إن من مؤشرات النجاح في الأسرة التفاهمُ الإيجابي الذي تكمن فيه مصلحة الأفراد جميعًا، وإن الإيجابية في التفاهم بين أفراد الأسرة هي أكثر ما تكون في الحوار البناء بينهم عند اختلافهم؛ حيث إن من طبيعة البشر الاختلاف؛ قال الله تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 118، 119]، هذا الاختلاف يحكمه الحوار؛ للوصول إلى أقرب نقطة يلتقي فيها المتحاوران ويتفقان فيها، وهذا الحوار الأسري قد يبني الأسرة، وقد يهدمها حسب التعامل مع هذا الحوار؛ لذلك كان لزامًا علينا أن نتعرف على قواعد الحوار فيما بيننا كأسرة واحدة؛ حتى نتفق بأكبر نسبة يمكن فيها الاتفاق، وسنتدارس جميعًا عشرين قاعدة سريعة في الحوار مع الأفراد؛ لعلها أن تكون معينًا على الاتفاق ونبذ الخلاف.
القاعدة الأولى: في حوارك اجعل في فكرك تلك العبارة: “رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب”، وذلك بخلاف من يقول: “رأيي صواب لا يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب”، وفرق شاسع بين العبارتين؛ فالأولى تمهيد للتفاهم الإيجابي، أما الثانية فهي سلبية في الحوار، وقد يكون الحوار معها جدالًا عقيمًا، لا يسمن ولا يغني من جوع.
القاعدة الثانية: تحاور معي بأدب واحترام، وليس شرطًا أن تقتنع برأيي؛ فليس من شرط الحوار الإيجابي أن تحصل القناعة التامة، بل الإيجابية تكمن في الاحترام المتبادل في الألفاظ والمفاهيم، ومحاولة الوصول إلى أقرب نقطة يتفق عليها الطرفان، وليستثمرا تلك النقطة لمزيد من الاتفاق المتبادل.
القاعدة الثالثة: الاختلاف والخلاف بين البشر هو من طبيعتهم، فلنتعامل معه برفق، وكما نقبلهم باختلاف ألوانهم وأشكالهم، فلنحاول أيضًا قبولهم ولو نسبيًّا باختلاف أخلاقهم، ونقول هذا حتى تسير الحياة مستقيمة إلى حد كبير؛ فإن من البشر الجاهل والمتعجل ونحو ذلك، فلنتعامل مع كل ذي صفة بما يناسبه في الحوار؛ حتى لا تغرق السفينة.
القاعدة الرابعة: عندما تحاور ليكن في فكرك أنه يستحيل أن ترى كل شيء بزاوية 360 درجة، فأنت لا تعلم كل شيء، وليس لزامًا أن يكون كلامك هو الصحيح 100%؛ فقد تخفى عليك بعض الأمور، فعندما يحاورك الآخر بضد كلامك، اجعل له في ذهنك مساحة للتأمل والتعديل، ولا تستعجل الرد، وكن عادلًا في ذلك، فقد تكسب صاحبك ويكسبك.
القاعدة الخامسة: على المتحاورين أن يعلما عبارة: “ما تصلح له أنت قد لا أصلح له أنا”، فلكل نفس طبيعتها، فبعض الناس انطبع على صفة، ويريد أن يكون الناس كذلك، فقد تتحاور مع أحد في شيء يناسبك مائة في المائة، لكن قد لا يناسب صاحبك، فتحاور معه بهدوء، واعلم أن النفوس تحمل طباعًا مختلفة، فأوقف حوارك معه على أقرب نقطة تتفقان عليها.
القاعدة السادسة: اعلم أن ما يزعجك قد لا يزعج الآخر والعكس بالعكس؛ فلا تتعمق في إلزام الناس بإلزاماتك الخاصة بك، بل اطرح رأيك من غير إلزام بامتثاله؛ فإن بعض الناس يجعل نفسه مقياسًا للخلق، فما وافقه ألزم الناس به، وما خالفه نهى الناس عنه، ولو بلسان الحال، وليعلم الجميع أن لكلٍ طبيعته ما لم يكن الأمر شرعيًّا؛ فإنه محسوم شرعًا.
القاعدة السابعة: ساعدني في توضيح رأيي من خلال إنصاتك واحترامك، ولا تبادرني في الرد قبل أن أكمل وجهة نظري؛ فربما إنصاتك الإيجابي قد يزيل بعض ردك.
القاعدة الثامنة: في حوارك لا تحاول أن تتصيد العثرات، بل كن إيجابيًّا في فهم المقصد، وتشجيعي على ما توافقني عليه؛ لكي نقترب من الاتفاق الذي هو هدف كل منا.
القاعدة التاسعة: في حوارك مع أحد لا تمارس عليه دور الأستاذ، بل مارس عليه دور الأخوة والشفقة والرفقة والمساواة، وهذه سبل كفيلة بإذن الله تعالى أن تجعل الحوار بنَّاءً ومفيدًا.
القاعدة العاشرة: قد تجد عندي نقصًا، فاقبلني وساعدني؛ حتى إذا عثرت فيك على نقص، قبلتك وقمت بمساعدتك، وبالقبول والمساعدة ننجو من الجدال العقيم الذي هو أحد طرق الشيطان لإفساد القلوب بيننا.
القاعدة الحادية عشرة: كن إيجابيًّا في الخلاف معي، واعلم أن اختلاف الألوان في اللوحة يعطيها جمالًا، وإن كان هذا مكلفًا للطرفين، لكن أشد منه كلفة وضررًا أن يستمر الخلاف، ولا نقترب من الوفاق.
القاعدة الثانية عشرة: عاملني في الحوار بما تحب أن أعاملك به، فكل ما تريد أن أمتثله معك في الحوار من الإستراتيجيات حاول تفعيلها معي؛ لأبادلك أنا أيضًا التفاعل.
القاعدة الثالثة عشرة: اعلم أن لعبة القدم تنجح مع أنها بين فريقين مختلفين، لكن رُوعيَ في هذا الاختلاف التعاملُ الأمثل؛ فلو أن أحد الفريقين خالف قوانين اللعبة، لَما نجحت تلك اللعبة، فلنطبق نحن في حوارنا قوانين الحوار لكي ننجح فيه.
القاعدة الرابعة عشرة: ابنك ليس مثلك، وزمانك ليس زمانه، ففي حوارك معه لا بد من تغيير بعض قناعاتك، ما لم تكن محذورة شرعًا، فلا تستعجل الرد عليه حتى تتأمل، ولا في الفرض عليه حتى توازن.
القاعدة الخامسة عشرة: اعلم أن الناس لو كانوا جميعًا بفكر واحد لمات الإبداع، فاختلافهم فطرة؛ فتعامل معهم كما أوجبته عليك تلك الفطرة.
القاعدة السادسة عشرة: من خلال الحوار اصطحب ألفاظ الشكر فيما يعجبك ولو كانت يسيرة؛ فإن ذلك الشكر هو عتبة للوصول إلى الهدف المقصود، فكلماتك هي عتباتك بالوصول إلى الهدف، فابْنِها أو اهدمها.
القاعدة السابعة عشرة: الحوار للإقناع وليس للإلزام، فإذا أقنعت الآخر، فقِفْ عن درجة الإلزام؛ لأن الأمر راجع إليه ما لم يكن حكمًا شرعيًّا؛ فإنه محسوم في دين الله تبارك وتعالى.
القاعدة الثامنة عشرة: قد لا تحمل ألفاظي في حواري معك مقصدي بالكامل؛ فقد تخونني العبارة، لكن افهم أنت مقصدي، فإذا فهمته، فشجعني على ذلك من خلال لفظك الجميل الذي أكمل به نقص لفظي.
القاعدة التاسعة عشرة: من خلال اختلافي معك في الساعة الحاضرة، لا تنسَ إيجابياتي السابقة معك ومع غيرك، فالموازنة مطلوبة، والعدل صفة الإيجابيين مثلك، فالحسنات يذهبن السيئات.
القاعدة العشرون: اعلم أن تكسير مجاديف غيرك قد لا يزيد في سرعة قاربك، ولكن اجعلنا نعيش في حوارنا بروح الفريق الواحد، فلا تتصيد عثرات في لحظات، ولكن تغافل عما يمكن التغافل عنه، وليكن ذلك مني أيضًا لك.
هذه عشرون قاعدة سريعة في الحوار ينبغي معرفتها والتعامل الأمثل فيها؛ حتى يكون حوارنا مجديًا ومفيدًا، وإذا صار الحوار خاليًا من الاحترام المتبادل فإنه قد ينقلب إلى جدل عقيم، وهذا مذموم شرعًا وعُرفًا، فترك الجدل والمراء له مصالح عديدة؛ منها: التآلف، وتقارب القلوب، وسد مداخل الشيطان، واستكمال الحكمة، والحفاظ على الوقت، كما أنه أيضًا سبب كبير من أسباب دخول الجنة؛ حيث ورد في حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا” [الحديث رواه أبو داود بسند صحيح]؛ ومعنى زعيم: ضامن وكفيل.
فإذا كان الجدال عقيمًا، فكن أنت قويًّا بقطعه وإنهائه على حال حسن؛ حتى لا تتردى الحال في مهاوي السلبية، وإن الشيطان يحضر حال الجدال فيؤز الطرفين أزًّا، حتى يحصل ما لا تحمد عقباه لا قدر الله.
أسأل الله تعالى للجميع الوئام والاجتماع، والتآلف والتصافح، والهدى والتقى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(من إعداد اللجنة العلمية في مكتب الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في جنوب بريدة).