تتكون الهند من 28 ولاية، مع وجود نظام برلماني ديمقراطي، ويقطن أغلبية السكان من المسلمين في ولاية كشمير، وفي كيرلا، وكانت قبل كونها جمهورية مستقلة مستعمرة بريطانية، أخذها الاستعمار البريطاني بعد مكر وكيد وتخطيط في عهد انحطاط الدولة المغولية للمسلمين، بعد ما حكموها أكثر من سبعة قرون، واستقلت الهند من الاحتلال البريطاني عام 1947م.
وصل التعداد السكاني للهند إلى نحو مليار و370 مليون نسمة، وذلك وفق بيانات الأمم المتحدة في يوليو 2019م، وعدد المسلمين فيها حسب الإحصائيات الرسمية 230 مليون نسمة، والحقيقة أن عددهم يربو على 300 مليوناً، وبهذا العدد الكبير تتميّز الهند بأنها تحتضن الكثير من الأعراق، والأديان، واللُّغات؛ مما يجعلها دولة غنية بالتنوّع الثقافي، كما عرّضها للكثير من المشكلات، أهمّها: الفقر، وسوء التغذية، والأُميّة.
وتعتبر الهند موطناً لما يقارب 461 لغة ولهجة، وقد انقرضت حوالي 14 لغة، حيث يتحدث غالبية الهنود الشماليين باللغة الهندية، ولكنها لا تعتبر وسيلة التواصل في الجزء الجنوبي من الهند، وقد اعترف دستور الهند بما يقارب 22 لغة رسمية في البلاد، ومن أهم اللغات ما يلي: السنسكريتية، الهندية، الإنجليزية، الغجراتية، البنجابية، البنغالية، الأسامية، دوغري، الأردوية، الأوريا، المراتهية، الكنرية، التاميلية، التيلجو، المليالم، وغيرها من اللغات.
الهندوس والبراهمة
الهندوسيّة من الديانات القديمة التي يُقدّرُ عدد أتباعها بأكثر من مليار شخص، ويعرف الكثير من الناس أن الهندوسية ديانة يعتنقها الأغلبية من سكان الهند، واشتُقّت كلمة هندوسيّة من الاسم «هِندُو» الذي يعود لأصلٍ فارسيّ، ولكنه لم يُستخدم لوصف هذه الديانة، بل اعتمد عليه الفُرس في وصف القبائل التي تعيش خلف نهر السند، والحق أن اسم الديانة الهندية هو «آريا دهرم أو ويدِك دهرم» حسب الكتب المقدسة، كما أُطلِقَ عليها اسم «الهندوكية».
ويعتقد كثير من الناس اليوم في العالم أن الديانة الهندوسية هي مجموعة عقائد أو نظريات وثنية اتفق عليها معتنقو هذه الديانة، وجميع من في الهند من الوثنيين هم الهندوس، وعباد البقر، وعباد الأصنام والأحجار، لكن الحقيقة أن الهندوسية ليست ديانة بمعنى الكلمة، بل مجموعة طقوس وتقاليد، وأعراف وعادات للشعوب المختلفة، جمعت وضمت بعضها إلى بعض في مختلف العهود، ودونت في عهد غارق في القدم، وتوجد عليها مسحة من سياسة البراهمة السلالة الآرية التي دخلت في الهند وعبّدت أهلها، ومن هنالك يختلف أهل منطقة في العقيدة والعبادة، والطقوس والتقاليد عن منطقة أخرى، والهندوس فئات وأقسام، وتوجد بينهم خلافات شديدة في صميم عقيدتهم، وطقوسهم.
وكذلك الهندوس ليسوا سواء، فمنهم البراهمة الذين تحكموا في رقاب الناس بدهائهم ومكرهم، وجعلوا أهلها شيعاً، وأثروا على ديانتهم، وتقاليدهم، وغيروا من طقوسهم وأعرافهم كثيراً، وهم قلة قليلة منذ القدم (نحو 15%)، بينما الأغلبية الكبيرة من الهندوس من السكان الأصليين هم 80%، وهم كانوا الضحية الأولى للبراهمة الغاشمين الظالمين، وبقوا تحت ظلمهم وسيطرتهم، وغطرستهم قروناً، وتحت وطأة السلالة الآرية منذ القدم، فحكمت هذه الأقلية الظالمة بدهائها ومكرها، وعاشت الأغلبية الكبيرة والطبقات الساذجة من مختلف القبائل والشعوب التي ترجع أصولها إلى السكان الأصليين من البلاد تحت هذا العدوان الغاشم، والظلم والاضطهاد البشع، ولقوا من البراهمة المعتدين المحتلين متاعب ومعاناة، وتعاملاً لا يليق بالبشر.
ونجد في التاريخ أنه قامت في العهود التاريخية المختلفة بعض الحركات الإصلاحية الثائرة على البرهمية وعدوانها، والنظام الطبقي الجائر، وكان لبعضها صدى وآثار ملموسة، ولكنها خمدت نارها، وسكنت ثورتها بدهاء البراهمة الماكرين، وحينما دخل الإسلام في الهند ورأى أهلها من الطبقات المضطهدة البائسة القيم الإنسانية الرفيعة، والأخلاق النبيلة، والتعامل الإنساني الجميل في الدعاة الفاتحين من المسلمين تأثروا بهم كثيراً، وكم منهم دخلوا في الإسلام.
الحقبة الإسلامية
قدم المسلمون إلى الهند ودخلوها فاتحين، ودعاة مبلغين ومربين، وسجل التاريخ أن الجيش الإسلامي دخل تحت قيادة محمد بن قاسم إلى السند عام 93ﻫـ/ 711م، فقامت دولة للمسلمين، وكانت لهم جولة وصولة وكلمة مسموعة، وقد اهتم الأمراء والحكام المسلمون في الهند ببناء المساجد الشامخة التي كانت بمثابة مدارس إسلامية، كما عمر العلماء الزهاد والصوفية الخانقاهات والزوايا التي لم تكن أمكنة للتزكية والسلوك فحسب، بل كانت مراكز قوية للتعليم والتربية، وجاء السلطان محمود الغزنوي في القرن الخامس الهجري، وكان شغوفاً ومعروفاً باهتمامه الزائد ببناء المدارس والمساجد، ولما كان ذلك من عادة السلاطين فلم يكن الناس إلا على دين ملوكهم، اعتنى الناس ببناء المساجد والمدارس، واهتموا بالتعليم والتربية، فكم من مدارس أقيمت وأسست، وكم من مساجد شامخة بُنيت وعمرت، وكم من مراكز وزوايا تأسست، وما كان ذلك إلا من أجل الاهتمام بالتعليم والتربية، وإنشاء المدارس، كما أسس المسلمون مدنية راقية في البلاد، وحكموا أهلها بحب ووئام، ومرونة القلب وسعة الصدر.
وبقيت حكومة المسلمين في الهند منذ ذلك الحين إلى عام 1867م بين حكومات كبيرة وصغيرة ومستقلة وتابعة، وكانت راياتهم تخفق على هضابها حتى وطأتها أقدام الاحتلال الإنجليزي، وبدؤوا يحتلون منطقة بعد منطقة، ويسيطرون على إقليم تلو إقليم، إلى أن جثم الاستعمار البريطاني على الهند كلها، وتربع على عرشها، ثم نالت الهند استقلالها من وطأة الاستعمار بجهود مضنية طويلة عام 1947م، وأصبحت جمهورية علمانية منذ ذلك الحين، ووضع الدستور الديمقراطي للبلاد.
وكان المصلح الاجتماعي «بهيم راؤ أمبيدكر» (1891 – 1956م)، المعروف شعبياً باسم «باباصاحب»، قد عُين رئيساً للجنة صياغة الدستور الجمهوري الهندي، وكان من الطبقة المنبوذة المضطهدة، وقام بحركة قوية ضد النبذ والظلم على المنبوذين، وكان «أمبيدكر» رجلاً عصامياً عبقرياً، وكان يرى التحول من الهندوسية إلى السيخية التي شجعت المعارضة على الظلم والاضطهاد ولكنه لم يقتنع بها، وكذلك كان يرى أن يتحول إلى الإسلام، ويعتنقه، ولو تحول إلى الإسلام لتبعه الملايين في الدخول للإسلام، ولأجل ذلك دبر له بعض الناس المكائد، فلم يتم ذلك، ثم بعدما درس البوذية وتأثر بها مال إليها.
وقد تم صياغة القانون الديمقراطي تحت إشراف «أمبيدكر»، والنص الذي أعده قدم ضماناً دستورياً من الحريات المدنية لجميع المواطنين على اختلاف النظريات والديانات، بما فيها حرية الدين، وإلغاء النبذ، وحظر جميع أشكال التمييز، وعلى كل حال، كانت جهوده قوية في معارضة النبذ، والظلم.
خطر البراهمة
وبعد استقلال الهند تغير الكثير من الأوضاع والأحوال، ووضعت البراهمة الماكرة خططاً وإستراتيجيات جديدة في النظام الديمقراطي الجمهوري، وكان من خطتهم أن تكون الهند دولة هندوسية بحتة، وأصبح المسلمون بعد الاستقلال هم العدو الأول للبراهمة، رغم أنهم كانت لهم جهود جبارة مستمرة في تحرير البلاد، فلم يكن من السهل الميسور للبراهمة ومن على شاكلتهم حينئذ أن يعلنوا عن عدائهم السافر للمسلمين، فاندلعت إثر خروج الاستعمار البريطاني اضطرابات طائفية هائلة، ابتلعت الملايين من الناس، وتم فصل الباكستان عن الهند؛ مما أثر في سياسة البلاد كثيراً.
وبعد الاستقلال السياسي للبلاد، بدأت العقلية البرهمية العدوانية في نسج المؤامرات على المسلمين بصورة خاصة، وكانوا يريدون أن يحرموا المسلمين من الحقوق الدستورية ويضيقوا الخناق عليهم، وألا يبقى لهم عز ولا كرامة، وكان عداؤهم وكراهيتهم للإسلام والمسلمين في غير خفاء، وكانوا يخفون حقدهم ومؤامرتهم على الفئات الأخرى المضطهدة البائسة أيضاً مكراً وسياسة، ومع أن البراهمة قلة قليلة في البلاد، والأغلبية الموجودة من السكان الأصليين الذين يعتبرهم كثير من الناس أنهم هم الهندوس، وليس الأمر كما زعموا، إنهم ليسوا هندوسيين مثل البراهمة، وليسوا في مستواهم من العداء والكراهية للإسلام والمسلمين، بل إنهم أيضاً لقوا عبودية جائرة، وظلماً شنيعاً من البراهمة، ولكن البراهمة بدهائهم ومكرهم طالما ضموهم إليهم، واعتبروهم من أنفسهم، وأوقعوهم في الاضطرابات الطائفية على المسلمين، حتى ظن العالم أن الهند أغلبيتها هندوس غلاة، وأعداء للإسلام.
وفي الآونة الأخيرة لما تولى الحكم الحزب السياسي الأخير الذي يمثل النزعة البرهمية، أصبحت البلاد تعاني صنوفاً من الأخطار التي تهدد الفئات المختلفة بصورة عامة، والهوية الإسلامية بصورة خاصة، فجاهروا بعدائهم للإسلام، ومكروا ودبروا ضد المسلمين، وحاولوا أن يرعبوهم في البلاد بأساليبهم الماكرة المختلفة، فكم من شباب زُجوا في غياهب السجون والمعتقلات، وصبوا عليهم من النكال ما لا يعلمه إلا الله، وكم منهم قُتلوا بتهمة ذبح البقر، وهم منه براء، وكم من المسلمين قتلوا في الحقول والمزارع، والقطارات والشوارع، على مرأى ومسمع من الحكومة.
وأخيراً بدؤوا -حسب خطتهم- تغيير القانون الديمقراطي إلى القانون الهندوسي البرهمي الخالص؛ فاستهدفوا الأحوال الشخصية للمسلمين، وأتوا بقانون جديد في الطلاق والنكاح، ونفقة العدة؛ مما يعارض النصوص الشرعية، ويعارض حرية الإنسان التي يمنحها القانون الجمهوري في الهند منذ القدم، ومن هنالك هجموا على الإسلام، وعلى الدستور الجمهوري معاً، وبدؤوا حربهم باسم الإسلام، مع أن الفئات المختلفة الأخرى يتأثرون بها.
ومكروا على مسجد «بابري» الذي بني لعبادة الله وحده، وقد هُدم بأيديهم ومكرهم قبل سنوات، وكان الموضوع في المحكمة العليا للبلاد منذ ذلك الوقت، والدلائل والبراهين العلمية والتاريخية تؤيد موقف المسلمين، فنفخوا في رماد الموضوع من جديد، وأثاروا القضية التي كانت في ملفات المحكمة، وادعوا بأنهم يبنون معبد الإله «راما» على أنقاض المسجد، ولم تكن هذه الأمور إلا ليخربوا أمن البلاد، ويرعبوا المسلمين، ولكي يستمروا في طغيانهم واستبدادهم السياسي، الذي يدل عليه تاريخهم الأسود الكريه.
وليس المسلمون وحدهم المستهدفين، بل يستهدفون كل الفئات الأخرى المظلومة البائسة، التي يحرضونها في كثير من الأحيان على المسلمين ويوحدونهم باسم الديانة الهندوسية تحت راية العداء للإسلام.
وقد نهبوا البلاد وأضروا بها سياسة، واقتصاداً، فكم من الفلاحين الفقراء قتلوا أنفسهم بأيديهم لخسائرهم الفادحة، وغلاء الأسعار، وكثرة الديون المثقلة على رقابهم، وقلة عائدهم بعد تعبهم وعنائهم في الحقول والمزارع، وكم من تجار ورجال أعمال يواجهون العناء اليوم من شدة الضرائب المجحفة، حتى لقيت التجارة والصناعة كثيراً من الخسائر!