أصدرت هيئة علماء فلسطين في الخارج بياناً أوضحت فيه موقفها من الإجراءات التي اتخذتها دول عربية بحق دولة قطر الشقيقة.
وهذا نص البيان:
(وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ {187}) (آل عمران).
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وبعد:
فإننا في هيئة علماء فلسطين في الخارج نتابع ببالغ الصدمة والاستغراب الإجراءات التي تتخذها المملكة العربية السعودية ومعها دولٌ عربيةٌ بحق دولة قطر، وهذه الإجراءات التي تتصاعد ابتداءً من الحملات الإعلامية وصولاً إلى قطع العلاقات وفرض الحصار البري والجوي والبحري وطرد المواطنين.
وإزاء هذه التطورات المتسارعة فإننا نؤكد الآتي:
أولاً: نؤكد أهمية ترسيخ روح الأخوة والتعاون وإعمال لغة العقل والحكمة في الخلافات بين الأشقاء، هذه الخلافات التي تسوءُ كلّ مسلمٍ مؤمنٍ وتسرُّ كلّ عدوٍّ، كما نؤكد أن قطع العلاقات بهذا الشكل إنما هو تقطيع الأرحام الذي نهى الله عز وجل عنه ويعم فساده الأمة كلها، قال تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ {22} أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ {23}) (محمد).
ثانياً: في الوقت الذي نشكر فيه قطر على دعمها للمقاومة وقضايا المظلومين وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، فإننا نؤكد الدور الريادي للمملكة العربية السعودية في قيادة العالم السُّني، ونؤكد أن هذه الإجراءات تُخرِجُ المملكة من دورها الريادي وتعيق التوصّل إلى حلٍّ أخوي تصالحيّ وتشق صف المسلمين وتفرق كلمتهم، فقطر ليست هي العدو للأمّة وليست هي من اعتدى عليها فدنس مقدساتها ونهب خيراتها وحاصر أهلها ولم نرَ منها طغياناً على شعبها كما رأينا في بلاد أخرى وهذان هما مسوّغا العداء والمقاطعة، وكلنا أملٌ أن يتدخل خادم الحرمين الشريفين بما ينزع فتيل هذه الإجراءات.
ثالثاً: إنَّ حصار دولة شقيقة بهذا الشكل وبتهمة احتضان جماعات المقاومة وقوى الثورات أمرٌ لا يكاد يصدقه عقل، وهو بالإضافة إلى رفضه في موازين الشرع الحنيف – إذ إن قطر بدعم المقاومة تنفذ واجباً شرعياً يستحق المكافأة – فإنه يتعارض مع العقل والحكمة ويتنافى مع القيم الأخلاقية التي ينبغي أن تسود في التعامل بين الأشقاء وأبناء الأمة الواحدة، وندعو الدول التي سارعت إلى هذه الإجراءات إلى التراجع عنها والركون إلى لغة الحوار والتصالح تلبية لتطلعات الشعوب وتنفيذاً لأحكام الشرع وتطبقاً لمصلحة الأمة التي لا تكون إلا في اجتماعها وتعاضدها.
رابعاً: نستهجن بشدّة أن تكون التهم الموجهة إلى الشقيقة قطر من أخواتها هي احتضان قوى المقاومة ودعم ثورات الربيع العربي والانحياز إلى قضايا الأمّة، هذه التهم التي تمثل انقلاباً في المفاهيم إذ كان المرتجى أن تقف الدول جميعاً مع كل مطالبٍ بحقه مدافعٍ عن كرامته ساعٍ إلى تحرير مقدسات الأمة.
خامساً: نرفضُ التصريحات الصادمة التي صدرت من وزير الخارجية السعودي التي يهاجم فيها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والإخوان المسلمين ويهاجم فيها قطر لدعمها قوى المقاومة الفلسطينية، وإننا إذ نرفض هذا الموقف فإننا نؤكد أنه لا يليق بالمملكة العربية السعودية التي وقفت إلى جانب القضية الفلسطينية واعتبرتها قضيتها المركزية وندعو الأشقاء في المملكة العربية السعودية إلى التراجع عنه.
سادساً: كنا نرجو ونأمل أن تكون هذه الحملة المتسارعة متوجهةً إلى الكيان الصهيوني الذي يعيث في الأمة فساداً منذ سبعين عاماً، ويحتل ثالث المساجد التي إليها تشد الرحال المسجد الأقصى منذ خمسين عاماً، ويحاصر غزة ويخنق أهلها منذ أكثر من عشر سنوات.
سابعاً: تستغرب الهيئة موقف بعض هيئات ومؤسسات العلماء بصب الزيت على نار الفتنة، والتماهي التام مع الجهات السياسية، وتطالب العلماء بالقيام بواجبهم الشرعي بقول كلمة الحق، والدعوة إلى الوحدة والإصلاح والخير، قال تعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {9}) (الحجرات).
إنَّ العدوّ الأساسي لهذه الأمّة هو العدوّ الصهيوني وكلّ خلافٍ بين الأشقاء يصب في مصلحته وكلّ حصارٍ لقطر وشعبها يفرح به هذا الكيان الغاصب، فالعقلَ العقل والحكمةَ الحكمة قبل أن يتسع الخرق ويزداد الشرخ ولات ساعة مندم.
هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ.