تعتمد عملية بناء الإنسان على مجموعة من البرامج والأنشطة والفعاليات ضمن بيئة تربوية يتم تصميمها بشكل مميز؛ لنقوم بعملية التنشئة الصحيحة داخل مجتمع نعمل على تصميمه خصيصاً لهذه المهمة.
ما أتحدث به ليس تعريفاً أكاديمياً يدرّس في الجامعات والجهات الأكاديمية ولا يوجد لها صدى على أرض الواقع، بل هو حقيقة تشهد له الدول التي نعمل بها.
مجمع الرحمة التنموي أحد مشاريع الرحمة العالمية الإستراتيجية في جيبوتي، يحتفل هذا العام بعشر سنوات قضاها في تدريب وتأهيل الأيتام والطلاب في عدة مجالات، والحاصل على جائزة أفضل المبادرات المجتمعية في رعاية الأيتام على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي.
دعونا نرجع قليلاً إلى الوراء، كنت أترقب جيداً في مايو الماضي نتائج الثانوية العامة في جيبوتي؛ حيث إن طلابنا الأيتام في تحدّ جديد، ولكنه هذه المرة على مستوى جمهورية جيبوتي ليتنافسوا مع المدارس ذات التعليم الفرنسي وكذلك المدارس العربية والأجنبية الأخرى، كنت متفائلاً من ناحية، وواثقاً بأبنائنا من ناحية أخرى؛ لما وجدته من جهود كبيرة بذلها الطلاب وإدارة المجمع التعليمي في الدراسة والمتابعة الحثيثة، وفي مجال النشاط الصفي واللاصفي، حيث تصدر طلابنا قائمة المسابقات الوطنية سواء في حفظ القرآن أو الشعر أو الخطابة، بل حتى في منافسات الرياضة وكرة القدم، حتى إنه تم اختيار طالبين من طلابنا لتمثيل جيبوتي في مسابقة المناظرات الدولية المنعقدة في قطر الشقيقة، وسأكون صادقاً أنني لم أتفاجأ كثيراً بالنتيجة بحصول طلابنا على المراكز الأولى على مستوى الجمهورية، لكني أيضاً وجدت نفسي شديد الفرح والسعادة لهم وبهم على هذه النتائج الرائعة.
قررت السفر إلى جيبوتي، ورغم صغر مدة الزيارة فإنني أصررت على أن يكون ضمن البرنامج اللقاء بالشباب المتفوقين لنفرح معاً بهذا الإنجاز الجميل، لقد كان لقاءً مفعماً بالسعادة، لم يكن عادياً ولا تقليدياً، لقاء من نوع آخر، لن يشعر به إلا من ذاق طعم الإنجاز الحقيقي، نعم أيتام ولكن قدوتهم سيد الأيتام محمد صلى الله عليه وسلم، شباب ذللوا سبل المعالي فاستحقوا ما وصلوا له عن جدارة.
وجدت فيهم الفخر والاعتزاز بأنفسهم أولاً، ثم بأمهاتهم الكريمات، ثم بهذا المجمع التنموي الذي احتضنهم طوال السنوات العشر الماضية حتى وصلوا إلى هذه نتيجة.
طلبت من محمد روبله، الحاصل على المركز الأول على مستوى جمهورية جيبوتي في مرحلة الثانية، ومن رفاقه المتفوقين، أن يتحدثوا عن أمنياتهم وتطلعاتهم، وكنت سابقاً قد تحدثت معهم أن لديهم ثلاثة مسارات لما بعد التخرج؛ أولاً استكمال دراستهم العليا، وثانياً دخول سوق العمل مباشرة، وثالثاً دخول دورة تدريبية حرفية وإنشاء عملهم الخاص، وإذا بهم يتفقون جميعاً على الخيار الأول وهو استكمال الدراسة الجامعية، فأخبرتهم بأننا سنكون معهم حتى النهاية.
لم يكن الأمر مفاجأة كما قلت، فهذه النتائج هي ثمار لعشر سنوات من التخطيط والعمل والتدريب والتربية السلوكية التي أثمرت بدخول 5 من أيتامنا ضمن 10 الأوائل على مستوى الجمهورية كما ذكرت، فمجمعاتنا التنموية ليست مكاناً يتعلم فيه الطلاب، بل بيئة متكاملة من التغيير السلوكي القيمي، فالتحدي الحقيقي ليس باكتساب المعلومات فقط، بل بتغيير القناعات واكتساب الخبرات، وهذه المنظومة التدريبية وجدنا أثرها من خلال إدارة تم انتقاؤها نحرص على رعايتها والاهتمام بها لتقوم بالمهمة على أكمل وجه.