وسط انتشار أمني كثيف، شهدت ساحات وميادين العراق، أمس الجمعة، تظاهرات حاشدة وواسعة، تركزت في العاصمة بغداد ومحافظات الجنوب والوسط، وحمل المتظاهرون شعارات جددوا فيها إدانتهم لأحداث النجف التي قتل فيها وأصيب العشرات من المتظاهرين على أيدي أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، مطالبين بالتحقيق في تلك الأحداث ومحاسبة الجهات التي ارتكبت الجريمة.
خارطة التظاهرات
وتابعت “المجتمع” الحراك الشعبي، ووجدت أن خارطة الاحتجاجات توزعت على ساحات بغداد الرئيسة، وجميع المحافظات الجنوبية، حيث لم تستوعب ساحات التحرير في العاصمة أعداد المتظاهرين الذين وصلت حشودهم إلى ساحة الطيران والشوارع القريبة منها.
وقال شهود عيان لـ”المجتمع”: إن مواجهات عنيفة اندلعت في ساحة الوثبة بين المحتجين وقوات الأمن، وإن الأخيرة أطلقت الرصاص الحي في الهواء، وعدداً كبيراً من قنابل الغاز المسيل للدموع، ما أدى إلى حالات اختناق وسط المتظاهرين الذين استخدموا الزجاجات الحارقة والحجارة ضد القوات النظامية.
وذكرت مصادر طبية عراقية أن استخدام قوات الأمن في ساحة التحرير لقنابل الغاز المسيل للدموع تسبب في إصابة عدد من المتظاهرين، بسبب سقوط القنابل على أجساد بعضهم، فيما يؤكد النشطاء أن ذلك يتم بشكل متعمد.
وفي مدن الجنوب خصوصاً البصرة، سارت المسيرات في شوارع العشار وشط العرب ومركز المحافظة، وفي ساحتي البحرية وذات الصواري، وشارع أم البروم وسط المدينة.
كما شهدت محافظة كربلاء تظاهرات واسعة في ساحتي التربية وشارع الضريبة القديمة، وتركزت الشعارات المرفوعة على التنديد باستمرار الانتهاكات والاعتداءات التي تواجه المتظاهرين، مطالبين الأجهزة الأمنية الرسمية بحماية التظاهرات، ومنع أي جهة تدعي أنها تحميها من دخول الساحات.
كما شهدت ساحات محافظة ذي قار خروج المئات من الأهالي والطلاب في مسيرات في الشوارع المؤدية إلى ساحة الحبوبي وسط مدينة الناصرية مركز المحافظة، واحتشد المحتجون وهم يرددون شعارات مناهضة لتكليف وزير الاتصالات الأسبق محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة الجديدة.
وفي محافظة واسط، عبر المئات من المتظاهرين والطلاب الجامعيين الذي خرجوا بمسيرات احتجاجية عن رفضهم لتكليف علاوي برئاسة الحكومة، مؤكدين أن مطالب الشعب ستنتصر على “أجندات الأحزاب ومليشياتها” حسب تعبيرهم.
وفي محافظات بابل والمثنى والقادسية وميسان، خرجت تظاهرات مماثلة، بينما لا يزال أنصار الصدر المعروفون بأصحاب “القبعات الزرق”، يسيطرون على ساحة اعتصام النجف الرئيسة، الأمر الذي اضطر المحتجين للانتقال إلى مكان آخر لعزل أنفسهم عنهم بمشاركة شيوخ عشائر قدموا من أطراف المحافظة وقراها.
مخاوف أمنية
وعقب سلسلة هجمات شنها أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، في النجف وكربلاء، أسفرت عن قتل وإصابة متظاهرين، سادت مخاوف أمنية من احتمال عودة عمليات العنف ضد ساحات التظاهر، بعد أن تبرأ أصحاب “القبعات الزرق” من قتل المتظاهرين، لتعود رواية الطرف الثالث للظهور التي لم تقنع أحداً في السابق.
من جهته، ندد المرجع الشيعي الأعلى في العراق، علي السيستاني، بقمع التظاهرات خاصة ما جرى في النجف، داعياً إلى تشكيل حكومة جديدة تحظى بثقة الشعب.
جاء ذلك في خطبة الجمعة التي ألقاها ممثله أحمد الصافي بمدينة كربلاء جنوبي العراق، وقال الصافي: إنه “رغم النداءات المتكررة للمرجعية الدينية، فإن ذلك لم يحل دون وقوع حوادث مؤسفة ومؤلمة خلال الأيام الماضية سفكت فيها دماء غالية بغير وجه حق، وكان آخرها ما وقع في مدينة النجف الأشرف مساء الأربعاء الماضي”.
وكان الصدر أمر أصحاب “القبعات الزرق” بالعمل مع قوات الأمن لتفريق تجمعات المحتجين بحجة إبعاد من يزعم أنهم “مخربين ومندسين”، وعلى إثر ذلك بدأ أنصاره بحملة منسقة لاقتحام ساحات المتظاهرين في بغداد ومدن أخرى وسط وجنوبي البلاد، واستخدموا القوة المفرطة، بما في ذلك الرصاص الحي.
وسقط إثر ذلك 11 قتيلاً وأصيب 122 في هجوم على متظاهرين كانوا يعتصمون في ساحة الصدرين وسط مدينة النجف، مساء الأربعاء الماضي، وفي مدينة كربلاء، اقتحم أنصار الصدر ساحة الاعتصام، أول أمس الخميس، ما أدى لإصابة 10 متظاهرين بالرصاص.
وبعد خطبة المرجعية، دعا محافظ النجف، لؤي الياسري، القوات الأمنية في بيان رسمي، إلى ما وصفه بـ”الضرب بيد من حديد على كل من يعتدي على المتظاهرين”.
وأضاف: “تم تشكيل لجنة تحقيق عليا للوقوف على ملابسات الهجوم على المتظاهرين، وتسليم التقرير النهائي للجهات القضائية لمحاسبة المقصرين والمؤججين للفتن لينالوا جزاءهم العادل وفق القانون”.
شعارات المتظاهرين
تعتبر مظاهرات واحتجاجات يوم الجمعة من كل أسبوع في العراق، معياراً لمدى زخم ودعم الشارع للقرارات السياسية التي تتخذها الدولة للاستجابة لمطالب التغيير، ويعتبر مدى المشاركة إلى جانب الشعارات التي تتردد فيها مؤشراً مهماً على مدى رضى الرأي العام.
وقد رفعت التظاهرات هذا الأسبوع شعارات ضد تكليف محمد علاوي بتشكيل الحكومة الجديدة، وضد عدد من الشخصيات الحزبية أبرزها مقتدى الصدر، رغم تحذيرات أطلقها أنصاره مسبقاً بمهاجمة أي تظاهرة تهاجم زعيمهم أو تردد شعارات ضده.
وطالب المحتجون بتكليف رئيس وزراء مستقل نزيه لم يتقلد مناصب في الدولة سابقاً، ولا يدين بالولاء للأحزاب السياسية التي حمّلوها مسؤولية الفساد في البلد، كما طالبوا برحيل ومحاسبة كل النخبة السياسية المتهمة بالفساد وهدر أموال الدولة، والتي تحكم منذ إسقاط نظام صدام حسين عام 2003.
كما هدد النشطاء بتصعيد الاحتجاجات في أرجاء العراق إذا لم تعلن السلطات خلال أسبوع واحد عن آلية لإجراء استفتاء شعبي من أجل اختيار رئيس وزراء جديد.
ونقلت وكالة “الأناضول” التركية، عن منسق احتجاجات محافظة ذي قار قوله: إن “ساحة اعتصام الحبوبي، اتفقت مع ساحات اعتصام محافظات الوسط والجنوب وساحة التحرير في بغداد، على أن يتم إجراء استفتاء شعبي على منصب رئيس الوزراء”.
وأضاف: أن “ساحات الاعتصام اتفقت على منح الحكومة ومفوضية الانتخابات والقضاء أسبوعاً واحداً للإعلان عن الآلية التي سيتم بها إجراء الاستفتاء، للخروج بموقف موحد من رئيس الوزراء القادم”.
وتابع الجابري: أن “ساحات الاعتصام ستتولى ترشيح شخصيات غير جدلية وغير حزبية، ومتماشية مع توجيهات المرجعية الدينية في النجف، وعليها إجماع وطني، وستقدم إلى الجهات الرسمية لطرحها في الاستفتاء الشعبي”.
من جهته، قال منسق احتجاجات ديالى كامل الجبوري: إن “اتصالات أجريت ليلة الجمعة بين ساحات الاعتصام في بغداد ومحافظات وسط وجنوب البلاد، وتم الاتفاق على استفتاء شعبي لإنهاء الأزمة بشأن مرشح رئاسة الوزراء”.
ويشهد العراق احتجاجات غير مسبوقة، منذ مطلع أكتوبر 2019، تخللتها أعمال عنف خلفت أكثر من 600 قتيل، ويطالب المحتجون برئيس وزراء مستقل، وبرحيل ومحاسبة كل النخبة السياسية المتهمة بالفساد.