ألغت الحكومة الهندية المادة (370) من الدستور، التي كانت تمنح ولاية “جامو وكشمير” -الجزء الخاضع لسيطرة الهند من كشمير- حكماً ذاتياً وصلاحيات وضع قوانينها ودستورها الخاص، وهي الولاية الوحيدة في الهند ذات الأغلبية المسلمة.
أمام البرلمان، وقف وزير الداخلية الهندي أميت شاه وأعلن قرار الحكومة إلغاء المادة (370) من الدستور، وتقسيم الولاية إلى منطقتين بحجة الدمج الكامل، وفي ذات الجلسة وافق البرلمان على قرار الحكومة بتقسيم الولاية، وصدّق على مشروع إلغاء وضع الحكم الذاتي الدستوري لها، ونشرت وزارة العدل نسخة من نص المرسوم وأعلنت دخوله حيز التنفيذ.
انتهاكات مضاعفة
بالتزامن مع القرار، اتخذت الحكومة الهندية مجموعة من الإجراءات تضاعف من ممارساتها القمعية تجاه كشمير؛ حيث نشرت آلاف الجنود في الولاية كقوة إضافية رداً على أي رفض شعبي لقرارها، وفرضت حظراً للتجوال، وقطعت خدمات الإنترنت وشبكات التليفون، كما منعت أي تجمعات أو لقاءات عامة في كشمير، إلى جانب اعتقال عدد كبير من قيادات وشخصيات سياسية في كشمير من بينهم مسؤولون سابقون، مثل الزعيم الكشميري سيد علي جيلاني الذي تم وضعه قيد الإقامة الجبرية رغم كبر سنه وعدم السماح له بالخروج ولو حتى لأسباب صحية.
باكستان على الجانب الآخر
في المقابل، أعلنت باكستان رفضها الإجراءات الهندية، واتخذت مجموعة من الخطوات، إذ طردت السفير الهندي لديها واستدعت سفيرها من هناك، وأعلنت تعليق التجارة مع نيودلهي، ومراجعة الاتفاقات الثنائية بين البلدين، كما قررت الاحتفاء بيوم الاستقلال الباكستاني 14 أغسطس الجاري تضامناً مع الكشميريين رداً على الإجراءات الهندية الأحادية.
تغيير ديموغرافي
وتعليقاً على هذه التطورات قال “د. ع. ق” –حرصنا على عدم ذكر الاسم حماية للمصدر من أي تضييق قد يتعرض له– في تصريحات لـ”المجتمع”: إن القرار الهندي إزاء ولاية “جامو وكشمير” يعد انتهاكاً صارخاً، فهو قد يكون مقدمة لإلغاء وتجاهل كافة حقوق شعب كشمير لا سيما الأغلبية المسلمة في الولاية، وإحكام لسيطرة السياسة الاستيطانية التي تشبه تماماً الاستيطان الصهيوني في فلسطين، وتوقع أن تكون هذه الإجراءات خطوة تصعيدية يتبعها السماح لأعداد كبيرة من غير المسلمين للانتقال إلى الولاية لصناعة تغيير ديموغرافي ضد الأغلبية المسلمة.
في السياق نفسه، وافق الصحفي الباكستاني محمد فيصل هذا الطرح، وقال لـ”المجتمع”: لطالما كانت الهند تخطط لإحداث تغيير سكاني في كشمير ذات الأغلبية المسلمة، على منوال النموذج الإسرائيلي في فلسطين، وهذه الإجراءات الأخيرة من جانب نيودلهي تجعل من الهند سلطة احتلال عسكري، ويرى أن كشمير تعتبر هي فلسطين آسيا.
قرار أحادي
أما د. جاسم تقي، رئيس معهد الباب للدراسات الإستراتيجية في إسلام آباد، فيقول لـ”المجتمع”: إن قرار البرلمان الهندي بضم ولاية جامو وكشمير للسيادة الهندية هو قرار أحادي يُعتبر عملياً إلغاء لقرارات الأمم المتحدة التي تمنح الشعب الكشميري حق المصير، وكذلك مضادة لما نصت عليه اتفاقية “شِملا” الموقعة سنة 1972 بين رئيس الوزراء الباكستاني السابق ذو الفقار علي بوتو، ونظيرته الهندية أنديرا غاندي التي نصت على أن قضية كشمير هي منطقة متنازع عليها، وأنه ينبغي التوصل إلى حل سلمي بمباحثات ثنائية فقط بين باكستان والهند، وأنهت الاتفاقية تدخل الأمم المتحدة لإجراء استفتاء عام في الولاية يشمل خيارين فقط هما إما الانضمام إلى باكستان، أو الانضمام إلى الهند، لكنه في الوقت ذاته ينفي حق الشعب الكشميري في إقامة دولة مستقلة.
وحول ما يمكن أن يحدث، أضاف د. تقي أن الخيارات المتاحة على خلفية الإجراءات الهندية، من بينها أن تلجأ باكستان إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكن هذا سيستغرق فترة طويلة كونها قضية معقدة ومتشابكة، لكنه في الوقت نفسه تخوف من أن حدة التوتر بين باكستان والهند قد يجعل الأخيرة تتجه إلى القيام بضربة عسكرية على منطقة “كشمير الحرة” وهي الجزء الخاضع لسيطرة باكستان من كشمير، لكن هذا السيناريو سيفتح الباب لحرب نووية بين الطرفين.
خلفية تاريخية
تتمتع كشمير بموقع إستراتيجي بين أربع دول، هي الهند وباكستان وأفغانستان والصين، وتنقسم إلى ثلاث مناطق، هي وادي “جامو وكشمير” ذو أغلبية مسلمة وهو خاضع لسيطرة الهند، و”كشمير الحرة” خاضعة لباكستان، و”لداخ” تنازلت عنها باكستان للصين، وهي منطقة إستراتيجية تقع بين مرتفعات “كاراكوروم” وباكستان والصين، وهي ذات غالبية بوذية، عملياً تابعة لـ”جامو وكشمير”.
يسكن كشمير في الجانبين الهندي والباكستاني أكثر من 13 مليون نسمة من أجناس متعددة منها آريون ومغول وأفغان وأتراك.
في 17 يوليو 1947، أصدر البرلمان البريطاني قانون استقلال الهند الذي أنهى الحكم البريطاني لها، وبعد نحو شهر كان قرار تقسيم شبه القارة الهندية إلى باكستان والهند على أن تنضم الولايات ذات الغالبية المسلمة إلى باكستان، مقابل انضمام الولايات ذات الغالبية الهندوسية إلى الهند، على أن يكون انضمام الولايات وفقاً لرغبة السكان، مع الأخذ بعين الاعتبار التقسيمات الجغرافية في كل منطقة.
وقت التقسيم وقعت مشكلة في 3 ولايات هي “حيدر آباد وجوناغاد وكشمير”، ففي ولاية “جوناغاد” أراد حاكمها المسلم الانضمام إلى باكستان فعارضته الأغلبية الهندوسية بالولاية، وهنا تدخلت الهند بقواتها ونظمت استفتاء انتهى بانضمام جوناغاد إلى الهند، الأمر نفسه تكرر مع ولاية “حيدر آباد” التي دخلتها القوات الهندية في 13 سبتمبر 1948 وضمتها بالقوة.
أما كشمير فحاول حاكمها الهندوسي هاري سينغ الانضمام مباشرة إلى الهند متجاهلاً رغبة الأغلبية المسلمة في الانضمام إلى باكستان وكذلك قواعد التقسيم، فازداد التوتر بالولاية، وتدخلت الهند عسكرياً واحتلت ثلثي الولاية عام 1947، تبع ذلك تدخل أممي، وأصدر مجلس الأمن قراراً في 18 أغسطس 1948 ينص على وقف إطلاق النار وإجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم، لكنه لم يتم حتى الآن.
في عام 1965 حصلت مواجهة بين الجيشين الهندي والباكستاني لكن الجهود الدولية نجحت في وقف القتال بينهما، وتكررت المواجهة في بداية عام 1971 إذ اتهمت وقتها باكستان الهند بدعم باكستان الشرقية (بنجلاديش) التي انفصلت لاحقاً في العام نفسه.
وقعت معاهدة “شِملا” في سنة 1972 بين الهند وباكستان، ونصت على اعتبار خط وقف إطلاق النار الموقع بين الجانبين في 17 ديسمبر 1971 هو خط هدنة بين الهند وباكستان، وأصبح الشطر الهندي من كشمير نحو 53 ألف كم، ويسمى “جامو وكشمير”، أما الشطر الباكستاني يزيد قليلاً على 32 ألف كم، ويعرف باسم “ولاية كشمير الحرة آزاد كشمير”.
اشتدت القبضة الهندية على “جامو وكشمير” ولم تترك متنفساً لسكان الولاية ذات الأغلبية المسلمة، حتى إن مصادر من داخل “جامو وكشمير” تقدر عدد ضحايا الاعتداءات الهندية بما يتجاوز نصف مليون قتيل، وتعرض أكثر من 80 ألف امرأة للاغتصاب، ونحو 15 ألفاً تعرضوا للإخفاء القسري، كما تم العثور على مقابر جماعية دفن فيها نحو 7 آلاف شخص، وفي عام 2018 وثق تقرير أممي أغلب هذه الانتهاكات، وخلال الفترة من عام 1989 قتل أكثر من 90 ألف شخص، واعتقال حوالي 145 ألفاً آخرين، ويشار إلى أن القانون الهندي يمنح القوات العسكرية بالولاية سلطة الاعتقال بدون إبداء أسباب أو الخضوع لمساءلة، بحجة الحفاظ على السلم العام، وهو ما خلّف عشرات الآلاف من المعتقلين.
تعد كشمير المصدر الرئيس للمياه في المنطقة، فأغلبية أنهار باكستان تنبع منها، وكذلك بعض أنهار الهند، وغنية بثروات كثيرة منها الغابات والمعادن، فضلاً عن موقعها الإستراتيجي.
المادة (370) من الدستور الهندي تشمل نصاً يحمل اسم “35 A” تمت إضافته عام 1954 يمنح ولاية “جامو وكشمير” صلاحيات وضع قوانينها، وعلَماً خاصاً واستقلالية في إدارة كل شؤونها ما عدا ملفي الخارجية والدفاع.
التشريع “35 A” يسمح للسلطة التشريعية في “جامو وكشمير” بتحديد “المقيمين الدائمين” في الولاية، وهو ما يمنحهم امتيازات في الوظائف والتعليم وحق التملك، وهو ما كان يضمن عدم العمل من قبل الهند على تغيير في التركيبة السكانية للولاية على حساب الأغلبية المسلمة.