تداول عاملون بالإنتاج الدرامي بمصر قائمة تضم محظورات ينبغي عدم الاقتراب منها عند القيام بإنتاج وتنفيذ أي أعمال درامية قادمة.
تضم قائمة المحظورات الدرامية عدم ظهور أي ضابط شرطة أياً كانت رتبته أو أياً كانت الهيئة التابع لها في شكل سيئ أو فاسد أو مرتشٍ أو مشارك في أي أعمال ممنوعة.
وتشدد القائمة على الابتعاد بشكل عام ونهائي عن تناول أمور السياسة والدين والجنس.
كما تحظر القائمة المتداولة ظهور المناطق الشعبية بشكل عشوائي أو بشكل متدن شكلاً وموضوعاً، ومن غير المسموح كذلك ظهور الملاهي الليلية أو البارات حتى ولو بشكل كوميدي.
ويحظر كذلك إظهار تعاطي كل أنواع المخدرات أو استخدام أساليب البلطجة، أو أدواتها مثل السنج والمطاوي.
ورغم عدم تأكيد صدور هذه القائمة عن أي جهة رسمية بالدولة، فإن الخبرات المتراكمة لدى المصريين تقول: إن كثيراً من الأمور التي يمكن أن تمثل صدمة يتم تسريبها أولاً بشكل غير رسمي كبالون اختبار، يتبعها التنفيذ مباشرة، حين التيقن من عدم وجود ردود فعل غاضبة على نطاق واسع.
وتبدو القائمة متوافقة مع تعليمات عديدة سابقة، صدرت عن الهيئة الوطنية للإعلام، بعقاب منتجين وقائمين على أعمال درامية بعقوبات أدت إلى حذف مشاهد كاملة من المسلسلات، كما حدث مع مسلسل “لا تطفئ الشمس”، الذي ظهرت في خلفية أحد مشاهده عبارة “السيسي خائن”.
وقالت مصادر: إن القائمة تعود لفكرة طرحها المخرج المعروف شكري أبو عميرة، أثناء اجتماع لكتّاب ومخرجي الدراما، بغرض تقليص ميزانيات الأعمال الدرامية، فصاغ ورقة عمل للنهوض بصناعة الدراما والعودة بها إلى الطريق “السليم والمستقيم”، تضمنت المحظورات السابقة الإشارة إليها، وتقدم بها للهيئة الوطنية للإعلام.
سخرية
ودفع تداول هذه القائمة كتّاب سيناريو ونقاداً إلى السخرية منها، فالمؤلف عمرو سمير عاطف قال ساخراً: إنها ستساهم في تربية الشعب على الخلق القويم، قبل أن يحذف تدوينته من على صفحته الشخصية، ثم يصرح بأنه غير واثق من وجود هذه القائمة.
وتشهد صناعة الدراما المصرية أزمات خانقة، تخفض سقف التوقعات بإنتاج أعمال جيدة في رمضان القادم، نظراً لتقليص الفضائيات لميزانيات الأعمال الدرامية.
والمفارقة -برأي الناقدة علا الشافعي- أن هذا الأمر يحدث ونحن نشهد تغيراً حقيقياً وواضحاً في صناعة الدراما على مستوى العالم، حيث يمكن -عبر المحمول- مشاهدة أحدث الإنتاجات الدرامية من كل دول العالم التي تعرض على الشبكات الرقمية، التي يعمل المسؤولون عنها على الدخول إلى السوق المصرية والعربية بمفاهيم جديدة، ولا يدخل في حساباتهم أصحاب الميزانيات المحدودة، والكتاب أصحاب الخيال المرن، وبغير محظورات.
وتؤكد الشافعي أن أي حديث في هذه المرحلة عن إصلاح الدراما، وحل مشكلاتها المتفاقمة منذ سنوات، هو أمر “غير مجدٍ”، خصوصاً إذا كان هناك بعض من العاملين في الصناعة ارتضوا أن “يأكلوا ما تبقى من جثة الصناعة”، دون وقفة جادة لحل أزمة الدراما، التي تعد الميزانيات الكبيرة واحدة منها وليست كل شيء.
وقال الكاتب الصحفي سعد القرش: إن مسؤولي الهيئة الوطنية للإعلام دائماً ما يؤكدون أنه «لا محظورات إلا ما يمس أمن مصر»، ويسهل إلصاق تهمة «المساس بأمن مصر» بمواطن يسهو عن الابتسام لشرطي في الشارع؛ فهو يعكر صفو أحد ممثلي أمن مصر!
والقضية لا تخص الأعمال الفنية، فهي -في رأيه- رغبة سلطوية ضيقة الأفق في “قولبة” المجتمع، والإيحاء إلى العالم بوجود مثالية مستحيلة، وتجاهل غليان عام لا تصنعه الدراما، بل تعبر عنه جمالياً.
والفن الحقيقي الصادق بمعياره الذاتي أكثر دعاية وإقناعاً من أفلام معقمة وإنتاج درامي وبرامجي خارج من غرف العناية الفائقة، ولا تشوبه ذرة من غبار، وما هكذا تورد الدراما.
وتابع: إذا استطعنا السيطرة بإجراءات بوليسية واحتكارية وبيروقراطية على إنتاجنا الفني، فهل نملك حق توجيه أجانب، أو رشوتهم، لكي يجمّلوا صورتنا؟ من السخف أن نتوهم قدرة حكوماتهم على امتلاك هذا الحق الساذج.
تعبئة
ويؤكد القرش أن الفن أكبر وأكرم من هتاف فارغ وشعار أجوف عن واقع قبيح، ورسالته جمالية بالأساس، وهذا الجمال ينطوي بالضرورة على رسائل اجتماعية وسياسية وثقافية يقصر خيال البعض من السياسيين عن استيعابها.
ولدى النظام الحالي يقين بأن للأفلام والدراما دوراً في التعبئة العامة والتوعية الوطنية بشكلها الخطابي المدرسي التلقيني، ففي مايو 2014، وُجّه إلى الممثل أحمد السقا لوم لأنه أدى في فيلم «الجزيرة» عام 2007 دور شاب يصرخ متحدياً «من النهار ده مافيش حكومة، أنا الحكومة»، فما كان من الممثل إلا أن قال: «يا أفندم، عيّل وغلط»، وفي عيد الشرطة، يناير 2015، خاطب النظام الممثلَيْن أحمد السقا، ويسرا في اللقاء الرسمي، وأقسم لهما بالله أنهما وغيرهما من الممثلين سيحاسبهم الله على أدوارهم التمثيلية.
ولن تكون الدراما بخير في أجواء عامة مربكة ومرتبكة؛ مربكة للحاكم، ومرتبكة من ردود أفعاله غير المتوقعة.
ويؤكد الناقد طارق الشناوي أن إصدار “كود” للدراما لا ينفصل عن الاتجاه الذي أعلن الممثل محمد صبحي بإعلانه رئاسة لجنة الأداء الدرامي، ولم يعلن رسمياً صبحى على الأقل حتى كتابة هذه السطور اعتذاره عن عدم قبول المنصب.
وهناك إحساس لدى البعض توارثناه جيلاً بعد جيل، وهو أن علينا اللعب تحت سقف المسموح، لا أن نحاول زيادة المسموح.
وعندما يستشهدون بالسينما الإيرانية التي صارت فاكهة كل المهرجانات العالمية، فإن هذه السينما -حتى التي تصور في الأراضي الإيرانية- تشاغب ولا تستسلم تماماً لتلك القيود، تحاول التحايل عليها.
على مستوى المشاهدين، ترى أمل محمد أنه من الأولى حظر تشويه الشيوخ والمتدينين المحجبات ووصفهم بالنصب أو الإرهاب.
ويعتقد شوقي سلامة أن القائمة لو صحت خطوة جيدة جداً، وسوف تجبر المؤلفين على التحليق بالخيال في مساحات جديدة غير تلك التي تشجع على الجريمة والعنف والسلبيات.
بالمقابل، ترى رانيا الملاح أن صدور هذا الكلام عن هذه القيادات الشائخة يؤكد أنهم لا يزالون يعيشون في الماضي.