بينما يتجه اليمين البريطاني إلى تضييق الفرص على المهاجرين، تعرضت المملكة المتحدة لأزمة نقص في الكوادر الطبية أثناء أزمة كورونا الحالية، ورغم الاحتياج الشديد لسد النقص في القطاع الطبي بالمهاجرين، فإن إجراءات التوظيف للقادمين من خارج دول الاتحاد الأوروبي ما زالت شديدة الصعوبة، إذ تخضع للعديد من التعقيدات الإدارية والمالية.
يعتمد القطاع الطبي في المملكة المتحدة على كوادر من أصول أفريقية وآسيوية ومن أقليات عرقية أخرى بنسبة 44%، وعليهم دفع رسوم سنوية باهظة مقابل امتياز استخدام الخدمة الصحية الوطنية، بالإضافة إلى دفع الضرائب. ومن المقرر أن ترتفع هذه الرسوم من 400 جنيه إسترليني (نحو 496 دولاراً) إلى 624 جنيهاً في أكتوبر الأول المقبل.
وتحت ضغط أزمة جائحة كورونا الحالية، قررت الحكومة أن جميع الممرضات والأطباء والمساعدين الطبيين والمتخصصين في الرعاية الصحية ستجدد تأشيراتهم تلقائيا لمدة عام واحد مجانا، بحسب ما نشرته صحيفة الغارديان.
لكن أمام هذه التعقيدات التي يواجهها الأطباء من الأقليات العرقية، كان هؤلاء هم من تصدوا لفيروس كورونا، وتصدروا الصفوف الأولى في المواجهة، إذ شكلت قصصهم أساطير حية حتى بعد وفاتهم بسبب الإصابة بالفيروس.
منزل الحوراني مأوى الأطباء
لم يعرف استشاري الأنف والأذن والحنجرة في مستشفى كوينز في بيرتون د. أمجد الحوراني أنه مصاب بفيروس كورونا حتى دخل المستشفى وتم وضعه تحت جهاز التنفس الاصطناعي، وبعد ثلاثة أسابيع توفي في مستوصف ليستر الملكي عن عمر 55 عاماً.
ورغم إجراء اختبار الفيروس مرتين، فإن النتيجة كانت سلبية فيهما، لكن لسوء الحظ جاءت النتيجة إيجابية في المرة الثالثة.
وقف الحوراني في خط الدفاع الأول، وتعرض لحالات كثيرة من المرضى الذين يعانون من مشاكل في التنفس وسعال مستمر، وفقدان حاستي التذوق والاستنشاق بسبب الإصابة بالفيروس، حيث قال شقيقه أمل عنه لـ”الجارديان”: “لم يكن يدرك حتى أنه بحاجة إلى معدات واقية، إذ كان يقوم بمهامه للتو”.
أمجد الحوراني من أسرة سودانية تعيش في المملكة المتحدة منذ العام 1975، ولديه 5 إخوة، انتقل والدهم الراحل إلى هناك للتعرف على أحدث المعدات والأبحاث في تخصصه كاستشاري أشعة، ونقل شغفه بالطب إلى أبنائه، حتى أصبح منزل الحوراني مركز تدريب لأطباء سودانيين آخرين كانوا بحاجة إلى المشورة والتوجيه، أو إلى مكان يقيمون فيه، ليجدوا ملجأ في دار الحوراني دون مقابل مادي.
الطبيب عادل الطيار
عادل الطيار طبيب من أصل سوداني وأب لأربعة أبناء، اثنان منهم طبيبان يعملان في الخدمة الصحية الوطنية، وكان مختصا في زراعة الأعضاء، وتطوع في قسم الطوارئ بمستشفى في هيرفورد غربي إنجلترا للمساعدة في مكافحة كورونا، حيث تعتقد أسرته أنه أصيب بالفيروس أثناء علاجه للمرضى.
بدأ الطيار في عزل نفسه عندما ظهرت عليه الأعراض، وتم وضعه على جهاز التنفس الاصطناعي، لكنه توفي قبل أن يتماثل للشفاء في مستشفى ويست ميدلسيكس الجامعي بلندن عن عمر 63 عاماً.
سعدو أسطورة حية
المدير الطبي السابق بمستشفى “الأميرة ألكسندرا” في مدينة هارلو بمقاطعة إسكس الدكتور ألفا سعدو يوصف بأنه “أسطورة حية”، فقد عمل في خدمة الصحة الوطنية لسنوات طويلة وتقاعد عام 2017، وعمل بدوام جزئي في مستشفى الملكة فيكتوريا التذكاري في ويلوين بهيرتفوردشاير، إحدى المقاطعات الأكثر إصابة بالفيروس، وتوفي عن عمر 68 عاماً.
انتقل الطبيب ألفا سعدو الذي نشأ في ولاية كوارا بنيجيريا، إلى المملكة المتحدة عندما كان عمره 12 عاما، وعمل في معظم حياته المهنية هناك، كما عمل بأحد المستشفيات في نيجيريا.
قبل أيام، نشر ابنه داني على موقع فيسبوك “كان والدي أسطورة حية، وعمل في الخدمة الصحية الوطنية لمدة 40 عاما لإنقاذ حياة الناس هنا (إنجلترا) وفي أفريقيا.. لقد كان يحارب الفيروس لمدة أسبوعين، لكنه لم يعد يستطيع الكفاح”.
وقال عنه الرئيس التنفيذي لمستشفى “الأميرة ألكسندرا” لانس مكارثي “كان ألفا معروفا بالثقة في شغفه لضمان تلقي مرضانا رعاية عالية الجودة.. لقد كان عضوا ملتزما في الفريق”.
حلم نسرين بالتمريض
أريما نسرين، أم لثلاثة أبناء، من أصول باكستانية، قضت 16 عاماً من عمرها كعاملة نظافة في مستشفى، ثم تأهلت لتكون ممرضة في يناير من العام الماضي.
وبعد ظهور أعراض فيروس كورونا عليها، من ارتفاع في درجة الحرارة وسعال وآلام في الجسم، جاءت نتيجة الاختبار إيجابية بعد ذلك بأسبوع، وتوفيت في العناية المركزة بمستشفى “والسال مانور” في ريب ميدلاندز، عن عمر 36 عاما.
وأكد أحد زملائها في المستشفى أن حالتها “تدهورت بسرعة كبيرة”، بينما ظنت عائلتها أنها اجتازت المرحلة الأسوأ من المرض وكانت في طريقها إلى التعافي. وصفتها صديقتها روبي أكتر على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك قائلة: “كافحت وكافحت، لكن الله قرر أن يأخذها إليه.. لقد كانت أجمل شخص حقيقي يمكن أن تقابله على الإطلاق”.
أما شقيقتها كازيما نسرين التي كانت تعمل مساعدة رعاية صحية في المستشفى نفسه، فقالت إنها كانت في إجازة سنوية عندما بدأت تظهر عليها الأعراض لأول مرة، ولم تعتقد أنها أصيبت بالفيروس في العمل، بحسب ما نشره موقع “سكاي نيوز”.
وفي كلماتها المحفزة للعاملين في مجال التمريض وخاصة من خلفيات مسلمة، قالت أريما “أود لو أستطيع أن ألهم الآخرين.. أنا أبكي كل صباح لأنني سعيدة للغاية حيث حققت حلمي أخيرا بأن أصبح ممرضة، وأود أن أحث كل شخص يقرأ كلامي هذا على عدم الاستسلام”.
الباكستاني حبيب زايدي
زايدي من أصول باكستانية، جاء للعيش في بريطانيا منذ 50 عاماً تقريباً، وعمل كطبيب ممارس عام في أحد مستشفيات جنوب شرقي إنجلترا. توفي زايدي في العناية المركزة بمستشفى “ساوث إند في إسكس” بعد أسبوع من الحجر الصحي الذاتي، عن عمر 76 عاما.
ووفقا لتعليمات التباعد الاجتماعي، تم السماح لأسرته فقط بحضور مراسم جنازته، بينما بدأت أرملته فترة حجر منزلي.
البروفيسور محمد سامي شوشة
كان الطبيب المصري محمد سامي شوشة استشارياً في علم أمراض الأنسجة وزميلاً باحثاً في مستشفى شارينغ كروس وإمبريال كوليدج للطب بالعاصمة لندن.
قال ابن أخيه عبدالرحمن شوشة لموقع “ميدل إيست آي”: إن البروفيسور محمد سامي (79 عاماً) توفي في لندن بعد إصابته بالفيروس قبل نحو أسبوعين، وقد كان حريصاً على الذهاب إلى العمل في أيامه الأخيرة رغم المخاطر الصحية، وعلى الأرجح لم يتضمن عمله اتصالاً مباشراً مع مرضى فيروس كورونا.
تدرب شوشة في علم أمراض الأنسجة بالمستشفى الملكي الحر وكلية الطب في لندن، وكان يعمل في مستشفى تشارينغ كروس منذ العام 1978، حيث كان يدير خدمة علم أمراض الأنسجة الثديية. وكان أيضا أستاذا فخريا لعلم الأنسجة في إمبريال كوليج، وعمل في مختبرات أبحاث السرطان بالمملكة المتحدة في مستشفيات هامرسميث وشارينغ كروس في لندن.