نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا لأندرو إنغلاند وهبة صالح قالا فيه إن الدول العربية ذات الدخل المتوسط تواجه خيارات صعبة بسبب فيروس كورونا.
وستجد دول من الأردن إلى مصر صعوبة في تخفيف الآثار الاقتصادية للوباء. فمن بين الدول العربية كان الأردن الأسرع في اتخاذ إجراءات راديكالية لاحتواء فيروس كورونا. وتم تفعيل قوانين الدفاع الوطني التي لا تستخدم إلا في أوقات الحرب للتعامل مع الوباء ومنع انتشاره في البلاد. ونشرت القوات المسلحة في الشوارع السريعة وأعلن عن حظر للتجوال ومنع السفر والتحرك في داخل محافظات البلاد إلا للضرورة القصوى. وحصل هذا في الوقت الذي لم تسجل فيه المملكة سوى 70 إصابة من كوفيد-19 بدون تسجيل أي حالة وفاة.
ويقول المحللون إن المواطنين القلقين من انتشار الفيروس رحبوا بالإجراءات القاسية. ووصل عدد حالات الإصابة يوم الأربعاء في البلد الذي يصل تعداد سكانه 10 ملايين نسمة إلى 349 حالة. والآن وبعد تمديد حالة حظر التجوال والسماح للسكان بمغادرة بيوتهم مشيا لشراء ما يحتاجون، بدأ الكثير منهم يتساءلون بقلق عما سيحدث بعد ذلك في بلد يواجه دينا يصل إلى 100% من الناتج المحلي العام بالإضافة لنسب عالية من البطالة ومحدودية في القدرات المالية لحماية الاقتصاد من الصدمة.
ويقول إبراهيم سيف، الوزير السابق والمدير العام للمنبر الأردني الإستراتيجي: “لا أعرف كيف سنعبر هذا بعد احتواء الفيروس، وسنستيقظ على واقع اقتصادي صعب“، وأضاف: “حياة الناس هي شيء مهم لكنك لا تستطيع تجميد اقتصادك بالكامل كما فعلت بقية الدول أو استطاعت عمل هذا. فنحن لا نستطيع تحمل تجميد كل الاقتصاد”. وهذا مأزق لا تستطيع الدول العربية من ذات الدخل المتوسط تجنب مواجهته، في منطقة تعاني من أعلى مستويات البطالة بين الشباب في العالم.
وتعاملت كل دولة عربية مع الوضع بطريقة مختلفة. وفي الوقت الذي قدمت فيه السعودية والإمارات اللتان تصدران النفط حزم مساعدات بالمليارات، لم تكن دول مثل المغرب والأردن ومصر وتونس قادرة على تقديم إلا الحد الأدنى من المساعدات للتجار والأعمال. وستكون صدمة فيروس كورونا على الشرق الأوسط هي ما جعل دوله على أكبر احتمال تعتمد على المساعدات الدولية.
واستطاع الأردن الحصول في الشهر الماضي على 1.3 مليار دولار كقرض من صندوق النقد الدولي، وهو قرض أمنه قبل اندلاع الوباء لكن تم تكييفه لمساعدة البلد للتعامل معه. وطلبت تونس أيضا مساعدة من صندوق النقد الدولي الذي يقوم بتجهيز 3 مليارات دولار كقروض للمغرب. أما الجزائر والعراق ولبنان التي تواجه أسوأ الأزمات الاقتصادية حتى قبل انتشار الوباء فتقوم باستكشاف طرق للمساعدة من صندوق النقد الدولي، حسبما قال جهاد أزعور المسؤول البارز للصندوق في الشرق الأوسط. وقال: “نحن نواجه أكبر الأزمات تحديا في التاريخ، من ناحية الحجم والتعقيد. وهذه المرة تعتبر منطقتنا وللأسف على الخط الأول للقتال”.
وبحسب كابتيال إيكونوميكس فسيسهم انهيار السياحة بتقليل الناتج المحلي العام بسبة 2-3% في الأردن ومصر والمغرب وتونس. كما ستتراجع تحويلات المغتربين في دول الخليج وأوروبا التي تعد مصدرا رئيسيا للعملة الأجنبية. وقال أزعور: “هل ما سيقدمه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبقية المؤسسات كاف؟ ربما لا” و”هنا يجب على المجتمع الدولي التدخل”.
ففي مصر التي كان اقتصادها يشهد نموا جيدا بعد حصولها عام 2016 على قرض من صندوق النقد الدولي بـ 12 مليار دولار مرتبط بإجراء سلسلة من الإصلاحات، قامت منذ بداية الأزمة بسحب ما بين 7-9 مليارات دولار من أسواق السندات والدين. وكانت مصر من الدول التي حاولت بناء توازن بين احتواء كوفيد-19 وتجنب تجميد اقتصاد بلد يبلغ عدد سكانه 100 مليون نسمة بنسبة كبيرة منهم يعتمدون على الأجر اليومي وبدون توفير ليساعدهم في الأزمة.
وفي الوقت الذي حث فيه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي السكان على ممارسة التباعد الاجتماعي إلا أنه أكد على استمرار العمل في المشاريع الكبرى. وانتقد عدد من كبار رجال الأعمال ومنهم نجيب ساويرس الإغلاق الجزئي وحذروا من أثره السيئ على الاقتصاد. وقامت السلطات بتحديد ما يمكن للمواطن سحبه من البنوك وخفضت من سعر الفائدة. إلا أن تداول الجنيه المصري ظل ثابتا أمام الدولار الأمريكي مقارنة مع الاقتصاديات الصاعدة الأخرى. وهو ما قاد إلى تكهنات عن قيام الدولة بإنفاق 1.27 مليار دولار لدعم السوق المالي وتدخلت في دعم العملة من خلال الاستناد إلى الاحتياط الأجنبي وقيمته 45 مليار دولار.
وقال جيسون توفيه، المحلل البارز في كابيتال إيكونوميكس: “ما يثير القلق هو العودة إلى الطرق القديمة السيئة ما قبل 2016، أي التدخل القوي”، مضيفا أن المصريين “يستطيعون الاستمرار بالتدخل لمدة أطول لكن نضوب رأسمالهم الاحتياطي بسرعة قد يضع مصر في وضع خطير”.
ويقول مصرفيون مصريون إن الحكومة قد تجعل العملة تفقد قيمتها تدريجيا، وهذا يعني زيادة التضخم وزيادة كلفة خدمة الدين. وتقوم مصر بتخفيض قيمة خدمة الدين لكنها لا تزال تمثل 80% من الناتج المحلي العام. كما أن مستوى الدين للناتج المحلي العام في الأردن وتونس يظل أعلى. ويرى يان فردريك، المحلل في فيتش، أن مخاطر دخول الدول المستوردة للنفط بالمنطقة في أزمة دين قد تزايدت، و”في الوقت الحالي نشاهد حواجز كافية”، ولكن قرار كل دولة حول كيفية دعم الاقتصاد هو عملية مقايضة معقدة.