جرت العادة أن تكون معظم النصائح موجهة إلى المقبلين على الزواج، أو حديثي الزواج، إلا أنني هنا بصدد الزوجين اللذين استقلا معاً قطار الحياة الزوجية لمدة 15 عاماً أو أكثر، وفي طريقهما لاستكمال محطات الحياة الأسرية معاً قد يعتري مسيرتهما تلك كثير من الخلافات والمشكلات التي قد تؤدي أحياناً إلى إنهاء الرحلة الزوجية بقرار الطلاق المفاجئ والانفصال في مرحلة قد لا يتوقعها الأولاد والمحيطون معاً.
هناك أولويات في العلاقة الإنسانية بين الزوجين مع بعضهما بعضاً، قد تجنبهما الكثير من الخلافات التي ربما تتفاقم وتُحدث شروخاً في كيان الأسرة، وهي ليست أسراراً أو وصفات سحرية، لكنها سلوكيات عامة، استحضارها في بعض المواقف قد يُحدث فرقاً كبيراً في ردود الفعل المختلفة بين الزوجين.
فهي خمسة أشياء لها أولوية في أي علاقة إنسانية، لكن بين الزوجين، وخصوصاً ما بعد الأربعين مثلاً، وليس هذا تحديداً لسن، ولكن لتغليب المرحلة العمرية وتوافقها مع مرور 15 عاماً على الزواج أو أكثر، حيث إن بعض الأزواج في هذه المرحلة يتحسسون من كبر سنهم أمام زوجاتهم، وكذلك الزوجة قد تستشعر أن زوجها ليس في حاجة إليها، وتتقلص الأدوار والمشاعر بينهما إلا من المودة والعشرة والتراحم، فكيف نبقي على تلك حتى تستمر الحياة بسكينة ومودة؟ فمن مر بحياة زوجية أكثر من 15 عاماً فهو المقصود من خماسية النجاح الزوجي تلك:
1- تذكُّر الحسنات:
من المهم جداً تذكُّر حسنات كل طرف لشريك حياته، خصوصاً في هذه المرحلة بأحداثها المصيرية؛ كزواج الأولاد وغيره؛ مما قد يُحدث احتكاكات كثيرة؛ فتتحامل النفوس على بعضها حتى تصير مشحونة بشحنات مضادة قوية لا تجذب النفوس، بل تجذب المشكلات والنفور.
وقد قدم كل طرف ما لديه لإسعاد تلك الأسرة، وتحمل الكثير من أجلها، فينظر لنفسه نظرة تقييم إيجابي، ولكن حينما يكون رد فعل أحد الأطراف على غير توقع شريك حياته؛ فستكون النتيجة مؤلمة، وكأنه جريح صريع الشكوك ووسوسة الشيطان، فتوخّي الحذر من تجاهل شريك الحياة وتجاهل مشاعره أمر مهم، وإن حدث خطأ أو إساءة وقتها تذكّر حسنات وإيجابيات كل طرف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر» (رواه مسلم)، سيساعد ذلك في تسكين النفس عن أي رد فعل غير متوقع أو مؤلم بعد عِشرة طويلة بينهما، فرصيد كل من الزوج والزوجة من المواقف النبيلة وحسن العشرة والمودة يسمح بأن يتجاوزا هذه الزلة التي حدثت بينهما، فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئاً، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت» (رواه مسلم).
2– التقدير:
التقدير من أشد الاحتياجات النفسية عند بعض الناس، وهو الشعور بالامتنان عما يقدمه لأسرته بعد الرضا عن النفس، ومع اختلاف نمط شخصية كل منهما؛ فستختلف طريقة التعبير عن هذا التقدير لما قدمه، فكل شخص يرى التقدير بعين عطائه، فمنهم من يعتبر التخطيط للمستقبل وتوفير حياة مخطط لها بشكل جيد هو خير ما قدَّم وضحى، وآخر يرى توفير سبل الراحة والترفيه والاستمتاع هي خير ما قدَّم.. وغير ذلك
وهكذا كلٌّ ينظر من منظوره أنه قدَّم وحان وقت الشعور بالتقدير لما أفنى عمره فيه، فالافتقار إلى الشعور بالتقدير في هذه المرحلة العمرية في الحياة الزوجية أشد، ومهما حاول أن يكون محتسباً ما فعله لله، إلا أن نفسه تستشرف لشعور توافق ما قدم خلال هذه السنين مع احتياجات أسرته، وما يحدث مع العشرة الطويلة بين الأزواج يعتبر كل منهما أن ما قدم هو من قبيل الواجبات ولا يستحق الشكر أو التقدير، لكن الزوج بعد هذه الفترة يعيد تقييم ذاته؛ هل هو راض عن عطائه؟ وهل هو سعيد؟ وهل ما قدمه أسعَدَ من حوله؟ فالتقدير هنا يعزز معنوياته ليستكمل مسيرة العطاء برضا وسكينة، ويعيد التوازن النفسي لكليهما، ويجنبهما الكثير من المشكلات المحتملة، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم: «مَن أتى إليكم معروفاً فَكافئوه، فإنْ لم تَجدوا، فادْعوا له».
3- التأكيد المستمر:
التأكيد المستمر أي المتكرر على حبك لشريك حياتك والمودة التي بينكما، وهنا نقصد التعبير عنها مباشرة، ولا يعتبران ما مضى في رحلة الحياة الزوجية مع بعضهما بما تحمل من مشاعر مختلفة كفيلاً بالتعبير أو التأكيد على مشاعر الحب التي يكنها ويحملها لشريكه، وأن هذا من قبيل أعمال المراهقين، ولكن أخبر من تحب بحبك، كما في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلاً كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْلَمْتَهُ؟»، قَالَ: لَا، قَالَ: «أَعْلِمْهُ»، قَالَ: فَلَحِقَهُ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ، فَقَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ. (رواه أبو داود).
فإخبار شريك حياتك من باب أولى وإعلامه بهذا الحب، أو على أقل تقدير الامتنان لبعض المواقف والعشرة التي بينكما، وبشكل مباشر وبوسائل مختلفة، وإن لم تكن العشرة طيبة بالقدر الكافي، فتذكرك لأي صفة حسنة فيه سيساعدك على التعبير عنها.
4- التغافل:
فإن تذكَّرت وقدَّرت وأكَّدت فلا بد أن هناك زلات وسقطات، فلستم ملائكة، هنا يأتي دور التغافل الذي يساعد على استكمال خماسية النجاح في تجنب المشكلات بين الزوجين بهذه المرحلة العمرية التي قد تحمل بعض المشاعر المتراكمة أو التأنيبية عما مضى من عمرهما في تضحية لم يجدا لها أثراً تكمل نفس هذه المسيرة بنفس هؤلاء الأشخاص الذين لا يحملون حباً ولا تقديراً لبعضهم، فتأتي بعض المواقف أو السقطات فتكن كالقشة التي قصمت ظهر البعير، وتقضي على ما بقي من حياة بين الزوجين؛ فيأتي التغافل هنا ليسكّن النفس حتى ترضى، بل ليتجنب التصادم، ويقي نفسه أو نفسها من إحراج متوقع بالتغافل.
والتغافل يأتي بعدم التصيُّد أو التدقيق الشديد مع شريك الحياة فيما يجري ويحدث، وإن وقع شيء يتظاهر بعدم الانتباه أو غيره، حتى يتجنب الاحتكاك والمشكلات، فقد قال الإمام أحمد بن حنبل: «تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل»، وهو تكلف الغفلة مع العلم والإدراك لما يتغافل عنه تكرماً وترفعاً عن سفاسف الأمور.
5- التصبر:
وهنا يختم التصبر خماسية النجاح لعلاقة أكثر حباً ومودة ولطفاً ورحمة، فبعد استدعاء المواقف النبيلة لشريك الحياة، خصوصاً عند حدوث مشكلة، وتقديم التقدير والرعاية والاهتمام والاعتراف بجميل ما قدم، والتأكيد عليه بالوسائل المختلفة، ثم التغافل عما قد يسقط من أحدهما؛ يأتي التصبر ليتوج حياة المبتلين خصوصاً بحياة ليس بها رصيد من المحبة؛ ليكملا قطار هذه الحياة الشاقة سواء من زوج أو زوجة، أو ظروف جعلت الحياة غير مستقرة، لكن المرحلة العمرية والأولاد والظروف قد تكون عامل ضغط لاستكمال هذه الحياة بكل ما فيها، لكن النفس والعقل والروح لم يكن لديها ما تقدمه أكثر مما قدمته في السابق؛ فالتراحم والتصبر يعيدان توازن الحياة؛ لأن الابتلاء أصاب عصب الأسرة في الحب والمودة، فالتصبر يُسكَب على نار المشكلات والخلافات فيجعلها برداً وسلاماً، ويزيدها لجوءاً وفراراً إلى الله، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «.. مَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ».