بعد معركة قصيرة مع جنود مدججين بالسلاح لم يستخدم فيها عشرات الفلسطينيين سوى حجارة صغيرة، سقط أحدهم أرضًا، وبدأ يصرخ من الألم ليحمله زملائه إلى نقطة الإسعاف ويتبين أنه أصيب برصاصة في ساقه.
وفور نقل الشاب المصاب إلى المستشفى يعود البقية ليقذفوا الجنود بالحجارة قبل أن تُنهي كل شيء صرخة بكلمة “رائع” وفقرة طويلة من التصفيق الحار كل شيء.
ذلك الحدث لم يكن حقيقيا فهو مجرد مشهد تمثيلي يجسد مسيرات “العودة” والمواجهات مع القوات الإسرائيلية المتواصلة منذ نحو 9 أشهر قرب حدود القطاع.
ويأتي المشهد ضمن درس جديد يتلقاه نحو 47 شاباً وفتاة في أول أكاديمية للتمثيل تفتح أبوابها بقطاع غزة.
وبدأت الأكاديمية عملها في مدينة غزة قبل نحو 3 أشهر بهدف تدريب الشبان المهتمين بمجال المسرح والدراما لتشكيل فريق تمثيل يعمل على طرح القضية الفلسطينية أمام العالم بقوالب فنية وبرؤية فلسطينية.
يقول صاحب فكرة الأكاديمية والمشرف عليها، عصام شاهين، لوكالة “الأناضول”: إن الفكرة تولدت لديه قبل نحو 5 سنوات وبدأ حينها بالاستعداد لتنفيذها حتى تمكن من ذلك وأعلن عن استقبال المتدربين قبل نحو 3 أشهر.
وانضم إلى الأكاديمية، التي أطلق عليها المخرج شاهين اسم “تياترو فلسطين”، 47 شابًا وفتاة بينهم 7 من ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين وجدوا في تعلم التمثيل مخرجًا لإظهار مواهبهم التي قيدتها الإعاقة.
وحسب شاهين، فإن أكاديمية “تياترو فلسطين”، تعمل في الوقت الحالي على تدريب مجموعة من الشبان المهتمين بمجال المسرح، وبدأت بدورة لإعداد “ممثل مسرحي مبتدئ” تستمر على مدار 3 أشهر يضاف إليهم 30 يوما لإنتاج عمل مسرحي ضخم سيتم عرضه أمام الجمهور ويتناول قضايا من الواقع الفلسطيني.
ويوضح أنه بعد اختتام الدورة الحالية سيتم افتتاح دورة “ممثل مسرحي متقدم”، ومن ثم “ممثل محترف” بحيث تستمر كل دورة 3 أشهر وتختتم بعمل مسرحي كبير.
ويشير شاهين إلى أن الشبان الذين شاركوا في الدورة الأولى هم فقط من سيلتحقون بدورتي الممثل المتقدم والمحترف، وسيشاركون في الأعمال المسرحية الثلاثة التي سيتم إنتاجها في ختام كل دورة.
ويعكف طلاب الأكاديمية حاليا على إنتاج عمل مسرحي بعد اختتام مرحلة التدريب الأولى سيتم عرضه نهاية يناير الجاري.
ويقول شاهين إن طموح طلابه هو إيصال صوت بلادهم إلى العالم وأن يطرحوا قضاياهم ومطالبهم ومعاناتهم برؤيتهم الخاصة؛ لأنهم أقدر على ذلك من غيرهم.
وحول العقبات التي تواجه الأكاديمية، يشير المخرج الفلسطيني إلى أن افتقار الجامعات في قطاع غزة لتخصصات مثل الدراما أو المسرح شكل تحديا كبيرا، إضافة إلى عدم وجود دعم أو تمويل للأكاديمية من أي جهة كانت.
ويدير شاهين وفريقه مشروعهم بجهود وتمويل ذاتي رغم ما يعانيه معظم أعضاء الفريق من ظروف اقتصادية صعبة كبقية الفلسطينيين في غزة الذين يواجهون أزمة اقتصادية حادة منذ سنوات بسبب تبعات الحصار الإسرائيلي.
وحسب اللجنة الشعبية لرفع الحصار عن غزة (غير حكومية)، تبلغ نسبة البطالة بين فلسطينيي القطاع 70%، ومعدل الفقر وصل 80%، ومتوسط دخل الفرد اليومي لا يتجاوز 7 شواقل (دولاران) فقط.
ويتمنى فريق الأكاديمية الوحيدة بالقطاع أن يتم توجيه دعم مالي لهم من الحكومة أو المؤسسات الأهلية ليتمكنوا من إكمال مشروعهم.
الشابة الفلسطينية أمل المصري (23 عاماً) شكلت لها أكاديمية الدراما والمسرح فرصة نادرة لتعلم التمثيل وإظهار موهبتها وإثبات وجودها كشخصية مؤثرة في المجتمع.
وكانت أمل تؤدي أدوارها في المشاهد التمثيلية التدريبية بانسجام كامل وبأخطاء شبه معدومة ما يعكس شغفها بهذا الفن، كما تقول لمراسل “الأناضول”.
وتعلمت الشابة الفلسطينية في الدورة الأولى للتمثيل المسرحي، أساسيات هذا الفن، وكيفية تجسيد الشخصية التي تمثلها بحيث تظهر بشكل طبيعي دون أي مبالغة أو تصنع، والعمل مع الفريق بشكل متكامل.
وتطمح أمل إلى أن تصبح ممثلة محترفة وتحظى بشهرة إقليمية وعالمية لتتمكن من شرح القضية الفلسطينية للعالم وتظهر معاناة الفلسطينيات في قطاع غزة بسبب الانتهاكات الإسرائيلية وظروف الحصار.
ويفتقر قطاع غزة إلى المعاهد أو المراكز الثقافية التي تعلم أو تنمي مواهب الغناء والموسيقى والتمثيل، لذلك فإن أعداد الشبان الناشطين في هذه المجالات محدودة للغاية.
وفي السنوات الأخيرة برزت بعض الفرق الفنية في القطاع التي تقدم عروضاً مسرحية وأغان تراثية وعربية قديمة.
كما برز في السنوات القليلة الماضية العديد من الممثلين الفلسطينيين الذين يتناولون قضايا مجتمعية بقالب ساخر، ويقدمون اسكتشات مسرحية في الحفلات الشبابية الخاصة بالأعراس، وبعض المناسبات الأخرى.
ولا يوجد في قطاع غزة، سوى معهد وحيد لتعليم الموسيقى، ويستقبل الأطفال من سن 6 سنوات وحتى 14 سنة فقط.