يشكل العمال الأجانب الغالبية العظمى من القوى العاملة في منطقة الخليج، ما يعني أن الصرف الجماعي الحاصل الآن لهؤلاء العمال بسبب تداعيات انتشار فيروس كورونا يهدّد بأضرار اقتصادية على المدى الطويل، فيما تبقى الحلقة الأضعف مكوّنة من أصحاب الدخل المنخفض.
وتجبر الصدمة المزدوجة الناتجة من انهيار أسعار النفط وانتشار فيروس كورونا، دول الخليج على إعادة التفكير في سياساتها تجاه غالبية العاملين لدى القطاع الخاص فيها، وهم المغتربون، وفقاً لتقرير حول هذا الموضوع أعدته شبكة “بلومبيرج” الأميركية.
ويطيح أعمق ركود اقتصادي يشهده العالم في زمن السلم منذ ثلاثينيات القرن الماضي، بملايين الوظائف في جميع أنحاء العالم، لكن في منطقة الخليج البالغة قيمة اقتصاداتها 1.6 تريليون دولار، عادة ما يضر الركود بكل شيء يخص العمال المغتربين، من وضع الهجرة إلى القدرة على فتح حساب مصرفي أو استئجار شقة أو الحصول على خط هاتف، إذ إن كل ذلك غالباً ما يتطلب إذناً من صاحب العمل.
الباحثة المقيمة التي تغطي الشرق الأوسط في معهد “أميركان إنتربرايز” في واشنطن، كارين يونغ، قالت: إن عمليات التسريح الجماعي للعمال تشكل “خطراً كبيراً”، علماً أنه في دول مثل الإمارات ودولة قطر “يعتمد الاقتصاد المحلي بأكمله في قطاع الخدمات على استهلاك المغتربين، من إنفاق الأموال والذهاب إلى المطاعم وتجارة التجزئة”.
البيانات الأولية المتوافرة لا تدعو إلى التفاؤل بالنسبة للعمالة الوافدة، ففي الإمارات، خفضت الشركات التوظيف في مارس الماضي بأقصى وتيرة منذ أن بدأت شركة “ماركيت” المتخصصة في تتبع ظروف التشغيل في القطاع الخاص غير النفطي في البلاد.
وحذرت “منظمة العمل الدولية” من أن أكثر من مليار عامل في جميع أنحاء العالم معرّضون بشدة لخطر خفض الأجور أو فقدان وظائفهم بسبب تفشي الفيروس التاجي.
حتى قبل الأزمة الأخيرة، بدأت حكومات الخليج في إجراء تغييرات لضمان استمرار اعتماد الأجانب الذين تتكل عليهم اقتصاداتها بشكل متزايد في الأوقات العصيبة، كما في أوقات الرفاه، ففي الإمارات، حيث أكثر من 85% من السكان هم من الأجانب، اتخذت السلطات خطوات نحو منح إقامة طويلة الأجل. كما قامت دولة قطر بخطوات مشابهة.
في هذا الإطار، قالت يونغ: إن “جاذبية سوق العمل على المدى الطويل تحددها كيفية معاملة الناس الآن من حيث وقت خروجهم، أو محاولة تجديد العقود، أو الحصول على مدفوعات نهاية الخدمة، وخصوصاً بالنسبة للوظائف ذات الأجور الأعلى”.
كما بدأت دول الخليج بإظهار رغبتها في تخفيف معايير الهجرة الصارمة على المدى القصير فقط. وفي السياق، قالت قطر إن الأجانب الذين لديهم تأشيرات منتهية الصلاحية يمكن أن يمكثوا شهراً إضافياً.
كذلك، خففت الإمارات بعض معايير تجديد الإقامة وتعهدت بدعم الزوار العالقين بعد إغلاق الحدود، كما شجعت أصحاب العمل على اختيار الإجازات غير المدفوعة وتخفيضات الرواتب بدلاً من تسريح العمال.
الأولوية لأرباب الأعمال
لكن حتى مع قيام دول الخليج بضخ عشرات مليارات الدولارات ضمن إجراءات التحفيز الموجهة لمساعدة الشركات والمصارف على النجاة من التباطؤ الاقتصادي، فإن معظم المبادرات تستهدف أصحاب الأعمال وليس العمّال أنفسهم.
وكانت الأولوية الأُخرى هي حماية المواطنين أولاً، فمع تحرّك السعودية لتجنّب تسريح العمال على نطاق واسع، تعهدت السلطات فقط بمساعدة الشركات المتعثرة عبر تأمين أجور المواطنين السعوديين العاملين لديها.
كبير الاقتصاديين في “بينينسولا للعقارات” في دبي، كريستوفر باين، قال: “لن تقوم الحكومات بإجراء تغييرات أساسية طويلة الأجل على سياسة الهجرة على الفور”.
أما علي السالم، المؤسس المشارك لشركة “أركان بارتنرز”، وهي شركة استشارية للاستثمارات البديلة بما في ذلك صناديق التحوط والأسهم الخاصة، فقد قال: “ستستجيب الشركات على نحو متباين تبعاً لظروفها، وقلقي هو أن الشركات الصغيرة والمتوسطة هي محور حملة التنويع الاقتصادي في الخليج، وقد تكون أكثر من يعاني”.
ويشير تقرير “بلومبيرج” إلى أن العمال الذي تُخفّض رواتبهم سيواجهون صعوبة في تغطية نفقاتهم في مناطق باهظة الثمن، وقد سمحت الكويت لعشرات الآلاف من المعلمين المغتربين وأسرهم بمغادرة البلاد حتى إعادة فتح المدارس، وهو الأمر الذي قد يخفف الضغط عن نظام الرعاية الصحية.
ويبقى الوضع غير مستقر بشكل خاص بالنسبة للعمال المهاجرين من ذوي الدخل المنخفض، الذين يمكن تركهم مُعدمين دون دعم من الحكومة.
وقد تدخلت المؤسسات الخيرية لملء الفراغ في قطر والكويت، لكن فقدان الوظائف سيؤثر أيضاً على الاقتصادات الأُخرى، حيث أصبح الخليج الآن مصدراً مهماً للتحويلات المالية إلى دول من جنوب شرق آسيا إلى شمال أفريقيا.