قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن: إن حالة الفوضى والذعر والتكلفة الإنسانية التي سببتها جائحة كورونا كشفت عن خلل في المؤسسات الإقليمية والدولية القائمة.
وأضاف في مقال نشره موقع “الجزيرة الإنجليزية” اليوم الأربعاء، أن وباء كورونا أضاف بُعداً جديداً من عدم اليقين والقلق إلى عالمنا الهش وغير الآمن أصلاً.
وأوضح أن الكثير من الأشخاص باتوا يتفقون على أن أي شيء لن يعود كما كان من قبل، إلا أنه ليس واضحاً أي نوع من النظام السياسي العالمي سيظهر “في عالم ما بعد كورونا”.
وأضاف: “هذا الوضع إما سيقربنا أكثر من بعضنا البعض أو سيدفعنا للمزيد من الابتعاد”.
واستطرد: “الخيارات التي سنقوم بها الآن لن تشكل النظام الجيوسياسي والاقتصادي فحسب، بل ستصيغ أيضاً وضع إنسانيتنا في العقود القادمة”.
وأضاف: “حالة الفوضى والذعر والتكلفة الإنسانية التي سببتها جائحة كورونا كشفت عن خلل في المؤسسات الإقليمية والدولية القائمة؛ فالأمم المتحدة وصفت هذه الأزمة بأنها الأصعب منذ الحرب العالمية الثانية”.
وأكد أن المؤسسات الدولية بدءاً من الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي وصولاً إلى الأمم المتحدة وفروعها باتت في موضع تساؤل بشأن جدواها أمام التهديدات الدولية.
وأضاف أن المؤسسات والتحالفات الإقليمية والدولية تعاني من أزمة شرعية منذ فترة طويلة، ولكن مع ذلك، قد تشكل هذه المرحلة فرصة لإعادة التعريف بمهام وعمليات تلك المؤسسات.
وقال قالن: إن فيروس كورونا يقتل الناس، لكنه يستمد قوته من النظام العالمي الحالي ومؤسساته.
وأضاف: “قضية الموازنة بين الحرية والأمن ستبقى محورية مع الديناميات الجديدة، وحالياً هناك تساؤل مطروح عن مدى استعدادنا للتخلي عن حرياتنا من أجل أمننا، ومن المحتمل جداً أن تكتسب الأنظمة السياسية الاستبدادية والقومية الإقصائية مزيداً من الرواج في عالم ما بعد كورونا”.
تغيير حياتنا
وتابع: “جميع المشكلات الناجمة عن الأوبئة والحرب البيولوجية والأسلحة الكيميائية والإرهاب وأزمة اللاجئين والصراعات التقليدية، ستجبرنا على اتخاذ قرارات من شأنها تغيير حياتنا، رغم أنها تتطلب تنازلات غير عادلة”.
ومضى قائلاً: “يبدو أن صعود الأنظمة السياسية القائمة على الأمن، أمر لا مفر منه على المدى القصير، ولكن يجب ألا نسمح لها بأن تقرر مستقبلنا، ويجب أن نكون يقظين إزاء إساءة استخدام السلطة في عالم ما بعد كورونا”.
ولفت إلى أنه “كمفهوم شامل، لا يمكن فصل أمن الإنسان عن حريته، ولا يمكن لنظام اجتماعي سياسي سليم العمل على أساس الأمن وحده. فالحرية شرط لا غنى عنه للإبداع والتفكير والعلاقات والإنتاج الإنساني”.
وأضاف أن الموازنة بين الحرية والأمن أمر ضروري في مكافحة الكوارث الطبيعية أو الاصطناعية، فوباء كورونا أظهر مدى أهمية الأمن الحيوي والأمن الافتراضي للمجتمعات والشركات والحكومات بقدر أهميته للأفراد.
وتوقع قالن أن تشهد الأيام المقبلة مزيداً من الاستثمارات في هذين المجالين للتغلب على كورونا، مضيفاً: “إلا أن التكنولوجيات الجديدة قد لا تكون قادرة على منع الأمراض والأوبئة في المستقبل، لكنها ستعلمنا كيف نعيش بأقل الخسائر”.
المفتاح هو توفير الأمن للجميع
وقال قالن: إن “التهديدات العالمية تظهر لنا جميعاً أنه لا أحد منا في مأمن حتى نكون جميعاً في أمان، من اليوم فصاعداً لن يكون هناك أي تسلسل هرمي ثقافي أو حصانات اقتصادية أو امتيازات لأي منطقة أو دولة أو بلد، لا يمكن لأي بلد أن يخوض هذه المعركة بمفرده، قد تبدو الدعوة للعمل والتضامن متعدد الأطراف وكأنها مبتذلة، لكنها أصبحت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى لإنقاذ الأرواح”.
وأضاف: “يجب على الأمم المتحدة إعادة هيكلة نفسها للتعامل مع مثل هذه الأوبئة. لا يكفي تقديمها النصائح. يجب تمكين منظمة الصحة العالمية من اتخاذ إجراءات وقائية. وعلى دول مجموعة العشرين أن تأخذ زمام المبادرة في تخصيص الأموال لتطوير اللقاحات ومشاركة النتائج مع البلدان النامية”.
وأردف: “يجب أن تكون حماية الفئات الأضعف هي الأولوية، بغض النظر إن كانت في ووهان أو نيويورك أو مدريد. فملايين اللاجئين السوريين والأفغان وغيرهم موزعون في أصقاع الأرض دون أي ضمان أو حماية صحية”.
واستطرد: “يجب أن نتذكر ونعتز بإنسانيتنا العميقة عندما نهتم بالمسنين والمرضى والمحتاجين والأجانب. وهذا ما يحدث في عدد لا يحصى من المستشفيات والعيادات ووحدات العناية المركزة حول العالم”.
وأضاف أن “الأبطال الحقيقيين لهذه المحنة المفاجئة هم الأطباء والممرضون والعاملون في مجال الصحة، الذين يخاطرون بحياتهم لإنقاذ الآخرين”.
وتابع: “إذا أردنا هزيمة الفيروس بحكمتنا ورحمتنا وإنسانيتنا، بقدر علمنا وتكنولوجيتنا، يجب أن ننشر إنسانيتنا العميقة في كل شارع وحي ومدينة وبلد. قد يمنح بناء الأسوار المرتفعة بعض المكاسب للشعبويين، لكن لا يمكنهم توفير السلامة والأمن للجميع”.
ومضى قائلا: “سوف تنقضي أيام كورونا، لكن يجب على السياسيين ورجال الدين أن يتولوا القيادة لمنع تفشي فيروسات أخرى في المجتمع مثل كراهية الأجانب ومعاداة السامية وكراهية الإسلام والعنصرية والتمييز”.
وأكد أن “كل كارثة طبيعية هي محاولة الطبيعة لخلق توازن جديد. وفي نفس الوقت هي رد على ما نقوم به نحن البشر ضد تناغم نظام الطبيعة. هذا الوضع يتطلب استجابة عاجلة ومناسبة من البشرية، ويجب ألا نكتفي فقط بإعداد الأرقام والإحصاءات والرسوم البيانية كما فعلنا على مدى القرون العديدة الماضية”.
وختم بالقول: “قد يكون فيروس كورونا تحذيرا لنا بأننا لسنا سادة الكون وأن العالم ليس ملكا خاصا لنا. مع استمرار مذبحة الرأسمالية وثقافة الاستهلاك في العالم، قد يكون الرد علينا من كوكبنا بمزيد من الفيروسات والأوبئة والكوارث”.