تحظى الدعوة في زمننا بحمد الله بحضور طيب من الناس في المساجد وفي الملتقيات الشبابية، حيث إن الناس متعطشون لذكر الله وللعلم النافع والموعظة الحسنة.
وهذا شيء يبشر بخير، ولقد تطورت متابعات الناس للدعاة فتابعوهم في مواقع التواصل “تويتر، السناب، إنستجرام..”، وغيرها.
وهذه المتابعة دليل على محبة الناس للدعاة وللخير، ولكن يا ترى ما الذي يقلق هاجسي؟
1- أخشى أن يكون هاجس المتابعات متوافراً لدى ذلك الداعية؛ فيصبح ويمسي على محبة زيادة أرقام الناس الذين يتابعونه، وهذا قد يكون لا شيء فيه أصلاً من الناحية الشرعية، ولكن الخلل أن تبحث النفس عن الشهرة في عالم المواقع من خلال القيام بالبرامج الدعوية، فنصبح نقدم البرامج لأجل الناس ولشهرتنا عندهم لا لأجل الدعوة نفسها، وهذا ملمح خفي.
2- هاجس الأرقام قد يضع في قلب ذلك الداعية الحسد على أقرانه الذين فازوا بأعداد أكثر، فيصبح القلب مليئاً بالحقد والحسد على أخيه، وهذا الحسد قد لا يسلم منه إلا القليل، ولقد وجد مثله في زمن العلماء سابقاً وتكلموا في حسد الأقران وأن كلامهم في بعض يطوى ولا يروى.
3- البعض ربما يحزن لا لهموم المسلمين بل لأن عدد متابعيه ما زالوا في المئات أو آلاف بينما صاحبه تجاوز المليون، فعجباً لشرارة الحسد كيف تكون نتائجها.
4- مشكلة الأرقام أنها ربما جعلت صاحبنا يقع في الغيبة إذا ذكر صاحبه الذي تجاوزه في عدد المتابعين، وهذا وارد حتى إن ابن تيمية رحمه الله تعالى ذكر أن من أسباب الغيبة هو إسقاط الطرف الآخر الذي ربما تفوق عليك.
5- بعض أصحاب الأرقام قد يشعر بنشوة الشهرة مما تجعله يترفع عن الناس وربما نزلت به ذرات من الكبر فحينها يقع في “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر”.
والدواء لذلك أن تتواضع لربك وللناس وتقنع نفسك أن التوفيق الذي أحاط بك إنما هو فضل من الله تعالى لا من جهدك ولا من جهد أبيك.
6- حذار أن تكون الأرقام التي لديك تجعلك تقع في مسايرة الواقع “في المحرمات” فتتساهل في تمييعها لمتابعيك لكي لا تخسرهم، ولا يعني كلامي هذا لا تدخل الدعابة لمتابعيك، ولكن كلامي هنا هو في التحذير من تمييع قضايا الدين لأجل الناس، وقد يزين الشيطان أن هذا يزيدك شهرةً ويجعل الناس يثبتون على متابعتك ويكثرون من “لايك” لصورك أو “رتويت لتغريداتك”.
7- لا تظن أنك لما كثر متابعوك أنه يجب أن تلبي رغباتهم كلها، خاصةً في التنازلات في الدعوة.
8- أنت داعية أو طالب علم أو مربٍّ، اعرف نفسك، ولا تظن نفسك مفتياً للعالم وموجهاً لكل ما يسألون، ومرادي بذلك أن تقف عند حدود تخصصك، وألا تهجم على الفتاوى الكبار والنوازل العظام بحجة أن هذا هو ما يطلبه المتابعون.
9- قبل أن تغرد أو تصور نفسك في مواقع الفيديو، احترم مشاهديك ولا تُخرج إلا المفيد، ولا أعني هنا أن تكون رسمياً، بل كن عفوياً سهلاً ولكن احرص على جودة المادة ونفعها ومناسبتها للناس.
10- احتسب الأجر في تغريداتك التي ربما انتشرت بالرتويت وبالتصوير لها والانتشار عبر “الواتس” وغيرها من وسائل التواصل.
11- احتسب الأجر في مقاطع الصور والفيديو التي ربما شاهدها في اليوم الواحد عشرات الآلاف.
12- الأرقام يجب ألا تنسيك نفسك الضعيفة الفقيرة إلى توفيق ربها ومولاها.
13- في زحمة الأرقام سوف تجد منافسين من التافهين فلا تشغل نفسك بهم، واستمر على تميزك في طرحك.
14- احتسب الأجر في نشر الإعلانات الدعوية والفوائد العلمية عبر حسابك، ولطالما حدثتَ الناس عن الاحتساب، فلماذا لما زاد متابعوك بدأت تطلب المال على الإعلانات الدعوية، أليس هذا تناقضاً؟
15- وأنت تتقلب في أرقام الألوف أو الملايين، تأكد أنك قد تكون من أوائل من تسعر بهم النار يوم القيامة ولعلك تعرف الحديث الذي رواه مسلم في الثلاثة الذين تسعر بهم النار ومنهم العالم الذي تعلّم وعلّم لكي يمدحه الناس ويثنون عليه، فلاحظ أنه مؤثر واستفاد منه الكثير ومع ذلك لم تكن تلك الحسنات وتلك الشهرة مانعةً له من أن يتقلب في جهنم.
16- تأكد أن بعض عشاق الأرقام قد يغفلون عن الصلاة في الصف الأول لأنه مشغول “بردود تويتر ولايكات إنستجرام وملاحقة المعجبين في الواتس”، فلا تكن منهم يا مسكين وبادر للصلاة وللصف الأول وكن قدوة حسنة في علاقتك بربك وليس في صورك التي ملأت بها حسابك.
17- لا تظن أن من لم يعرف “تويتر” ولا “السناب” ولا “إنستجرام” أنه محروم، وأنك الفائز بالفردوس، وتأكد أن هذه الشهرة وهذه البرامج محل ابتلاء، وربما كان ذلك العجوز الذي لا يملك حتى الجوال، ربما كان عند الله خيراً منك ومن ملايين المشاهير.
18- يا صاحب الأرقام، لن يلحقك بعد موتك ولا رقم، إنما تلاحقك الحسنات التي قبلها الله منك، فاجتهد في عمرك القصير على عملٍ صالح خالصٍ لوجه الله لعله ينير قبرك.
19- كثرة المتابعين لا تدل على صحة منهجك؛ لأن الكثرة في الغالب هم العامة الذين لا يدركون المنهج السديد، ولذا لم يكن أتباع الأنبياء إلا القلة على مر الزمن، ويأتي نبي وليس معه أحد.
20- جلستُ مع بعض من تجاوزوا المليون في “إنستجرام” ويشتكون من إزعاج النساء عبر الرسائل، فاتق الله واحذر من النساء اللواتي ربما كان إعجابهن بك شديداً، وربما نالك شيء من عباراتهم التي تحمل في طياتها شهوات الجنس الناعم، ولا تثق بنفسك في التساهل معهم، بل كن حازماً في إغلاق ملف التواصل معهم ليسلم لك دينك.
قال سعيد بن المسيب: لقد بلغتُ الثمانين وفقدتُ إحدى عيني وأخوف ما أخاف على نفسي “النساء”.
21- وقتك يا صاحب الأرقام لا تجعله فقط في التكاثر الرقمي، فعندك واجبات أخرى: “والديك، زوجتك، أولادك، قراءة القرآن، طلبك للعلم، البرامج الدعوية المباشرة مع الناس..”، فرتب نفسك لتحقق أهدافاً أخرى.
22- ادعم حساب الدعاة الآخرين وانشر تراثهم وبذلك تكسبهم لصفك وهذا مهم لك، ومن فوائد ذلك: أنك تحفزهم للعمل الدعوي، وفي نفس الوقت تكسب أجراً في متابعة الناس لهم.
23- حاول أن تنشر فوائد متنوعة من فتاوى العلماء الثقات، واختر منها ما يناسب عامة الناس؛ لأن متابعيك ربما يكون فيهم من يحتاج للفتاوى التي تصحح عقائدهم وعباداتهم.
أسأل ربي أن يحفظك ويرعاك.
المصدر: الموقع الشخصي للشيخ العمري.