حينما نقول خريطة الطريق، لا شك يستشعر الإنسان أو القارئ من العبارة أنها عبارة؛ نعم من كلمتين ولكن تحوي مشواراً عملياً وتكتيكياً وزمنياً طويلاً وعميقاً، ومتراكم المعلومات والخطط والحوادث حتى نصل إلى نضوج الخريطة، وتتضح الطرق الرئيسة والفرعية والمفاجئة من خلال “خريطة الطريق”.
ترمب وصفقته التي يدعي
ما يتفوه به الرئيس الأمريكي حول فلسطين المحتلة لم يكن نتاج حقبته التي جاء فيها، ولكنها خريطة اكتملت حسب تصوره، اكتملت وتكاملت في رئاسته ووجوده كمسؤول في أمريكا اليوم فوجب قطف الثمرة.
هي بدأت منذ زمن بعيد أكثر مما نتصور، ولكن وضعت الخطوط الأعرض عام 1948م، ثم وضعت الخطوط العريضة عام 1967م، ثم بدأت في وضع أو بالأحرى رسم الفرعيات على الورق عام 1973م، واليوم يعمل ترمب كما ينطق ويعتقد أنه في مرحلة الكمال والنضوج، فلا بد من وضع الخريطة بتكامل أمام الجميع، ووضع الجميع أمام الأمر الواقع بعد هذا المشوار الذي من خلاله تم رسم الخريطة بالشكل الصحيح والدقيق حسب تصوره.
يعتقد ترمب و”النتن يايو” أنهم أحرجوا العالم الإسلامي في مشهدهم الذي ظهروا فيه “سيناريوياً” أمام الناس والعالم من أجل بيان “صفقة القرن” كما يدعون، إلا أنهم من خلال أسلوبهم ما أراها وما يقصدون فيها إلا “صفعة القرن!” لمن يعارضهم، ولكنها حقيقة كما أرى ستعود عليهم لا لهم، وهذا وعد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
عمل اليهود منذ القدم للسيطرة على القدس والشام والعالم عموماً منذ “سبتاي زيفي” نبي يهود الدونمة قبل 350 سنة تقريباً، وقبل ذلك بكثير وأكثر مما نتصور؛ لأنهم ينطلقون من منطلق عقيدتهم التي تقول: “لا بد من الرجوع إلى فلسطين وبناء الهيكل مكان المسجد الأقصى”، وهذه العقيدة تجاهروا بها بينهم بداية عام 43م يوم أن قامت “القوة الخفية” وتأسست لذلك وللقضاء على كل دين غير اليهودية التوراتية.
عملت اليهودية الصهيونية العالمية بكل ثقلها من أجل الرجوع إلى فلسطين، وكانت تعلم علم اليقين والأكيد: “ما دام في المسلمين خلافة؛ لم ولن ولا يمكن أن تكون فلسطين لليهود”، فعملت بكل ثقل على قتل الخلفاء، وزراعة الفتن في بلدان الخلافة، وعملت على نخر الدولة الإسلامية أينما كانت وأين ما قامت حتى توصلت إلى إنهاء هذه العقبة ولا رجعة لها، حسب تصورها، وذلك في إسقاط الخلافة العثمانية، ومن ثم “سايكس بيكو” والقومية العربية وغيرها من قوميات في الأمة لتقاتل الأمة من أجلها وهي الباطل، وتعمل وتقاتل يهود من أجل عقيدتها ودينها.
اليوم بين ترمب أنه وصل الذروة من حيث الثمرة ونضوجها كما يتصور.
نعم أيها القارئ الكريم؛ لأنه رأى أن الإعلام بدأ يقول: “دولة إسرائيل” بدلاً من “الكيان الصهيوني المحتل”، والصهاينة تحركهم عقائدي ونحن قومي! وشتان بين التحركين، وبدأ يرى أن بعض المتصهينين من مسؤولين وعوام ومثقفين من يقول: “إن فلسطين أصلاً لليهود”، وشعر ترمب أن القادة أو البعض من القادة العرب لا يمكن أن يحرك ساكناً إلا إذا كان لمصلحة “الكيان الصهيوني”، ومن ثم يصب هذا التحرك لمصالحهم الشخصية -بعض القادة- ومراكزهم الوظيفية.
ويشاهد ترمب من يروج ويعمل للكيان الصهيوني المحتل بشكل أو بآخر بقولهم: “إن الفلسطينيين هم من باع فلسطين لليهود!”، وهذا لا شك مخالف للحقيقة، ولكنه جزء من تمهيد قبول الخريطة ونتائجها ومن أهمها “اللامبالاة في فلسطين وأهلها”، لنصل إلى ما نحن فيه اليوم مع مرور الزمن، حتى ظن ترمب أنه وصل إلى قمة النضوج، فأقبل على ما يسمى بـ”صفقة القرن” للتنازل عن فلسطين والمسجد الأقصى والقدس لصالح الكيان الصهيوني المحتل.
ونحن على يقين أن هذا لم ولن يتم ما دام هناك من لا يلتفت إلى من خذله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن على يقين أن من هم في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس هم نواة الخير والرفعة لهذه الأمة، للعودة بها إلى ما كانت عليه من رقي وقيادة للإنسانية.
نعم أيها القارئ الكريم، فما أخذ بالقوة والانطلاق العقائدي، لا يمكن أن يعود إلا بالانطلاق من المعتقد الإسلامي وبقوة السلاح والتزام طريق الصلاح والفلاح في رضا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.