شهدت الكويت أثناء أزمة كورونا نشاطاً استثنائياً لكل الأجهزة الحكومية، وفي مقدمتها مجلس الوزراء والوزراء، فلأول مرة نشهد نزولاً مكثفاً من الوزراء إلى الميدان، لزيارة المرافق الأمنية والصحية والزراعية والغذائية والمطار والجمعيات التعاونية، ومراكز الكهرباء والطوارئ والمنشآت النفطية، والمحلات التجارية والأسواق، وهو مفتقد تماماً في الأيام الاعتيادية.
فقد شهدنا وزير الداخلية بشكل شبه يومي يزور المراكز الأمنية ويتفقد العمالة المخالفة والمحاجر، وهو ما قام به وزير الصحة من حركة دؤوبة لافتة، وقام بجولات مشابهة كل من وزراء التجارة والإعلام والشؤون والكهرباء، ونشطت وزارة الأشغال لإنهاء أسفلت الشوارع، وسبق هؤلاء جميعاً رئيس الوزراء.
بل وجدنا التفتيش الصحي والغذائي والبيئي والسكني، ومراقبة المحال والمطاعم والشركات والعمالة، وحركتها سارت بوتيرة غير معهودة من المراقبة اليومية والمتابعة والمخالفة وإغلاق المحال وسحب الرخص، لطمأنة الناس وإعلامهم باهتمام جدي ونسق واحد ومركّز؛ مما أوجد حالة من الارتياح والثناء، رغم وجود ملاحظات وثغرات تتصل بالإدارة الحكومية بوجه عام وخضوعها للضغوط السياسية أو للمساومات التوفيقية أو للواسطات من أصحاب النفوذ أو لدوافع اجتماعية أو اقتصادية أو غيرها، غير أن الأداء العام الإيجابي كان لافتاً في مرحلة أزمة كورونا، وهو ما نتساءل معه عن سبب غياب ذلك في الأوقات الطبيعية، رغم معرفة الحكومة لمواضع الخلل والنقص وأحوال غياب الجدية وغياب العقاب والثواب.
إذاً ليس للحكومة عذر في المستقبل إنْ هي أهملت أي ملف أو تراخت في أي قضية أو تلككت في تنمية البلد وإصلاح أحواله ومواجهة الفساد والإهمال والتفريط في أداء الأجهزة الحكومية، فكما رأينا أن أزمة كورونا غيرت مسار وأسلوب إدارة الدولة من حيث السرعة، وتحقَّق الإنجاز وحُوسب المُقصّر باستنفار الأجهزة وفاعلية الرقابة وتطبيق القانون وإيجاد الحلول والشفافية والمكاشفة في معظم القرارات والأعمال، فإن ذلك كله صار اليوم حجة على الحكومة وأساساً مرجعياً لمنهجيتها ولمحاسبتها، إن هي تراجعت في شؤون إدارة الدولة.
وهو ما يجعلنا أكثر تفاؤلاً أن يتم نقل الدولة نوعياً وإعادة بنائها بكل النواحي، مع الشفافية الكاملة، فكويت المستقبل وما بعد كورونا، يجب أن تكون مختلفة عن كويت ما قبل كورونا.
ولعل من دروس أزمة كورونا نخلص إلى حقائق جوهرية؛ هي أن بقاء الخطوط الكويتية مملوكة للحكومة، واستمرار الجمعيات التعاونية بإدارة مناطقية شعبية بعيدة عن الخصخصة، إلى جوار وجود شركات مملوكة للحكومة في مجالات حيوية لحياة الناس مثل شركة المخابز وشركة المواشي وشركة المشروعات السياحية، والمرافق الصحية والمدارس الحكومية، كل ذلك كان سبباً في دعم الأجهزة الحكومية وفاعلية الإجراءات التي تمت وتتم حتى الآن، وهو ما يؤكد عدم جدوى خصخصة الخدمات والمرافق الحيوية، من أجل تنفيع شخصيات متنفذة أو تجار جشعين، أو شركات ورقية غير منتجة، وها هو ملف العمالة الهامشية السائبة والمكدسة إسكانياً بسبب نهج التربح والجشع قد انفجرت قنبلته، مما ينبغي معه فتح هذا الملف للمحاسبة الصارمة، وغيره من الملفات المماثلة.
_______________________
المصدر: “القبس”.