قمة العجرفة والصفاقة الفرنسية تتجسد في التمثال الموجود في مدخل جامعة السربون للعالم الفرنسي “شامبليون” وهو يضع قدمه على رأس أحد الفراعنة المصريين.
وإدراك حجم الصفاقة والعجرفة الفرنسية يلزمه معرفة معنى وجود الآثار المصرية القديمة في فرنسا، وما تجلبه لفرنسا من صِيِت وأرباح؟
تلك الآثار هي حصاد سنوات من السرقة والنهب، بدأت مع الحملة الفرنسية على مصر، التي كنا ندرس فوائدها في كتب التاريخ المدرسية!
في وسط ساحة الكونكورد تقف في شموخ مسلة مصرية يبلغ عمرها ثلاثة آلاف عام، ولا تقارن قيمتها ورمزيتها بكل ما تحويه فرنسا من معالم بناها الفرنسيون على مر العصور.
وهذا ما عبر عنه “شامبليون” في رسالته لشقيقه عام 1829:
“عرضُ هذه المسلة في بلادنا سيصبح فرصة عظيمة، بدلاً من الأشياء التافهة والزينة الرخيصة التي نسميها نحن بكل زهو آثاراً وطنية، التي تصلح بالكاد لتزيين صالونات صغيرة”.
مع العلم أنك لو غَربَلتَ باريس حجراً حجراً فلن تجد فيها بناءً يتجاوز عمره ثمانمائة عام.
وبخلاف هذه المسلة التي أهداها والي مصر محمد علي لفرنسا، يوجد في متحف اللوفر وحده ما يزيد على خمسة وخمسين ألف قطعة أثرية تحتل أكبر مساحة لأجنحة الآثار القديمة في المتحف، ومنها تمثال “الكاتب” الذي يتجاوز عمره ثلاثة آلاف وخمسمائة عام، يوم لم تكن باريس تعرف أبجدية الكتابة ولا أي معلم من معالم الحضارة، وبفضل هذه الآثار التي استولت عليها فرنسا من مصر، أصبح متحف اللوفر موصوفاً كأكبر متحف عالمي يتوافد عليه ملايين الزائرين سنوياً، الذين يمثل دَخْلُهم رقماً مهماً في الخزانة الفرنسية.
وجزاء مصر وحضارتها عند الفرنسيين هو هذا التمثال الذي يضع فيه شامبليون حذاءه على رأس الفرعون!
ورغم أن هذا التمثال تم نصبه في جامعة السربون منذ عام 1875، فإنه لم يجرح شعور أجيال متعاقبة من “التنويرين” الذين ألقوا علينا دروس المجد لفرنسا وثقافتها ورُقِيها، وبحسب علمي لم يظهر الاحتجاج على هذا التمثال إلا عام 2011 من خلال الجالية المصرية بعد ثورة يناير.
وبعدها وفي عام 2013 قدمت حكومة هشام قنديل مذكرة احتجاج من خلال وزير الآثار وقتها محمد إبراهيم عبر وزارة الخارجية، ثم تم إهمال الملف، ولم يتحرك إلا في عام 2019 أثناء مشاركة سفير فرنسا في القاهرة بمؤتمر صحفي بمناسبة الإعلان عن العام الثقافي المصري الفرنسي، عندما سأله صحفي مصري عما إذا كان هناك أي خطوات أو نية لإزالة تمثال “شامبليون”، فجاء رد السفير الفرنسي في حضور وزيرة الثقافة ووزير الآثار المصريين، قاطعاً: “التمثال يعبر عن الروابط التي تربط مصر بفرنسا، وسيظل موجوداً في موقعه كدليل على المناخ الثقافي”!
وبذلك تكون فرنسا قد أصرت على عنصريتها وعجرفتها.
وتبقى الكُرة في ملعب أصحاب الرأس الموضوعة تحت الحذاء!