الأبوين عندما يسيطرون عليهم فإنهم يشكلون وجدانهم طبقاً للطريقة التي يفكرون بها، ولكني لا يمكن أن أفعل ذلك بابنتي، فرحت أبحث عن وسيلة ما ناجعة لكي أكبح بها جماح كرهي هذا تجاه الإسلام والمسلمين.
رحلة البحث
ومضى «ريتشارد» يبحث عن أجوبة حول الإسلام، فبدأ بالتوجه إلى مركز إسلامي بالقرب منه حيث تم استقباله بحفاوة بالغة، وبدأ يطرح الأسئلة التي تشغل باله، ويقرأ القرآن، ويحضر الصلوات، ويراقب ما يفعله المسلمون من الخلف.
يقول «ريتشارد»: في بداية الأمر عندما كنت أجلس في المسجد كنت أشعر بارتفاع حرارة جسمي بل وبالقلق، ولا سيما عندما علمت أنني الشخص غير المسلم الوحيد في المكان، لقد كنت دائماً أنظر خلفي أبحث عن باب المسجد، ولكن مع مرور الوقت أصبحت أقضي الساعات تلو الساعات هناك، فخالط الإسلام بشاشة قلبي، وحانت اللحظة التي شعرت فيها برغبتي في نطق الشهادتين، وبالفعل اعتنقت الإسلام، وأخيراً أصبحت مسلماً.
فها هو جمال الإسلام الذي حوّل «ريتشارد» من الكره الشديد له إلى محبته والدعوة إليه!
وبعد فترة قصيرة، تم تعين «ريتشارد» رئيساً لاتحاد الطلاب المسلمين بجامعة «Ball State»، وفي عام 2014م تم انتخابه رئيساً للمركز الإسلامي بولاية إنديانا.
اشتهر «ريتشارد» فيما بعد باسم «عمر سيد بن ماك»، وكان يؤم المسلمين في صلاة الجماعة كل أسبوع ويخطب الجمعة لهم.
التحفيز والإبداع
على الرغم من انتهاء فترة عمله رئيساً للمركز الإسلامي بولاية إنديانا هذا العام (2017م)، فإن «ريتشارد» مضى قدماً في إتمام مهمته؛ حتى تتبوأ الجالية الإسلامية هناك مكانة رفيعة، بالإضافة إلى تصحيح المفاهيم الخاطئة حول الإسلام.
يقول «ريتشارد»: الإسلام ليس ديناً يحض على الكراهية والعنف على الإطلاق، فلقد أمعنت النظر في الأسباب وراء المفاهيم الخاطئة عن الإسلام، وتوصلت إلى أننا كثيراً ما نخلط الثقافات المختلفة بالإسلام، فالإسلام دين كامل لا عيب فيه ولا خلل، ولكن من يمارسونه هم بشر على أي حال، فهم ليسوا كاملين ولا سالمين من العيوب.
ويقوم «ريتشارد» حالياً بدراسة العمل الاجتماعي في جامعة «Ball State»، كما أنه ينوي بعد تخرجه مساعدة الآخرين من حوله من خلال عمله.
ولقد أتت مساعي «ريتشارد» أُكلها بعد أن بدأت صديقته بجامعة «Ball State» الطالبة «راشيل هاينز» تفكر في اعتناق الإسلام، وذلك بعد أن سمعته يتحدث عنه.
تقول «هاينز»: لم أكن أعلم الكثير عن تعاليم الإسلام أو عادات المسلمين، ولكن بعد سماعي لحديث «ريتشارد» في حلقة نقاشية أثار الأمر بالفعل دهشتي وانتباهي!
وتضيف قائلة: على الرغم من أنني مسيحية؛ فإنني لا أعتقد أننا نبذل الوقت الكافي لفهم أو معرفة الآخرين، ولا سيما من أصحاب الديانات الأخرى، وتضيف: لقد أجاب «ريتشارد» عن الأسئلة التي عادة ما كانت تطرأ على ذهني.
وعلى الرغم من أنها لم تنوِ بعد الدخول في الإسلام؛ فإنه مازال لديها شغف شديد لمعرفة المزيد عن الإسلام.
تقول «هاينز»: أعلم أنني كنت مذنبة بسبب تحيزي وسوء فهمي عن الإسلام في الماضي، ولكن لم يكن لديَّ أي كره حقيقي له، فلم تكن لديَّ المعلومات الكافية عن الإسلام، أما الآن فوجدت ضالتي وهي أن أسعى لتعلم المزيد عن الإسلام، وأن أسأل عن كل ما يشغل بالي أو أجهله أو حتى أخشاه.
لقد أضحت مهمة «ريتشارد» من الصعوبة بمكان في ظل المناخ السياسي الحالي، فحالة التوتر والسلبية ضد الجالية الإسلامية مازالت على أشدها، ولكن على الرغم من هذا فإن «ريتشارد» يقول: إنه عازم على فعل كل ما ينبغي عليه فعله حتى يوفر الحماية اللازمة لمن حوله، قائلاً: سأبذل كل ما في وسعي من أجل الجالية الإسلامية هنا مهما كان، حتى ولو كان ذلك يعني أن أصل الليل بالنهار في المركز حارساً له من أي ضرر، فلن أسمح أن يمسهم أحد بسوء، فهم إخواني وأخواتي، وهذا بالفعل يعني لي الكثير.
المصدر:
USA TODAY College